* ما صفة النية التي يفتتح بها المسلم دخوله في هذا الشهر الكريم ؟
** النية هي روح العمل ، إذ العمل إنما هو شكل ظاهر ، فقد يكون هذا العمل من حيث الظاهر عملاً صالحا ولكن النية هي التي تنحرف به إلى أن يكون عملاً سيئا ، نجد أن الإنسان يسجد في اتجاه القبلة فحسب ظاهره يسجد لله تبارك وتعالى الذي أمر بأن يتوجه إليه بالسجود شطر البيت الحرام ، وقد يكون هو ساجداً لغير الله في قرارة نفسه فيكون سجوده ذلك كفراً بدلاً من أن يكون إيماناً ، ويكون هلاكاً بدلاً من أن يكون سعادة ، وهكذا الأعمال تتحول من وضع إلى وضع بسبب النية ، إذ النية هي المصححة للعمل ، وهي التي أيضاً تدمر العمل عندما تكون نية سيئة ، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه . والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : نية المؤمن خير من عمله . وجاء أيضاً في رواية أخرى : ونية الفاجر شر من عمله . وهذا يعني أن المؤمن ينوي الخير الكثير ، والفاجر ينوي الشر الكثير ، وكل واحد منهما مجزي بحسب هذه النية التي عقد عليها عزمه .
والنية المطلوبة هي إخلاص العمل ، الله تبارك وتعالى يقول ( وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: من الآية5) ، وذلك بأن ينوي بأن يقوم بذلك العمل تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى وأداء لما فرض عليه إن كان ذلك العمل فريضة ، هذه هي النية المطلوبة ، وبدونها لا تكون للعمل قيمة ، ومعنى ذلك العمل بدونها لا يحيى كما لا يحيى الجسم بدون روح .
وهذه النية هي القصد ، إذ الكلمات التي يقولها الإنسان بلسانه لا أثر لها في تكييف فعله وتحويل هذا الفعل إلى أن يكون فعلاً معتبراً معتداً به مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى ، فقد يقول الإنسان الكثير بلسانه ويدعي الكثير ولكن مع ذلك لا جدوى لهذه الدعوى ، وإنما العبرة بما في النوايا ، ويؤكد ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه . فهذا الذي هاجر إلى الله ورسوله لم يكن يقول بلسانه هجرتي إلى الله ورسوله ، هجرتي إلى الله ورسوله ، وإنما ذلك شيء في طوايا نفسه وفي أعماق ضميره ، والله تعالى مطلع على ما اكتنفه ضميره وطوته نفسه . وكذلك الذي هاجر وهو في نفسه أن هجرته لأجل امرأة أو لأجل دنيا فإنه لم يكن يقول بلسانه أنا أهاجر لأجل أن أتزوج بفلانة ، أو أنا أهاجر لأصيب من هذه الدنيا وإنما ذلك أمر في طويته ، والله سبحانه وتعالى هو العالم بذلك فلذلك كان محاسباً بهذه النية التي نواها .
هذا كله يدلنا على أن التلفظ باللسان لا أثر له في النية ولا قيمة له ، إنما النية هي القصد بالقلب ، فمن نوى الصيام قُبِل صيامه ، ومعنى نيته الصوم أن يعقد عزمه بقلبه أن يؤدي هذه الفريضة التي فرضها الله عليه بحيث يصبح وهو ممسك عن الطعام والشراب وقضاء الوطر من الشهوة الجنسية إلى أن يمسي ويدخل وقت المساء ، كما يتجنب كل ما يؤدي به إلى إبطال صيامه من الإتيان بالغيبة والنميمة وسائر المفطرات العملية والقولية حتى لا يتأثر صيامه بأي مؤثر .
