لا أحد فوق القانون : مواجهة بين طبيب ونقيب أمام الادعاء العام
مسقط ــ زاهر العبري:
مداخل أولى لقضية تسجل سبقا في النوع والموقع، حدثت قبل شهرين تقريبا في حوالي الساعة الثالثة من عصر يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من ديسمبر من العام المنصرم، في قسم الطوارئ بمستشفى عبري المرجعي، تفاصيل قادمة تفضي إلى ما هو أكبر من الحادثة بذاتها .. "الزمن" تسجل حضورها عبر كشف خفايا ما حصل من خلال مستندات رسمية حصلت عليها من مصادرها المطلعة وتخص الطبيب الذي رفض التصريح العلني.
شرارة أولى..
بداية الحادثة عندما كان الطبيب العماني (ح) يقوم بفحص مبدئي لطفل معوق يبلغ من العمر 10 أعوام في داخل مركبة راكنة أمام مبنى الطوارئ ذلك أن حالته لا تسمح بالنزول لمعاناته من سمنة مفرطة إلى جانب الإعاقة وبعد معاينة الطبيب الأولية، أمر بضرورة خضوعه لفحوصات أخرى في غرفة الطوارئ.
في تلك اللحظة ركنت دورية (شرطة) خلف المركبة ونزل منها (شرطي) يصرخ على الطبيب وعلى والد الطفل المعوق ويأمرهما بضرورة تحريك المركبة من أمام مبنى الطوارئ دون أن يستفسر عن أي شيء ، فأخبره الطبيب بأنه يجب إنزال الطفل المعوق المريض وذلك لأن حالته حرجة وتحتاج إلى عناية طبية ، واستمر الشرطي في الإلحاح على والد الطفل بضرورة تحريك المركبة، فما كان من الطبيب إلا أن قام بإبلاغ المضمد والممرض بمساعدة الأب بإنزال الطفل من المركبة وإدخاله إلى غرفة الطوارئ فورا ، وكان مبرر الشرطي (س) في هذا الموقف بأن هناك حالة تصادم بين مركبتين وهناك إصابات خطيرة قد تأتي بعد نصف ساعة تقريبا. مع العلم بأن الطفل كانت حالته خطيرة أيضا وكان هناك متسع من الوقت (نصف ساعة) يمكن خلالها إنزال المريض وتحريك المركبة من أمام مبنى الطوارئ.
بعد عملية إنزال الطفل إلى القسم، ذهب الطبيب (ح) إلى غرفة الطوارئ لمواصلة عمله ، حينها جاء الشرطي (س) ومعه سجين مكبل بالقيود للعلاج وتوجه إلى القسم الراصد لمعدل خطورة الحالات القادمة الذي كانت توجد به ممرضة عمانية والتي أخبرته - بعد معاينتها المبدئية للمريض السجين واخذ معلوماته الحيوية -بضرورة انتظار الدور وأن الطبيب مشغول بحالة طارئة داخل غرفة الطوارئ فضلا عن وجود ثلاث حالات طارئة أخرى في قائمة الانتظار فرد عليها حسب الوثائق التي حصلت "الزمن" على نسخ منها قائلا وبصوت عال جدا : (أنا شرطي ومعي سجين ولا يجب أن أنتظر في الدور بل يجب أن أدخل على الطبيب حالا، فقامت الممرضة بالاتصال بالطبيب لتخبره بأن الشرطي يريد أن يدخل بالقوة) وفي أثناء ذلك أخذ الشرطي رقم المريض بالقوة من أمام وجه الممرضة - متجاهلا إياها ومتجاهلا القوانين ومعهم رجل الأمن الواقف أمام الباب - فدخل غرفة الطوارئ المزدحمة بالمرضى ذوي الحالات الطارئة .
