وذكر المؤرخ "بروكوبيوس" أن الفرس والروم ابتنوا قلاعاً بنيت جدرانها باللبن لحماية كورة "قوماجين Commagene" وهي الكورة التي كانت تعرف قبلاً بأسم "كورة الفرات" "Euphratesia"، وحماية حدود الانبراطورية الفارسية الواسعة المشرفة على البادية من الغزو أيضاً، ومن جملة هذه الحصون ثلاثة حصون أمر القيصر "ديوقلطانوس" "ديوقليتيانوس" "Diocletianus"" ببنائها، منها حصن "Mabri" "Mambri" الذي أصلحه القيصر "يوسطنيانوس" "جستنيانوس" "Justinianus" ورممه، ويقع على مسافة خمسة أميال رومية من "زنوبية" "Zenobia". و "Mambri"، هو خرائب "شيخ مبارك" على مسافة سبعة كيلومترات من "الحلبية".
ولم يبق من آثار عهد "تدمر" في "الحلبية" إلا مقابر خارج أسوار المدينة. وهي على هيأة أبراج تتألف من طابقين أو ثلاثة طوابق وأهرام بنيت على الطريقة التدمرية في بناء القبور، غير أنها دونها كثيراً في الصنعة وفي الفن. وتشاهد بقايا قبور مشابهة لهذه القبور في المدن الواقعة قي منطقة الفرات الأوسط، أي المنطقة التي خضعت لحكومة "تدمر".
ويلاحظ انتشار هذا النوع من القبور في المناطق التي سكنها العرب في أطراف الشام والعراق في العهد البيزنطي، خاصة في "تدمر" وفي "حمص" و "الرها" "Edessa" وفي "الحضر" كذلك. بل وفي "بطرا" أيضاً حيث نجد شبهاً كبيراً في أشكال القبور المنحوتة من الصخر على هيأة أبراج ذوات رؤوس تشبه الهرم في بعض الأحيان. ولانتشار هذا النوع من القبور في مناطق سكنتها أغلبية من العرب المتحضرين، نستطيع أن نقول انها نمط خاص من أنماط بناء القبور كان خاصاً بالعرب المتحضرين.
وذكر "بطلميوس" أسماء عدد من المواضع جعلها في عداد أماكن "كورة تدمر" "Palmyrena"، وهي: "Resapha" و "Cholle" و "Oriza" و "Putea" و "Adaba" و "Palmyra" و "Adacha" و "Danaba" و "Goaria" و "Aueria" و "Casama" و "Admana" و "Atera" و "Alalis" و "Sura" و "Alamatha"، وتقع هذه المواضع الثلاثة الأخيرة على نهر الفرات. أما "Palmyra"، فهي "تدمر" العاصمة. و أما "Resapha"، فهي "الرصافة" وهي مدينة قديمة ورد خبرها في النصوص المسمارية فدعيت فيها ب "Ra-sap-pa" ومن ذلك نص يعود إلى سنة "840" قبل الميلاد، وقد اشتهرت بوجود ضريح القديس "سرجيوس" "St.Sergius" بها، المقدس عند الغساسنة.
و أما "Cholle"، في "الخو لة" "الخلة". وأما "Oriza"، فهي "الطيبة"، وتقع هذه المواضع على السكة الرومانية الممتدة من الفرات إلى "تدمر".
ويرى "موسل" أن "Putea"، هو "Beriarac"، وهو موضع "بيار جحار"، ويقع على السكة الرومانية المارة من "تدمر" إلى موضع "Occaraba".
أما المستشرقان "ميلر" "Muller" و "موريتس" "Moritz"، فقد ذهبا إلى أنه "أبو الفوارس" الواقع على مسافة سبعة كيلومترات في غرب جنوب غربي تدمر. وذهب "موريتس" أيضاً إلى احتمال كونه "القطار"، وهو على مسافة خمسة وعشرين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من "تدمر".