هذه هي النية المطلوبة وليست القول باللسان وإلا لكان الأمر هيناً ، فإن القول باللسان أمر ميسور يمكن لأي أحد أن يقول ، ولكن الصعب أن يستطيع الإنسان بأن يضبط هذه النية حتى تكون خالصة لوجه الله إذ هناك مؤثرات كثيرة تؤثر عليه ، فقد يبتغي بعمله الذي هو في ظاهره قربة إلى الله أن يصرف وجوه الناس إليه وأن ينال عندهم حظوة ومنزلة بحيث يتحدثون عنه بأنه على تقى وورع وعلى وعلى إلى آخره ، هذه نية فاسدة ، فعلينا أن نعرف ذلك ونعتبر بهذا ، فالنية إنما هي القصد بالقلب ، ولفظ النية يدل على ذلك إذ هذه الكلمة من حيث مدلولها تدل على هذا المعنى ، فإن قائلاً لو قال لأحد لقيه كنت بالأمس ناوياً أن أزورك ، ماذا يفهم الذي قيل له ذلك ؟ إنما يفهم أنه كان في قرارة نفسه أن يزوره ولا يفهم أنه كان يتحدث بلسانه بأنني سأزور فلان وسأزور فلان .
* إذاً المسلم في هذا الشهر الكريم ليس بحاجة إلى أن يقول : اللهم إني نويت أن أصوم غداً ، فيكفي بقلبه ؟
** نعم ، ولو تحدث بذلك من غير أن يكون قاصداً بقلبه فلا عبرة بحديثه .
ما يفهمه غير المسلمين عن صيام المسلمين أنه امتناع عن الأكل والشرب لأنهم يروا بعض المسلمين لم تتغير سلوكياتهم ، كيف يمكن أن نستثمر شهر رمضان الكريم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وتحبيبهم إلى أخلاقيات الإسلام وإلى أهمية العبادة في الإسلام ويأتي في مقدمتها الصيام ، فهل هناك طرائق معينة ؟
** الداعية إنما عليه أن يكون خبيراً بأحوال المدعوين ، فالدعوة إلى الله لا بد من أن تكون على بصيرة وأن تكون بالحكمة ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) ، كذلك يقول الله تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) ، فالداعية لا بد من أن يدعو على بصيرة ، ومن هذه البصيرة التي يجب على الإنسان أن يحرص على التحلي بها أن يكون الإنسان عارفاً بمواطن التأثير على المدعوين ، فلا بد من أن يكون لبيباً نبيهاً يعرف من أين يصل إلى القلوب فيؤثر عليها ويحولها .
وغير المسلمين أحوالهم متفاوتة ، منهم من يكون إعراضه عن الإسلام عناداً ، ومنهم من يكون إعراضه عن الإسلام جهلاً ، وليس الشخصان على حالة واحدة ودعوتهما تختلف . هذا المعاند يعامل بأسلوب معين في الدعوة وأما الجاهل فإنه يُبصر ويُعرّف ، أما المعاند فإنه يقام عليه الحجة من خلال كشف شبهاته التي يحاول أن يغطي بها محاسن الإسلام وتبين له هذه الشبهات ، فكل واحد يدعى بأسلوب .
على أنه مما يجب على الدعاة أن يتفطنوا له بأن يخبروا المدعوين إلى الإسلام في وقتنا هذا بأن كثيراً من المسلمين لا يمثلون حقيقة الإسلام ، بل هم عبء على الإسلام ويشوهون صورة الإسلام حتى لا يأخذوا الإسلام مما يرونه من واقع الناس .
لا ريب أن الإسلام يجب أن يعرض عرضاً واقعياً بحيث يتجسد في حياة الدعاة إليه ، ولكن هذا لا يعني أنه يؤخذ من واقع حياة جماهير الناس الذين هم بمنأى عن تعاليم الإسلام وإلا لشوهنا صورة الإسلام ولنفرنا الناس عن الإسلام ، وإنما يجب على الناس جميعاً أن يزنوا تعاليم الإسلام بموازين العقل السليم ، وأن ينظروا إليها ببصيرة ، وأن يدركوا بأنه في كل عصر من العصور لا بد من وجود طائفة من الناس ولو قلت تستمسك بهذه التعاليم وتحرص عليها من غير تفريط فيها ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(الرعد: من الآية7) ، ومضى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم وكانوا حراصاً على تجسيد تعاليم الإسلام وأخلاقيات الإسلام وفضائل الإسلام فلذلك تساوق الناس إلى اعتناق هذا الدين .
فهذه الأمور يجب أن لا تفوت الداعية إلى الإسلام .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
التعديل الأخير تم بواسطة البراء ; 30-08-2008 الساعة 10:33 AM.
|