حوار .. واستغلال
الأوراق الرسمية تثبت أن هناك حوارا حادا دار داخل غرفة الطوارئ موجها من قبل الشرطي (س) للطبيب (ح) وكانت فيه صيغة الأمر (واستغلال الوظيفة) حيث قام بالتهجم الكلامي على الطبيب بحجة أن لديه سجين ويجب على الطبيب معالجته حالا دون أي استئذان أو تنسيق له حيث أن القرار له وليس للطبيب المعالج،وما كان من الطبيب إلا انه حاول جاهدا أن يتفاهم مع الشرطي بطريقه مهذبة أملا منه أن يتفهم وضع الطوارئ وان الاولوية هي للحالات الطارئة ولكن الطبيب تفاجأ بإصرار الشرطي على عدم تفهمه لوضع الطوارئ الحساس, وعند رفض الطبيب وجميع الموظفين والمراجعين الموجودين بقسم الحوادث والطوارئ طريقته وأسلوبه في التعامل قام بالتهديد والوعيد للعاملين بأن لديه السلطة القانونية والتي سيقوم باستغلالها تجاه من يعترض أوامره، ومن ثم رفض الانتظار وقام غاضبا بمغادرة المستشفى مع السجين الذي قام بإحضاره للعلاج, متوجها إلى مركز الشرطة ليشتكي على الطبيب.
وعلمت "الزمن" أثناء تحريها عن القضية أن (السجين المريض) تم علاجه فيما بعد وفي نفس اليوم بمركز عبري الصحي - وهو المكان الذي كان من المفترض من الشرطة أخذه إليه في المقام الأول وليس إلى الطوارئ - على أساس أنه يعاني من زكام وحالته ليست بالطارئة.
شرارة ثانية..
في حوالي الساعة الرابعة والنصف عصرا قام الضابط المناوب بمركز شرطة عبري بإرسال خطاب للمستشفى كاستدعاء رسمي للطبيب بحجة إهانة كرامة رجل الشرطة ولكشف مزيد من تفاصيل الحادثة علمت "الزمن" أن اتصالا هاتفيا دار بين مدير مستشفى عبري المرجعي وأحد المسؤولين بمركز شرطة عبري استوضح فيه الأول أن الاستدعاء سيكون عبارة عن استماع لأقوال الطبيب فقط حول ما حصل.
وبالفعل توجه الطبيب (ح) بعد انتهاء عمله في حوالي الساعة السابعة - مع أن دوامه الرسمي ينتهي في الساعة الرابعة عصرا ولكنه تأخر بسبب الازدحام الحاصل في الطوارئ وقتها- توجه إلى مركز شرطة عبري لمقابلة الضابط المناوب مصطحبا معه أحد موظفي العلاقات العامة بالمستشفى، ودار تحقيق مع الطبيب استمر حوالي ثلاث ساعات، خرج بعدها متوجها إلى مركبته قبل أن يتم استدعاؤه مرة أخرى وحجز بطاقته الشخصية وجوازه ومن ثم حجزه هو بدون ذكر أسباب واضحة، إلا أن الأوراق (الرسمية) أفادت أن الضابط اعتبر حديث الطبيب معه كان (استفزازيا) على الرغم من أن شهادة الموظف الذي كان بصحبة الطبيب تقول عكس ذلك.
الباب الخلفي
الأمر بحجز (الطبيب) حدا بمسؤولي المستشفى التوجه إلى مركز الشرطة وطلبوا مقابلة الضابط المناوب وتم إبلاغهم أنه سيقوم بمقابلتهم ، وبعد مكوث نصف ساعة انتظار تم إبلاغهم أنه خرج من الباب الخلفي وقام بإغلاق هواتفه النقالة ، وباءت بالفشل جميع المحاولات لمقابلة أي مسؤول في المركز رغم تدخلات بعض الذين تمكنوا من محادثة الضابط المناوب إلا أنه رفض الإفراج عن الطبيب واضطروا لمغادرة المركز في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف ليل (السبت) بعد فشلهم في الحصول على أي آذن صاغية على الأقل.
ولكشف المزيد من تفاصيل الحادثة علمت (الزمن) أن الضابط المناوب في الادعاء العام وقتها لم يأمر بحبس الطبيب عندما استأذنه ضابط المركز في ذلك. ورغم ذلك تم وضع الطبيب على أساس رهن القيد الإجباري في سجن يوجد فيه متهمون في قضايا أخلاقية ومخدرات وغيرها دون أية مراعاة لوضع الطبيب الحساس في المجتمع وإمكانية تشويه سمعته بهذه الطريقة. وخاصة إذا ما علمنا انه لم يرتكب أي جرم يستحق من أجله الحبس من الأساس. هذا فضلا عن المتعارف عليه دوليا ان للطبيب نوع من الخصوصية والحصانة حتى في حالات الحروب او غيرها من الحالات الطارئة...