أما موضع "Adada"، فكان حصناً رومانياً كذلك، يعرف في الزمن الحاضر ب "الحير"، ويقع على أربعة عشر كيلومترأ الى الجنوب الشرقي من "الطيبة" "Oriza"، وعند الحافات الغربية لمرتفع "Adidi"، وهو اسم قريب من "Adaba" وقد ذهب "ميلر" إلى أنه الموضع المسمى ب "خربة العاشجة" "خربة العاشقة" الواقع على الحافات الشمالية لهضبة تدمر.
ويرى "موسل" أن في كلمة "Adacha" بعض التحريف، وأن الأصل الصحيح هو "Archa" و "Harac"، وهو "أرك" "رك" الواقع على طريق تدمر وفي الشمال الشرقي من المدينة.
وأما "Danaba"، فيقع على طريق "دمشق" "تدمر"، وهو موضع خرائب "البصيري" على رأي "موسل".
وأشار المؤرخ "اصطيفانوس البيزنطي" إلى "Goaria" كذلك، ذكرها على هذا الشكل "Goareia". ويظهر إن هذه المدينة كان لها شأن في تلك الأيام، واذ أطلق اسمها على منطقة واسعة دعيت باسم "Goarene"، ويظن انما "البخراء" وهي في زمننا خرائب تقع على ستة وعشرين كَيلومتراً إلى الجنوب من "تدمر". وقد عرفت ب "Goareia" عند بني إرم "الآراميين". وذهب "ميلر" و"بينتزنكر" "Benzinger" الى إن "Goaria" هو الموضع المسمى ب "Cehere" على الخارطة الرومانية لأيام الانبراطورية. وهو رأي يعارضه "موسل"، ويرى ان "Cehere" هو المكان المسمى ب "خان عتيبة" الواقع على مسافة تزيد على مئة كيلومتر في جنوب غرب "البخراء.
ويظهر إن "Aueria" "Aueira" "Aberia"، هو موضع "Eumari" "Euhara" "Euarius" في مؤلفات أخرى، وهو موضع "الحوارين".
وأما "Casama"، فهو على طريق دمشق المؤدي إلى تدمر، وهو خرائب خان "المنقورة" على رأي "موسل". وأما "Admana" "Odmana" "Ogmana"، فهو موضع "Ad-Amana" في الخارطات الرومانية للانبراطورية على ما يظهر،
وهو موضع "خان التراب" على رأي "موسل" كذلك.
وأما "Atera"، فالظاهر انه موضع "Adarin" على الخارطة الرومانية، وهو موضع "خان الشامات" "أبو الشامات" "خان أبو الشامات" على رأي "موسل". أما "ميلر" فيرى انه موضع "دير عطية"، وهو رأي لا يقره "موسل"عليه.
وموضع "Sura" هو "سورية" على رأي "موسل". وأما "Alalis" فيقع في غرب "Sura" عند "بطلميوس". ويظن "موسل" أنه يقع بين موضعي "Sura" و "Alamatha" في مقابل "طابوس".
عانة
ذكرت أن التدمريين كانوا قد وضعوا حاميات لهم في مدينة "Anatha"، أي "عانة". وهي لا تزال موضعاً معروفاً حياً على نهر الفرات في العراق وعرفت "عانة" ب "Anat" و "An-at" و "A-na-at" "A-Na-Ti" في الكتابات المسمارية. وعرف موضعها ب "خ -نا" "H-na" و "خا-نا -ت" "Ha-na-at" في النصوص البابلية القديمة. وقد تكونت مملكة صغيرة بهذا الاسم أمتدت رقعتها إلىالخابور،وعرفت المدينة ب "Anatha" في مؤلفات "الكلاسيكيين".
ويشك المستشرق "أدور ماير" "Eduard Meyer" في وجود صلة بين اسم الإله "Ana-tu" "Anat"، واسم مدينة "An-at"، أي "عانة".
ومركز "عانة" الجزر الواقعة في النهر، وهي خصيبة، وفي مأمن من غارات الأعراب. وقد تمكن أصحابها بفضل موقعهم هذا من التحكم في القبائل المجاورة لها ومن أخذ الجزية منها. ولهذا السبب استعمل الآشوريون في الغالب رجالاً من أهلها لحكم منطقة "سوخي" "Suhi". وفيها كان يقيم "ايلو ابني" "Ilu Ibni" حاكم "سوخي" الذي دفع الجزية الى الملك "توكلتي أنورتا الثاني" "Tukulti Enurta" "889 - 4 88" قبل الميلاد.
