كتب - سالم بن زمليت العامري:-- حين يحل موسم الخريف.. يكتب هدير البحر من كـل الشواطئ عن سر الهيجان ويذهب إلى هناك مستشفيا من كل العلل وباحثا عن كل مكان يحتوي مرتاديه عما يغسل آثار لـون ويمحيه وعن قطرات ماء تطفئ كل لظى.
حين يحل موسم الخريف.. يبحث عمن مخر عباب البحار وعن أشرعة كثير ما داعبتها الرياح ويتذكر زمنا جياشا ان مصطخبا بالحياة كان يفـور ويضطرب صدره مثلج وقد تنقى وغسل بماء ملؤه بحر وسيعلم أن هناك ثبجا أزرق كان يرى من كل الفجاج وكأن البحر كله موجة واحدة.
حين يحل موسم الخريف ... يصعب ركوب البحر لكن تسهل الكتابة بمداد سائل بأنفاس البحر المنعشة وستكون أسطره براقة تسطع تحت الشمس وكأنها كتبت على أرض من الزمرد والفيروز والماس تلك رقة من أديم عليه إشراقة تاريخ أمم غربوا وشرقوا.
حين يحل موسم الخريف.. يتكلم بلغة البحر ولا يبالي بزئيره الذي يتردد في كل النواحي و لا بتوحش أمواجه كأنها لبد أسود بيض غاطسة في الماء ولا بالجو الصاخب كمعمعة المعركة ولا بتلك السويعات التي تسكن فيها الزوبعة إنما تهمه تلك الساعة المستقرة في جو خافت كهمس التسبيح.
حين يحل موسم الخريف... يمكن استنشاق أنفاس البحر وسيعرف كل واحد أن للبحر كلاما في مائه وهو يتناثر على كل الأرصفة والشواطئ حيث كلما رجف رعده ترددت هدهدته وأصبح يضج ويرعد.
حين يحل موسم الخريف.. يغوص كل شيء في أمواج البحر تلك التي ترق وتتوحش وتهدأ وتقوم سينسجم مع همسها وأعاصيرها وزوابعها بل وسكونها وقد يتوجه إليها بالسؤال بـــ ما هذا؟ وما هذه؟ وما تلك الأشعة الزاهية البراقة التي تنبعث من حين إلى حين؟.
حين يحل موسم الخريف.. يجوز التمعن في المعاني الندية للبحر.. حيث سيرى فيها جمال ، ليس فيه موضع أعلى من موضع، رغم الترجرج وسيجد فيها المرء كل المعاني قد سكب فيها الفكر كل ما عنده من لمعان النهار وعواطف الرحمة.
حين يحل موسم الخريف.. تبكي الطبيعة بدموع البحر ولا تكفيها قطرات الماء القليلة لاسيما إن كانت الصفحات ظمأى إلى علامات نغم حتى وإن كان لا يقرأ فيها إلا لحن ورن ورجع وصلصل حيث العبرة بالكتابة وبالانسجام بين نفس عاشقة وصورة جميلة.
حين يحل موسم الخريف.. يُنصت لما يقوله البحر عادة لعاشقيه وراكبيه إن سقطت فيه دمعة من مهجور حتما سيقول إن النوح الشجي صورة الدموع التي في الأعين ولذة النفس إن حنت الأيام ورغبة واقعة إن جنحت القلوب إلى الطرب وليس في الكون ما يجمع هذه الجوانب المتباينة في صوت واحد سوى زفرة حب من قول بحر وهو يزمجر بكل اللغات وتتكسر أمواجه على كل الصخور.
حين يحل موسم الخريف.. يحلو النظر في مرآة البحر لأن المرء سيرى كل شيء جميلا ومشرقا حيث نظرات المحب تلازم دوما أثر الجمال وحيث كثيرا ما تكون رؤية الجمال من واقع نظرة لا من واقع فكر وتمعن رغم أن العيون التي وراءها ضروب الأفكار المختلفة هي وحدها التي فيها ضروب التعبير المختلفة.
موسم الخريف وهدير البحر يلتقيان ليقولا للجميع تمتعوا بجمال الطبيعة واحذروا البحر في الخريف
جريدة عُمان
الأربـــعاء 11 شعبان 1432هـ .
الموافق 13 من يوليو 2011