عصفور بلادي .. مكتوب أن يقطع ريشك في رحلة هذا الهزع الآخر من ليل (التهميش) الصحوي .. وتنامت فيه الأغلال .. طيات فتات الصمت .. من استطالت عضلات رتبهم ألقوا كل سكون الكون وراء القمع المغروس نجوما .. من يقطر ساعه .. يأته الحزن بوجه الإسفلت (عذوقا).. جهات لا يسمع إلا وحشتها .. في ثانية اختصروا تقطيع الريش .. وتم التهريب السري من الباب الخلفي ..
وعكة صحية..
الطبيب تعرض أثناء وجوده بالسجن لوعكة صحية وبعد 3 ساعات من تدهور وضعه الصحي قام أفراد الشرطة بإحضاره إلى المكان الذي يعمل فيه (مستشفى عبري المرجعي) مكبلا بالقيود وهذا المنظر كان على مرأى من الجميع ( أطباء وممرضين ومرضى ومراجعين ..وقد يكون احد معارفه او أصدقائه) ، وتم وضع حراسة مشددة عليه داخل غرفة الطوارئ و تقييد إحدى يديه بسرير الطوارئ، ومن ثم تم أخذه لقسم الأمراض الباطنية لتكملة العلاج وهو مكبل بالقيود مع وجود رجل شرطة لحراسته ، وقد تم توصيد القيود كذلك بيده والسرير الذي يرقد عليه بقسم الأمراض الباطنية ووضع حراسة مشددة عليه، (وذلك حسب ما جاء في الشكوى التي تقدمت بها إدارة المستشفى وحسب إفادات الشهود في الحادثة).
مسام باحت عن رتب .. تتفسخ منها نجمات في آخر ليل (جائر) .. جاءت من أقصى نفحات الأمن عيونا تسرع بالخوف وأخطاء (المنصب) أيضا .. بلا حل .. والمخلب طال على ظل الوحشة سكينا .. (وابتدأ التحقير) ..
منحى آخر..
اتخذ المسؤولون في المستشفى منحا آخر حين رأوا أن الأمور تأخذ منعرجا سلبيا على حياة الطبيب المتهم بإهانة (رجل شرطة)، حيث خاطبوا مدير عام الإدعاء العام بمنطقة الظاهرة الذي أبدى أسفه لما حصل وأمر برفع الحراسة عن الطبيب مباشرة وتم ذلك فعلا خلال دقائق معدودة.
التصرفات التي صدرت من قبل أفراد الشرطة تجاه الطبيب والعاملين في المستشفى ولدت امتعاضا شديدا لديهم حيال ما حصل، وهم يطالبون بحق الطبيب المذكور وحق المؤسسة الصحية التي يعمل بها مع العلم أن شهودا من خارج المؤسسة الصحية لم يتم الاستماع لشهاداتهم من قبل شرطة عبري.
وطنه .. يا أنت هو .. أي مزاج هذا؟ الرف المغبر عجنا فيه الصبر طويلا .. واللعن يحدق بكل عشاك الليلي وعمى الألوان بأحفاد الأرض .. وآخر لا يعرف من أنت برؤيا مارسها (عسكر)..
كلمة حق
ولكن في الوقت نفسه فلنكن واضحين ومنصفين فلا هذا الشرطي (س) ولا ذلك الضابط (س) يمثلون - ولو أدنى تمثيل - ضباط عمان الأشراف ورجال شرطتها الكرام. فعمان الإسلام والنخوة والعروبة تأبى أن تقبل بمثل هذا التصرف المتعسف والمتغطرس من رجال شرطه أمثالهم مختبئين وراء سلطة بدلهم العسكرية والتي ظنوا واهمين أنها تمنحهم الحق لأن يستعبدوا الناس بعدما ولدتهم أمهاتهم أحراراً. إنما هم أفراد قله يسعون لتشويه السمعة الطيبة لشرطة عمان السلطانية.
الختام
علمت "الزمن" أن الطبيب تقدم بشكوى ضد أفراد شرطة عبري المعنيين في الادعاء العام ,وان الموضوع لا زال في الادعاء العام الذي بصدد الحكم فيه عبر تحويل قضية (النقيب) إلى محكمة ، بينما تم التحفظ على باقي القضايا .