لسبب ما نُصاب أحيانا" بالحزن
ربما لفقدان شيء يعني لنا الكثير
أو لرحيلإنسان لانستوعب فكرة رحيله
ولانملك القدرة على مواجهة واقع غيابه
أو لسماعنبأ حزين يقع علينا وقوع الجبل
أو لرؤية مشاهد تثير بنا من الاحاسيسمانكره
وعندها..يتجول بنا إحساس الحزن
قد يأخذ دورته القصيرة بنا
ثميرحل بلا بصمة غائره أو أثر يُذكر
أو قد يتضخّم بنا بشكل مخيف
ويتفرّع فيناكالأشجار العتيقة
ويصبح مع الوقت شيئا" لايمكننا التخّلص منه
لأن أعماقناأصبحت لجذوره وطنا
فالحزن:
هو التأثر والانفعال الذي يظهر علينا لخسارة شيء أو فقد عزيز أو وقوع مصيبة، وقد يستمر لدقائق من وقتنا أو يأخذ حيزاً كبيراً من حياتنا، ويستولي علينا فيترك آثاراً نفسية سيئة تؤدي إلى الوقوع فريسة في براثن الأمراض.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحزن هوالعاطفة الإنسانية التي تتساقط عنها كل الأقنعة وهو الكتاب المغلق الذي لانفتحه إلا أمام أصدقائنا المقربين. فهو الذي يشعرنا بضعفنا وقلة حيلتنا وحاجتنا إلى المساعدة، وهو الذي يخطف منا كل ألوان الحياة الجميلة. ولذلك يجعلنا الحزن ندرك ألم الآخرين عندما يحزنون، ويدفعنا لمساعدتهم.
ورغم مرارة الحزن، إلا أن مرارته هي التي تجعل من السعادة والغبطة والسرور أجمل من أي وقت مضى عندما تكون بعد الحزن مباشرة.
و الحزن ألم قد يصاحبه الأمل، لكن إذا لم يصاحبه الأمل الحقيقي فإنه يصبح وهما، وإذا لم يصاحبه لا أمل ولا وهم فهو أشد أنواع الحزن، وهذه كلما ت رائعا في الحزن وأوصافه… من كتاب فقه اللغة للثعالبي يقول:
الكَمَدُ حُزْنٌ لا يُسْتَطَاعُ إمْضَاؤُه
البَثُّ أشَدُّ الحُزْنِ
الكَرْبُ الغَمُّ الّذي يَأْخُذُ بالنَّفْسِ
السَّدَمُ هَمّ في نَدَم
الأسَى واللَّهَفُ حزْن على الشَّيءِ يَفُوتُ
الوجوم حزْن يُسْكِتُ صَاحِبَهُ
الأسَفُ حُزْن مَعَ غَضَبِ .
الكآبَةُ سُوءُ الحَاَلِ والانْكِسَارُ مَعَ الحُزْنِ
التَرَح ضِدُّ الفَرَحَ
.
كلام رائع ينقله الثعالبي، و هناك وسائل لتجاوزها، إن أعظم وسيلة لتجاوز الإنسان لحزنه -من كتاب الثعلبي- :
1- هو ترك التفكير في هذا الحزن، فالحزن مثل القوقعة كلما غصت فيها أكثر كلما ضاق عليك الأمر وصار صدرك ضيقا حرجا لأنك تتوجه إلى عمق القوقعة، حتى تصل إلى مرحلة لا يمكنك أن تتراجع من هذه القوقعة إلا بالرجوع إلى الخلف حتى يتسنى لك الدوران في مكانك ثم الانطلاق للخروج من قوقعة الاحزان، فإذا كنت مصمما على الاستمرار في أحزانك ستصل إلى أضيق مكان في هذه القوقعة ولن تستطيع الخروج، فتحاصرك الأمراض من اكتئاب وقلق وشك وهواجس وتوجسات، يجب أن ترجع للخلف قليلا وتعفو على أحزانك حتى لا يبقى لها أثر، استدر إلى خلف قبل أن تأتيك اللحظة التي تتشبث فيك الأحزان ببراثنها.
