تقرير عن : العمانيون رواد البحار
مقدمة
شكلت عمان في تاريخها حاضرة بلاد العرب ونافذتها المطلة علي المحيط الهندي وبلاد السند والهند. ورغم الدور الطليعي الذي قامت به عمان في سياق الأمة العربية والإسلامية ووقائعه المشرقة، لكنها ظلت ، لبعدها عن مراكز الخلافة الإسلامية وانشغال المؤرخين بأخبار الخلافة، لم تنل القدر الذي يليق بها من اهتمام المؤرخين وأصحاب الأخبار ورغم الإسلام المبكر لأهل عمان لكنهم ظلوا سادة بلادهم ولم يسمحوا لجيوش الخلافة بالسيطرة عليها علي غرار البلدان الأخري .
وقد لعب العمانيون دورا أساسيا وإيجابيا في النشاط البحري في المحيط الهندي والخليج العربي في مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة ولا شك أن هذا الدور انعكس علي الحياة السياسية كما هو شانه علي الحالة الاقتصادية في عمان، التي اضطلعت بدور كبير إلي جانب تفعيل التجارة البحرية بين آسيا وأفريقيا بحكم الموقع واتصالها بساحل أفريقيا ومدخل بحر الهند والصين، برسم خارطة النفوذ السياسي في منطقة الخليج العربي، والبحر الأحمر وشرق أفريقيا والبحر العربي والمحيط الهندي، ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع الذي بصدد التطرق إليه في هذا التقرير.
دور البحرية العمانية قبل الإسلام
تشير اللوحات التي ترجع إلي ما قبل القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد إلي وجود صلات تجارية بين مجان (عمان) والأكاديين الأمر الذي يدل علي عمق وأهمية وقوة الروابط التجارية عبر البحار بين حضارتي وادي النيل وما بين النهرين من جهة وحضارة وادي السند من جهة أخري (انظر محمد علي الصليبي - عمان ودورها الريادي بين حضارات العالم القديم والدليل علي ذلك هو ما أشارت إليه أدلة أثرية علي وجود علاقات بحرية مزدهرة بين الفراعنة في مصر وبين حضارة ظفار في سلطنة عمان والتي أطلقت عليها النصوص الفرعونية بلاد (بونت) ولعل أجلي المعلومات عن البحرية العمانية في العصور القديمة، تأتينا مع الفتوحات الكبرى للإسكندر المقدوني (356-322 ق.م)، التي أدت إلي تغييرات عميقة في الطابع السياسي والحضاري لغرب آسيا رغم قصرها، بالرغم من اعتماد الأسكندر علي البحارة الفينيقيين في البحر الأحمر والخليج العربي فقد لعب العمانيون دورا أساسيا وإيجابيا في النشاط البحري في المحيط الهندي ومن جهة أخري فإن الفرس سعوا لمنافسة العمانيين في الحقبة السابقة للاجتياح المقدوني، وبشكل خاص في عهد دارا الكبير ملك الفرس الأخميني (521-548 ق.م) إلا أن العمانيين لما اتصفوا به من عزيمة وتصميم ما لبثوا أن استعادوا دورهم البحري في الخليج العربي في عام 100 ق.م.
دور الأسطول البحري العماني في العصر الإسلامي
بعد دخول عمان في الإسلام أسهم العمانيون في الدعوة إليه وشاركوا في الكثير من الفتوحات، مثل فتح فارس وبلاد السند وبلاد المغرب العربي. وكانت قصبة عمان تعد من أهم المراكز التجارية مع الشرق الأقصي وأفريقيا ويصفها المقدسي بأنها (دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن)، وقد نقل عنه ياقوت الحموي في معجم البلدان هذا الوصف، ويروي أن عثمان بن أبي العاص الذي عين عاملا علي عمان من قبل الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، قد قام سنة 636م بحملة بحرية ضد بلاد السند انطلق بها من الموانئ العمانية بأسطول عماني وبحارة وجنود من عمان. وعندما نقل العباسيون عاصمة الخلافة الإسلامية من دمشق إلي بغداد، أثر ذلك علي النشاط البحري بشكل إيجابي(انظر عماد هادي علو السوق البحري الإسلامي في البحر المتوسط في القرنين الثالث والرابع الهجريين- أطروحة دكتوراه مقدمة إلي معهد التاريخ العربي بغداد 2005 ص 41)، ووصلت البحرية العمانية إلي ذروة قوتها في عهد هارون الرشيد.حيث وجدت عمان نفسها علي مفترق الطرق البحرية. الصين والهند شرقا، والعراق في الشمال الشرقي، والبحر الأحمر وشرق أفريقيا في الجنوب العربي. وكانت الطريق بين كانتون الصينية وبغداد من أطول الطرق البحرية في القرون الوسطي. الأمر الذي حفز أئمة عمان علي تشكيل أسطول خاص من السفن الصغيرة والسريعة للتصدي للقراصنة الهنود الذين نشطوا ضد سفن عمان وغيرها في عرض البحر وضد ثغورها (مثل دبا وجلفار وما حولها). وكان الأسطول العماني في عهد الإمام المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي (839-841م) يتكون من ثلاثمئة سفينة حربية.إلا أن الأسطول الحبشي قام في عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي (237-273 هـ / 857-881م) بمهاجمة جزيرة سوقطرة التي كانت تابعة لعمان ، فجهز الإمام أسطولا ضخما بلغ تعداده أكثر من مئة سفينة والحق هزيمة بالأسطول الحبشي وحرر جزيرة سوقطرة (انظر كتاب عمان في التاريخ، الباب الرابع، ازدهار الحضارة العمانية، فصل جهود العمانيين البحرية قبل الإسلام ،طبع بدار أميل للنشر، لندن 1994، ص 328 و ص 329).
