السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
هذه احدى كتاباتي واذا عجبكم وحصلت التفاعل ان شاء الله بنزل باقي كتاباتي لكم...
وعلى فكرة قمت بطرح الموضوع في احدى المنتديات وبلقب ثاني
كنتُ في الخامسة من العمر.. لم أكن أدرك ما يحدث في منزلنا الصغير.. ولكنني ما زلتُ أذكر بأننا ذهبنا لمكانٍ ما وعدنا ونحن نفقدُ شخصاً نحبه.. عدنا من المكان الموحش والى الآن لم أزره مرة أخرى..
أذكر بكاء أمي الغالية ونحن في طريق العودة وحزن أبي وهدوء إخوتي الكبار ولعب إخوتي الصغار وأمامنا سيارة الإسعاف بصوتها المزعج .. وأنا بينهم بين مدركة وجاهلة.. لقد أدركتُ بأن غاليتنا التي كانت تبلغ 12 عاما ذهبت ولكنني لم أعلم بأنها رحلت ولم أعلم إلى أين ومع من ومتى ستعود؟!! أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهني الصغير.. كم كنتُ أود طرح تلك الأسئلة الكثيرة على والدتي ولكنني لم افعل! ربما لأنني علمت بأنها حزينة.. والوقت غير مناسب لأسئلتي الكثيرة..
أكثر ما كان يثير استغرابي كيف تذهب غاليتنا وحدها؟! وإذا لم تكن وحدها مع من ذهبت؟! فلقد كانت والدتي شديدة الحرص علينا وكانت دائما ما تخبرنا إياكم والذهاب مع الغرباء.. إياكم واخذ شي من الغرباء .. إياكم والخروج دون إخباري.. إياكم واللعب في الحارات الأخرى.. كنت أتساءل كيف سمحت والدتي لها بالذهاب!!
بعد أن وصلنا إلى المنزل بدأت الأمور تتخذ منحنى آخر.. خالاتي بدأن بالتوافد.. يا الهي الجميع يبكي وأنا صامتة.. كم تمنيت أن استفهم منهم.. لا أطيق الانتظار والفضول يقتلني.. كنتُ أنظر إلى والدتي من الباب وهي جالسة في طرف مجلسنا الكبير وكم كانت الدموع تتساقط دون توقف.. و كنتُ مندهشة كيف تبكي بشدة وبدون صوت ولقد اعتدتُ على البكاء بصوت مرتفع ومزعج حتى الفت انتباه الجميع ووالدتي تبكي بشدة ولكن بصمت!!! ولكنني كعادتي أُهون على نفسي وأقول "لأنها كبيرة" ...
بعدها بساعات طويلة قدم والدي مع إخوته وهم يحملون جثتين طريتين.. ووضعوا الجثتين وسط تلك المعمعة.. وزاد بكاء والدتي وعمتي .. وبدأت أمي في تقبيل طفلتها الصغيرة بحزنٍ شديد ووالدي لا يحرك ساكناً.. وكذلك هي الحال بعمتي تُقبل طفلتها الراحلة.. وبينما أمي تقبل جثة ابنتها.. تذكرتني لأنها أرادت أن تُريني وجه طفلتها ولكن الجميع رفض دخولي لصغر سني وتركوني عند الباب..
مرت تلك الأيام الثلاث ثقيلة عليّ وعلى الجميع.. المنزل ملئ بالنساء الباكيات.. لا أرى أمي إلا قليلا وإذا رأتني لا تتركني.. فلقد كانت تضمني إليها بقوة وتكثر من تقبيلي وكأنها تخاف فقداني.. ولم أكن أرى أخوتي الكبار.. لذلك اعتدت على الجلوس أمام المنزل حاملة معي كل ما تشتهيه أنفس الأطفال.. وكل من يدخل أو يخرج يبدأ بحضني وتقبيلي.. كم كنت أكره ما يقمن به.. لقد سئمت كثرة التقبيل والبكاء بين أحضاني لأنني لم أكن أدركُ بعد بأنني فقدتها إلى الأبد!!!
بعد انتهاء المعركة التي طالت ثلاثة أيام.. عم الهدوء والسكون في منزلنا ولكن كثرت الزيارات.. كل شي هدأ في المنزل ما عدا بكاء والدتي والصمت القاتل الذي يسيطر على والدي ولقد كانت والدتي دائما ما تبكيها ومن حولها إخوتي الكبار يحاولون التهوين عليها.. وكعادتي صامتة انظر من بعيد.. وفي تلك الفترة بدأت افتقدها و علمتُ بأنها لن تعود فبدأت دموعي في الانهمار.. أين أنتِ يا أختاه؟! لقد وعدتيني بأمور كثيرة ولقد رحلتي دون إيفاء تلك الوعود!!؟! ألا تذكرين وعودك!؟ فلقد بنيتُ آمالاً كثيرة؟!! كانت تحب الخياطة ودائما ما تقوم بخياطة الثياب لدميتي الصغيرة.. بكيتها كثيرا.. حزنت كثيرا.. لم يكن أحداً يعلم كم كنت أبكيها.. كم ندمت على أفعالي .. كم تمنيت أن أقول لها اضربيني كما تشائي ولكن عووودي إلينا فلقد اشتقتُ لوجودك؟!
حياتنا تغيرت بعدكِ يا أخية!! خيم الحزن على الجميع ووالدتي لم تعد تذكر شيئا سواكِ.. كل شي في المنزل يُذكرها بكِ.. كل شي هو من صنعكِ.. كل تخريب تم بيديكِ.. كل شي يهون من أجلكِ.. أي حزن زرعتيه بيننا؟! لا تعلمي كم ذرفنا الدموع لأجلكِ؟! لا تعلمي كيف أصبح والدي؟! الم تعلمي بأنكِ كنتِ حبيبته؟!! فأنتِ أول طفل تحمله يداه..
والاهم من هذا!!! لقد تغيرت حياتي!! فلقد أصبحتُ وما زلتُ مدللة بلا حدود.. ولكن حياتي صارت مقيدة بحرص والدتي الشديد والزائد.. لقد صارت تخاف عليّ من الماء.. من الهواء.. من كل شي حولي.. لقد أصبحت تراقب جميع تحركاتي.. لا أستطيع اللعب خارجا إلا وعيونها تحاصرني.. لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان إلا والتوصيات تنهال على من معي.. ونادرا ما كانت ترفض طلباتي.. فكل ما أرجوه أجده.. ولكنه لا يعوض فقدانك.....
حبيبتي .. حصلتُ على الحب والدلال ما لم يحصله غيري.. ولكنني وإخوتي فقدنا البريق واللمعان بغيابكِ.. فقدنا روح أخت قريبة إلى قلوبنا .. فقدنا همسكِ.. لعبكِ.. صوتكِ.. شقاوتكِ التي ما زالت والدتي تذكرها.. وفقد والديّ قرة عينهما..
أختاه غفر الله لكِ وجعلكِ عصفورة من عصافير الجنة...
بقلم أميرة الباطنة
3/9/2007