تجولت في المتاجر بحثا عن هدية مناسبة، توقفت في نفس الأركان الخاصة بالملابس، بدأت باللون الوردي ولم يعجبها،جربت الأصفر، ولم يرق لرفيقتها إذ قالت: هذا اللون غير مناسب للأطفال .. بعدها وقع اختيارها على ذوات اللونين الأبيض والذهبي ثم الأخضر والبرتقالي معا ..
ـ لا لا هذه الألوان غير متناسقة بشكل جيد .. قالت صديقتها.
أخيرا اختارت فستانا ما بين الأبيض والوردي؛ ولكن ليس مناسبا للعمر الذي تريده كما أنها لا تدرك أرقام مقاسات الأطفال؛ ولكنها تعلم أن سلمى وهو اسم الصغيرة الذي دافعت عنه ـ أمام الرأي القائل بأنه قديم ـ ستبلغ بعد 9 أيام حولا كاملا ، ـ سلمى بماذا تفكرين؟ أين نجد أجمل من التفكير ؟ كان ردها.
في المتجر اكتشفت أنها تقف في المكان الخطأ. كله لملابس الأطفال ولكنها لعامين فما فوق!.. اختيارين حذفتهما من رأسها اللون الأزرق، واللون الأبيض من الثياب وإن كان للأول شأنه المعروف فإن الأبيض هو عقدة أمها من الثياب بالنسبة للأطفال الذي أصبح عقدتها الآن في هذا المحل؛ لذا استبعدتهما على الفور، نبهتها صديقتها إلى الوقت الطويل الذي أمضيتاه .. وكي تخفف من وطأة حديثها، وتريح قدميها، قررت الانتهاء من هذا العمل فورا والمغادرة، لم تمض بضع خطوات على مشيها حتى توقفت أمام الأحذية ذات الجلد اللامع، وصادف أن الحذاء الذهبي أصغر من الوردي الذي كان منه مقاساً .. احتارت أيهما تختار، نظرت إلى صديقتها .. ـ ما دمنا أننا لا نعرف مقاس قدميها فلا داعي للحذاء. همست لها صديقتها .. قالت :ـ انظري. الجوراب الزرقاء . ما رأيك؟ بعفوية ضحكت صديقتها.
على عجل انصرفتا.. تاهت أقدامهما في الزوايا العريضة والضيقة ، فقررتا الولوج مرة أخرى إلى المحل الأول في القائمة، ذهبت هي أولا، ووصلت الركن المناسب، أطبقت جفنيها، لوهلة تذكرت اللون الذي تبحث عنه أم الطفلة، لمسته برفق، تمعنت فيه جيدا وجدت خيطا ترك مكانه من الفستان فأعادته، حدقت في الباقي، واختارت القاصي منها الذي قد لا تكون لمسته أيادي كثيرة، لوحت به على طريقتها، كادت أن تضمه إلى صدرها .. تحولت عيناها إلى اللون البنفسجي!.
عاد إليها سرورها وصلت المنزل وهي تدندن: ماما زمانها جاية جايبة معاها فستق ومش عارفة إيه ، توقفت عند هذا الحد ليس بسبب هذيانها في الأغنية؛ إنما من أجله المستلقي على سريرها الآن، تذكر جيدا كيف أنها حرمت نفسها لثلاثة أشهر من حضنه وأن ينام معها ويختنق بذراعيها إلا حينما رحلت عن الدنيا من قالت لها: هذه الأشياء يسكنها الجن! بالرغم من ذلك أحبه الجميع وأراد الأطفال الآخرون واحدا مثله؛ لكنها لم تعطه لهم أبدا .. توجهت إليه بالكلام : ـ لم تتغيرأبدا!
ذات العينين الضيقتين، الخصلة الكبيرة من شعره البني تغطي جزءا يسيرا من رأسه فقط، الفم المفتوح على حاله كأنما في حالة انتظار أو تأهب، لا يبدو على ملامحه الغضب، بشرته بيضاء، و دوما يرتدي سترة حمراء، و ليس من اسم يلائمه أكثر من ( بيانكو) لبياض لونه ..
ـ عجيب أمرك بيانكو. تابعت: انظر ما زلت أحتفظ بعيدية صديقتي لك: مائتا بيسة فقط! هنيئا لنا ببعض لن أطلب لك قلبا، ستظل على طبيعتك أنت جزء بل قطعة مني .. ضحكت منها أختها (أروى) عندما لم تجد الهدية المناسبة لعيد ميلادها التاسع فأخبرتها عن (بيانكو ) قائلة: سأمنحه لك. ـ عفوا لا أريد قطعة منك، لا تقطعي نفسك من أجلي! قالت أختها.
بعد انتظار طال وردها اتصال منه:عزيزتي أنا في الصحراء
- متى ستعود؟
- بعد أسبوعين
- أاف
- هل ينام بجانبك الليلة ؟
استنكرت :ـ طبعا لا .. استودعته الله ثم نامت، أرادت للأحلام الجميلة التي تمنياها أن تصبح حقيقة ..
توجعت من الألم فتحت عينيها، لم يمض كثير من الوقت حتى عاودها، تلمست بطنها تحسسته بأصباعها الرشيقة .. نظرت إلى نفسها في المرآة ، تذكرت أنها تناولت كمية أكبر من (الأمبا) مع الملح والفلفل في جمعة النسوة الحوامل!
فتحت النافذة، تخللت نسمات الهواء ثنايا ثوبها، ضاع شعرها في سواد الليل، زارها طيف حميدة التي مات ابنها بعد 9 سنوات، ولم يرها أحد بعد ذلك .. أين ذهبت يا حميدة ؟ قالت.
في الجهة المقابلة طيف سعيدة التي لا تطيق بكاء أولادها .. هي لا تعرف من يبدأ بالصياح أولا ؟.. لعنت الظلام أشعلت شمعة .. لا شك أنك تتذكر أنه اليوم العالمي للطفولة ؟! تساءلت.
في الصباح قررت أن تزور أم سلمى وتسلمها الهدية..
أم سلمى .. بان الاستغراب والفرح مختلطا في عينيها تفوهت أخيرا وقالت: لماذا أتعبت نفسك ؟!. راقتها العبارة سافرت ذاكرتها بعيدا، قبل عام ونصف كانت أم سلمى التي لم تكن تعلم بها تحمل سلمى تحت العباءة, أما هي فتراقبهما دائما .. بعد مرور ربع سنة جديدة كانت قد ذهبت في جولة، وحين قررت صديقاتها شراء الدمى أبت هي أولا؛ لكن رغما عنها أخذت واحدا لتكتمل حسبة النقود لعدم وجود فكة عند البائع..
عادت به إلى البيت، ولإنه أقرب في شكله إلى الطفل الرضيع فقد تلقت بعض السخرية والضحك والتهاني بالمولود الجديد .. الذي ستحتفل بعيد ميلاده في الثامن من هذا الشهر، قبل يوم واحد من ميلاد سلمى ..
فطنت إلى هذه الصدفة؛ لكن أم سلمى لم تتذكر بيانكو أبدا .. عضت على طرف شفتها السفلى كادت أن تقول لها: ذلك الذي تبنيته / اشتريته بخمسمائة بيسة!