إلا أن الصراع بين القرامطة والعمانيين للسيطرة علي الخليج في عام (331هـ / 924م)، قد يكون سببا في ضعف وتراجع قوة الأسطول البحري العماني الذي فقد ثماني وتسعين سفينة عام (355هـ/ 965م)، في معركة برية وبحرية شنها البويهيون للسيطرة علي الخليج العربي وقصبة عمان علي وجه الخصوص باعتبارها قوة بحرية مؤثرة في الخليج العربي في تلك الفترة. إلا أن ما تبقي من الأسطول العماني استمر في مقارعة الاحتلال البويهي لعمان انطلاقا من جزيرة قيس (كيش) الواقعة في بحر عمان ، إذ كانت مقر صاحب عمان، حتي تمكن من إنهاء الاحتلال البويهي لعمان في عام (431هـ/ 1019م).
التصدي للبرتغاليين في الخليج العربي
ظهرت السفن البرتغالية في مياه الخليج العربي في مطلع القرن السادس عشر، بقيادة (الفونسو البوكيرك) البرتغالي، واستطاع الأخير أن يحيل المنطقة الواقعة ما بين رأس الحد ورأس مسندم إلي حطام. ففي عام(913هـ / 1507م) قام البرتغاليون بضرب السفن والموانئ العمانية في خور جراما وأغرقها، ثم هاجموا ميناء قلهات وقريات فأباد وأهلها ودمروا ما فيها نحو 83سفينة، ثم هاجما مسقط ودمروها وأحرق سفنها، ولذلك أصبح العمانيون بين خيارين إما مجابهة المعتدي بكل ما يملكون أو الاستسلام (انظر عمان في التاريخ- مرجع سابق ص 330).علي الرغم من محاولات المماليك والعثمانيين وغيرهم من المتضررين من الأسطول البرتغالي في مياه المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج، التصدي له عام 914هـ/1508م، إلا أن الأسطول البرتغالي تغلب عليهم جميعا . إلا أن استعدادات العمانيين العسكرية التي سبقت الغزو البرتغالي للخليج العربي بالإضافة إلي عراقة وتمرس العمانيين بالفنون البحرية، أدت إلي إيجاد مناخ نفسي ومعنوي للتصدي للغزو البرتغالي ، الذي جعل العمانيين يتوحدون داخليا لمواجهة القوة البرتغالية الضاربة لطردها من عمان من خلال حرب تحرير موانئ عمان . حيث قام العمانيون بالتصدي للغزو البرتغالي واشتبكوا معهم في قتال كبير بقيادة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في مطلع القرن الحادي عشر الهجري ( 1034هـ / 1624 م)، وحشد القوات البرية تساندها القوات البحرية العمانية واستطاع أن يسترد سواحل عمان من الغاصبين ما بين جلفار وظفار. ففي عام( 1060هـ / 1650م) قام العمانيون بمهاجمة البرتغاليين في قاعدة ارتكازهم مسقط وبعد معركة بطولية بقيادة الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1649-1679) وفر من نجا منهم إلي سفنهم بعد أن أسر 700 بحار برتغالي، ومما لاشك فيه أن هذا النصر الحاسم قد ألهب حماسة العمانيين وأدي إلي خلق حالة من الاندفاع والثقة في النفس لم تتمثل في التصدي للبرتغاليين بحرا فحس كان من نتيجتها ترنح البرتغاليين (سادة البحار الشرقية طوال أكثر من قرن من الزمن) وانهيارهم وفقدانهم لقواعدهم الواحدة تلو الأخري، وبروز عمان كأقوي دولة بحرية غرب المحيط الهندي(انظر د. صالح محمد العابد ،الصراع البحري العماني - البرتغالي في الخليج، المعهد الدبلوماسي، وزارة الخارجية العمانية، محاضرات الدورة التاسعة 1994م) ، وساعد العمانيون في ذلك تسلحهم بنوع جديد من السفن الحربية الحديثة، وزيادة عدد وقوة المدافع فيها، وتخلوا إلي حد كبير عن سفنهم التقليدية واستخدموا سفنا كبيرة الحجم من الطراز الأوروبي، بني معظمها في الهند. وزودت بالمدفعية الحديثة.
