الحاج نابليون (قصة قصيرة ) من تاليفي
ملئت رئتي براحة طلع النخيل والتي تكون اكثر نفاذا وانتشارا ساعة الغروب حين تبدأ شمسي بالأفول تاركة بعض الغيمات الملطخة بالدم ..
كنت اقلب بعض الأوراق لمقرر التاريخ الذي ادرسه ، وفي كل صفحة افتحها بين عيني أرى وجه مدرس التاريخ والذي يشبه خارطة طبيعية لدولة عربية .. مائة وخمسون ورقه يا ظالم تريدني أن أذاكرها في ليلة واحدة .
ألقيت بالأوراق واتجهت إلى خارج البيت . كان أول شئ صافحته عيناي بعد خروجي هو قط جيراننا المدلل عبد التواب - هذا اسمه وهو عضو في منظمة الرفق بالقطط – وهو يتبختر في مشيته وقد غالا فيها بعد أن أيقن أني ارشقه بنظرات الإعجاب ..
فكرت : ليتني كنت مثلك يا عبد التواب .. لا مذاكرة ..ولا مقررات .. ولا أساتذة يذلونك بسبب درجة أو ودرجتين ، ترا لو جعلتك بطلا لإحدى قصصي يا عبد التواب هل ستكون سعيدا كما أنت الآن ..؟؟
ربما أحس عبد التواب بما أنا فيه من الهم والغم بعد أن تكورت على عتبة باب منزلنا .. فتوجه نحوي بعد أن أنهى حوارا هادئا مع مندوب من إحدى الجمعيات الخيرية لإغاثة قطط منكوبي تسو نامي .
- مساء الخير ...ابتدرني قائلا .
- مساء النور يا عبد التواب
- أراك مهموما وكأن نتائج الثانوية العامة قد أعلنت على الشبكة العنكبوتية ولم تكن كما تحب .. لم يبهرني معرفته بالشبكة العنكبوتية لأنه ليس كباقي القطط كما أسلفت .
لم أفه بكلمة حتى أنى أحسست بان شخصا ثالثا كان معنا يدعى الصمت ..
- احم .. احم ...هل اكلم نفسي أيها الأخ الحبيب قالها عبد التواب وهو يخرجني من دوامة الشرود التي غرقت فيها .
انزلقت من شفتي ابتسامة وأنا أقول لا شئ يذكر يا عبد التواب سوا أنى مللت من مذاكرة مادة التاريخ ..لا لشيء ولكن كلما وقعت عيناي على أوراق المقرر تذكرت وجه مدرسي والذي يشبه خارطة طبيعية لدولة عربية ، ماذا كان يضره لو كان وجه يشبه خارطة لدولة أوروبية ، لكنت ألان من الأوائل في مادة التاريخ ..عليه من الله ما يستحق ..
ترا لماذا أشقى واتعب لأريح مدرس التاريخ يا عبد التواب؟؟ ...الكي يظهر أمام مسؤولية بصورة لائقة .. هارون الرشيد قتل مسموما ...وابن العلقمي مات مدافعا عن عرضه .. ونابليون حج في السنة الفلانية ...وابن سيناء اخترع القنبلة الذرية ..مالي ولهؤلاء ..
وبحركة مسرحية بدأت تنبعث من فم عبد التواب ضحكات متوالية وهو يقول : أهذا ما يحزنك يا صديقي ؟؟ إنها أقدارنا نحن نشقى لنسعد غيرنا ..لم يكمل جملته تلك حتى قام على عجل وهو ينظر إلى معصمه حيث تستقر ساعته الانيقه وهو ينفض الغبار عن ذيله ومؤخرته ثم أردف قائلا : وهو يودعني هكذا تحلوا الحياة حين يشقى بعضنا لإسعاد سواه ..
عندما قارعت هذه العبارة أذني اليمنى لم تخرج من اليسرى كالعادة هممت إلى أوراق التاريخ ...وبعد لحظات من إمساكي بها لاحت لي صورة مدرس التاريخ ولكني هذه المرة لم أكورها وارميها بعيدا ... بل سارعت لإشعال موقد الغاز ...
تمت ...
اخوكم فارس الحصن
 |
|