:قد ذكَر اسم "عانة" و "الحيرة" في الكتابة المرقمة برقم "Littmann". ويرجع تأريخها إلى شهر أيلول من سنة "443" من التأريخ السلوقي، أي شهر "سبتمبر" من سنة "132" للميلاد، وورد فيها اسم الإلهَ "شيع القوم" حامي القوافل والتجارات. ويظهر إن المراد ب "حيرتا" الحيرة الشهيرة في العراق. فإذا كان ذلك صحيحاً، دل على إن نفوذ تدمر قد بلغ هذا المكان، وان للقصص الذي يرويه الأخباريون عن ملوك الحيرة والزباء أصلاً تطور على مرور الأيام فتكونت منه قصة "جذيمة" والزباء.
وصاحب هذه الكتابة رجل اسمه "عبيدو بن غانمو بن سعدلات"، من قبيلة "روحو" أي "روح"، وكان فارساً في حامية مدينة "عنا" وهي "عانة". وقد دوّن كتابته هذه بمناسبة تقديمه مذبحين إلى الإلهَ "شيع القوم" الذي لا يشرب خمراً، وهو حامي القوافل. ويلاحظ أن أكَثر الكتابات تذكر جملة "الذي لا يشرب خمراً" بعد اسم هذا الإله. وهي تعني أن هذا الإلهَ كان يشرب الخمر ولا يحبها، فعلى أتباعه تجنبها. ويظهر إن طائفة من الناس حرّمت عليها الخمرة، ودعت إلى مقاطعتها، واتخذت "شيع القوم" حامياً لها. وهي على نقيض عباد الإلهَ "دسره" "دشرة" "Dussares" أي "ذو الشرى" الذين كانوا يتقربون إلى إلههم هذا بشرب الخمر.
ولا نعرف متى استولى الرومان عليها. ولم يرد ذكرها في قائمة "ماريوس مكسيموس "Marius Maximus" التي عثر عليها في "Dura" والتي يعود تأريخها إلى سنة "211" للميلاد في ضمن المخافر الرومانية التي كانت في المناطق الوسطى لنهر الفرات. ويظهر منها أن "عانة" "Anath" كانت في ذلك الوقت في أيدي "الفرث" "Parthians"، وأن الرومان دخلوها بعد ذلك. قد يكون في أثناء حملة "اسكندر سويرس
"Alexander Severus" كما ذهب "روستوفستزف" "Michael Rostovtzeff" الى ذلك، أو في أيدي "غورديانوس" "Gordianus" كما ذهب "اولمستيد" "A.T.Olmstead" الى ذلك.
وقد ذكر "عانة" "Anatha" المؤرخ "أريان" في أثناء حديثه عن أسطول "تراجان" الذي مرّ بها. وورد اسمها "Anath" في خبر "معين" "Ma'ajn" أحد قواد الملك "سابور الثاني" "309 - 379 م"، وكان قد اعتنق النصرانية وبنى جملة ديارات، ونصب القس على"سنجار" "شجار" "Schiggar"، ثم لم يكتف بذلك، فذهب إلى "عانة"، فبنى على شاطىء الفرات وعلى مسافة ميلين منها ديراً استقر فيه سبع سنوات.
وفي سنة "363" للميلاد حاصرها الروم، وألحقوا بها أضراراً كبيرةّ. وأجلوا السكان عنها. ولما أرسل "فاراموس"Varamus" "Varaious" في عام "591" للميلاد قوة على "عانة" لمناوشة "كسرى" "Chosroes" وصدّه عن الرجوع الى فارس، قتل الجنود قائدهم، وانضموا إلى "كسرى". وفي القرن السابع للميلاد، كان مقر أسقف قبيلة "الثعلبية" في هذه المدينة.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|