2- تجاوز الحزن هو البكاء، وليتخير الإنسان لنفسه البكاء الذي يناسبه، ولعل البكاء بحرقة يغسل القلب من همه وحزنه، اتذكر قصة عن رجل امتلأ حقدا على إنسان ظلمه، فلما تمكن منه وحانت فرصة الانتقام، اختلى بنفسه وبكى بكاء شديدا، ثم سامح هذا الإنسان، فكانت اللحظة التي سبقت هذه الفرصة لحظة صعبة تحتاج منه إلى شيء من الحزم والتعامل مع الموضوع بروح الانتقام، فلما تمكن من خصمه تذكر أن الله هو الذي مكنه من ذلك وأن الله قادر على أن يوقعه في الضعف مرة أخرى، فاختلى بنفسه وبكى بكاء شديدا كان كفيلا بغسل قلبه من روح الحقد والانتقام.
هناك نوع من البكاء يزيد الكراهية، وهذا ما لا نريده هنا، إن مجرد ربط القلب بالمولى عز وجل حال البكاء والدعاء بالرحمة، كأن يقول “اللهم ارحمني، يا أرحم الراحمين” وكل ما شاء من هذه الأدعية، تجعله مرتبط بالمولى عز وجل موكلا للأمر له، تاركا الأسباب خلفه، ناظرا لما استقبل من أمر حياته، فالله حفيظ على كل ما مر به هذا الإنسان من الهم والحزن.
3- وثالث وسيلة هي تغيير حياتك، غير طريقة حياتك، فهذا التجديد يبعث على حياتك انتعاشا ليس بالسهل، أحد أصدقاء الدراسة، توفي إلى رحمة الله تبارك وتعالى في حادث سيارة، فحزنت عليه أمه حزنا شديدا وفارقت الدار الذي كانت ترى فيه ولدها وفلذة كبدها، كنت فترة اعتبر هذا التصرف دلالة على التسخط على قضاء الله، لكن سبحان الله، لما قرأت في بعض الكتب وجدت أن وجهة نظري كانت (خاطئة تماما)، فإن هذه الأم فجعت بابنها، وأن سكنها في منزل خلاف المنزل الذي كانت ترى فيه ولدها سيبدأ في ترسيب معلوما جديدة في ذهنها تترسب فوق ما انطبع في ذهنها من حياة جميلة مع ابنها الغالي، وهذا وإن كان لن يمحو هذه المحبة من التفكير إلا أنها يخفف وطئتها على الأم المكلومة ، قم بتغيير نمط حياتك، هذا كفيل على أن يرمي بك القدر في أجواء تخفف عليك الهم والحزن، وتستطيع أن تبدل تلقائيا حالة الحزن إلى حالة من الفرح والسرور.
4-الوسيلة الرابعة هي تأمل جمال الطبيعة، البحر والصحراء والجبال، اخرج من قبة الحزن التي نصبتها على نفسك، انطلق لأفق أكثر رحابة، اترك الزوايا الحادة والقائمة الموجودة في منزلك، وتلك الخطوط المستقيمة التي تبعث على الكآبة إلى أفق أرحب، إلى تلك القبة الزرقاء التي ليس لها زاوية لا شمالا ولا شرقا ولا جنوبا ولا غربا، تلك القبة التي يتجمع تحتها روعة الشمس وبياض السحاب وزرقة السماء وجمال القمر، كل ذلك يتلاقى في أطراق القبة الزرقاء ببحر أحمر أو جبال سود أو صحراء ذهبية أو حتى خضرة البساتين، اخرج واضحك وافرح، لا تضحك على نفسك وتقول “كيف اضحك وأنا حزين”، لا تخدع نفسك بنفسك ولا تعتبر هذا الكلام سخافات، الحزن يأتي به الله، فما يأتي به الله فإن الله قادر على إذهابه، سواء من فرح أو حزن، أو نعمة أو نقمة.
5- الوسيلة الخامسة وأختم بها، وهي التعلق بالله وكثرة الذكر، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ، اذكر الله، هناك دعاء لإزالة الكرب والحزن والهم والخوف، ارفع يدك وادعو الله دعاء المضطر، قال تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، فلا تظن أن هناك في هذا الكون الفسيح من هو أرأف بك وأرحم من مولاك الله عز وجل، في الوقت الذي يخذلك فيه الناس أو يتشمتون فيك، في الوقت الذي لا يستطيع أحد أن يعلم حد حزنك، في الوقت الذي قد يظن البعض أنك تتصنع الحزن أو تتباكى، إعلم أن الله مطلع على قلبك عالم بحالك لا يبخل عليك أن يبث في قلبك شيئا من السعادة لتستبشر بحسن المآل عنده سبحانه وتعالى.