التصدي للهولنديين في الخليج العربي
بعد سلسلة الهزائم البرتغالية في الخليج العربي وجدت قوة بحرية أوربية أخري هي هولندة الظروف ملائمة لها لغزو الخليج العربي وبسط سيطرتها عليه لاسيما وانه في تلك الحقبة برزت أطماع الدول الأوروبية في المنطقة مستغلة ضعف الدولة العثمانية وانشغالها في مشاكلها الداخلية وحروبها الخارجية. وعليه تحمل الأسطول البحري العماني أعباء التصدي مرة أخري للأطماع الأوربية في الخليج العربي والمحيط الهندي، وشرع بالتعرض للسفن الهولندية في الخليج ومياه المحيط الهندي منذ عام( 1107هـ / 1695م) وما بعده، وقد أحرزوا انتصارات عديدة في صراعهم مع الهولنديين علي الرغم من تحالف الهولنديين مع الدولة الفارسية التي كانت تعد الأسطول البحري العماني منافسها الوحيد للسيطرة علي الخليج العربي، وقد أدي التعاون الفارسي مع الهولنديين إلي تمرد البحارة العرب الذين كانوا يعملون علي سفن فارسية علي قادتهم الفرس، واستيلائهم علي السفن الفارسية والتحاقها بالأسطول العماني، وفشل الهولنديون في نجدة الفرس، ويمكن تفسير ذلك بأن البحرية العمانية كانت من القوة بحيث تصدت للهولنديين والفرس وتغلبت عليهما ، مما أتاح الفرصة للعمانيين لإنشاء دولة وصلت حدودها إلي شواطئ أفريقيا الشرقية وجزر المحيط الهندي.
التصدي للنفوذ الفارسي في الخليج العربي
لم يتوقف الصراع علي النفوذ بين العمانيين والدولة الفارسية ففي سنة (1170هـ - 1756م)استنجد السلطان العثماني بالبحرية العمانية لفك الحصار البحري الذي ضربه الأسطول البحري الفارسي علي مدينة البصرة وقد أحصي المؤرخ الانجليزي بارسوتز، الذي كان في البصرة أثناء الحصار عدد عناصر الجيش الفارسي، الذي كان يحاصر البصرة بخمسين ألف رجل ومع ذلك تمكن الأسطول العماني من فك هذا الحصار عن مدينة البصرة وإلحاق هزيمة بالأسطول الفارسي. قرر السلطان العثماني منح العمانيين خراجا سنويا ، استمر ولاة البصرة بدفعه لحكام عمان لاحقا. وامتد نفوذ العمانيين إلي جانبي الخليج العربي وكان العمانيون يفرضون الرسوم علي جميع السفن المبحرة فيه.وامتد نفوذ عمان البحري إلي لامو في شرق أفريقيا(انظر الوعد والوفاء- فصل عمان في العصور الوسطي والحديثة- وزارة الإعلام ، سلطنة عمان، طبع بمطابع رياض نجيب الريس ومشاركوه المحدودة، لندن، ص 71-73) ، وكان الأسطول البحري العماني في سنة (1189 هـ - 1775م) يتألف من 24 سفينة، أربع منها مزودة ب- 44 مدفعا ، وخمس فرقاطات تحمل كل منها 18 إلي 24 مدفعا ، أما البقية فكانت من النوع الذي تتراوح أسلحته بين 8 و 14 مدفعا .
الخاتمة
مما لاشك فيه أن النشاط البحري العماني ودوره في رسم خارطة النفوذ السياسي في منطقتي الخليج العربي والمحيط الهندي ما تزال في حاجة إلي جهد كبير من الباحثين والمؤرخين ، نظرا لندرة المراجع والمصادر وما يتمتع به التاريخ البحري العماني من حضارة عريقة من قبل الإسلام وحتى يومنا هذا وما وجود البحار العماني أحمد بن ماجد إلا دليل على دور البحارة العمانيين في مختلف حقب التاريخ وقد حاولت في هذا التقرير للتطرق إلى حقب التاريخ البحري العماني ودوره في تخليص المنطقة من النفوذ الإستعماري .
منقول
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|
العرض الشجري
المواضيع المتشابهه
