الخط العربي
الخط العربي
فن وعلم و إبداع
مخطط البحث
· المقدمة
· تعريف الخط
· أول من خط بالعربية
· البعد الآخر للخط العربي
· نشأة الخط العربي وتطوره
· أهل الخط من الأوائل و المتأخرين
· العلوم المتعلقة بعلم الخط
· تطور الخط العربي في كتابة المصحف الشريف
· الخط العربي فن وعلم وإبداع
· أنواع الخط العربي
· المرأة وفن الخط العربي
· أهمية تدريس الخط العربي
· الأهداف التربوية لتدريس الخط
· نموذج لسير درس الخط
· طلابنا والخط العربي
--------------------------------------------------------------------------------
المقدمة:
قال الله عزّ وجل ( ن والقلم وما يسطرون )
وقال تعالى (إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم)
وقال صلى الله عليه وسلّم: ( عليكم بحسن الخط فإنه مفاتيح الرزق )
إنَّ العرب أول من فكر في البحث عن أصل الكتابة وإليهم يُعزى هذا الفضل، وقد ذكر المؤرِّخون أنَّ أول من كتب بالعربية ووضعها إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام فقد ورد عن ابن عباس ( أنَّ أول من كتب بالعربية ووضعها إسماعيل بن إبراهيم على لفظه ومنطقه ) ويقال أنّ الله تعالى أنطقه بالعربية المبينة وهو ابن أربع وعشرين سنة، ولايخفى عليكم أنَّ العرب قبل الإسلام أقرب إلى الأميّة منهم إلى العلم والثقافة وليس معنى ذلك أنه لايوجد فيهم من يُحسن القراءة والكتابة وإنما كانت نسبة المتعلمين منهم قليلةً جداً حتى لتشير بعض المصادر إلى أنّ الذين كانوا يمارسون القراءة والكتابة عند ظهور الإسلام لا يتجاوزون بضعة عشر رجلاً في المدينة وحدها …. ويقول البلاذري ( دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً يستطيعون الكتابة ومنهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبو عبيدة وطلحة، وغيرهم أمَّا النساء اللواتي كنَّ يكتبن فمنهنَّ: الشفاء بنت عبد العدوية من رهط عمر بن الخطاب وحفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلَّم وأمُّ كلثوم بنت عقبة وغيرهنّ..وكانت عائشة تقرأ المصحف ولا تكتب وكذلك أمّ سلمة )……. ولقد انتشر الخطُّ العربي في صدر الإسلام في بداية رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم حيث أنه يٌعدُّ بحقٍّ أول من عمل على نشر تعليم الكتابة بين المسلمين نساءً ورجالاً، وليس أبلغ شاهداً على ذلك من الرواية التاريخية التي تشير أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد طلب من بعض أسرى قريش في معركة بدر من الذين لم يقدروا على فداء أنفسهم بالمال أنْ يعلِّم كل منهم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ولقد بلغ كتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اثنين وأربعين كاتباً وأول من كتب له أُبي بن كعب ومن كتّابه علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان و زيد بن ثابت و عبد الله بن الأرقم و خالد بن سعيد بن العاص و العلاء بن عقبة ومعاوية بن أبي سفيان و مُعيقب بن أبي فاطمة … وغيرهم الكثير، ولقد أرسل صلى الله عليه وسلَّم عدداً من الرسائل إلى ملوك وأمراء الدول المجاورة يدعوهم فيها إلى الإسلام ومنهم قيصر ملك الروم وكسرى ملك فارس والنجاشي ملك الحبشة والمقوقس حاكم الإسكندرية وملك عمان جيفر الجلندي وثمامة ابن أثال ملك اليمامة وكذلك المنذر ابن ساوي ملك البحرين والحارث الحميري ملك اليمن، ثُمَّ إنَّ الخطَّ تطوَّر بشكلٍ واضحٍ في عهد بني أمية حيث اشتهر رجلاً يدعى ( قطبة المحرر ) بحسن الخطِّ وكان يُعتبر أكتب أهل زمانه، ثُمَّ إنَّ الخطَّ قفز قفزةً كبيرةً في العهد العباسي وأدخلت عليه العلامات كالفتحة والضمة والكسرة والسكون والشدة وذلك على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثُمَّ إنه وفي كلِّ زمنٍ يقيّض الله رجلاً يطوّر من شكل الخط أو يخترع خطاً جديداً حتى وصل الخط العربي إلى ما وصل إليه حالياً من تطور وإبداع، ومن هؤلاء الرجال إبراهيم الشجري وأخوه يوسف والأحول المحرر، وكان ينافس الأحول الخطاط محمد بن معدان الذي كانَ يُعرف بوجه النعجة ومحمد بن حفص ثم الوزير ابن مقلة وأخيه عبد الله ثم محمد السمسماني ومحمد بن أسد وابن البواب وغيرهم كثير.
--------------------------------------------------------------------------------
تعريف الخط:
لقد جعل الله التفاهم بين الناس باللسان والقلم، وجعل الكتابة وسيلة الإقرار وتبرئة الذمم وتوثيق العقود وحفظ العلوم والتراث الثقافي والحضاري للأمم عبر التاريخ وهي وسيلة هامة للمعرفة والتواصل بين البشر.
وقد قال ابن خلدون في مقدمته عن الخط: ( إنه صناعة شريفة يتميز بها الإنسان عن غيره، وبها تتأدى الأغراض؛ لأنها المرتبة الثانية من الدلالة اللغوية ) .
وقد عرَّفه بقوله: هو رسوم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس الإنسانية من معانٍ ومشاعر.
ليس هناك تشريفٌ أرفع لعلم الخطِّ من إضافة الله سبحانه تعليم الخطِّ لنفسه وامتنانه بذلك على عباده. قال صاحب كتاب زاد المسافر: الخط لليد لسان، وللخَلَد ترجمان، فرداءته زمانة الأدب، وجودته تبلغ شرائف الرتب، وفيه المرافق العظام التي منّ الله بها على عباده، فقال جل ثناؤه:
{ وربك الأكرم، الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان مالم يعلم }.
--------------------------------------------------------------------------------
أول من خط بالعربية:
أول من خَطَّ الخطَّ العربي ـ كما قال ابن عباس ـ إسماعيل عليه السلام وزاد أنه كان موصولاً حتى فرّق بينه ولده.
وقيل: مَرامر بن مرَّة، وأسلم بن جَدْرة، وهما من أهل الأنبار.
وقيل: أول من كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس، تعلَّم من أهل الحيرة، وتعلَّم أهل الحيرة من أهل الأنبار...
ويقول ابن دريد في أمالية: عن عوانة قال: أول من كتب بخطِّنا هذا وهو الجزم مَرامر بن مرَّة وأسلم بن جَدْرة الطائيان، ثم علَّموه أهل الأنبار، فتعلَّمه بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل، وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، فعلَّم جماعةً من أهل مكة، فلذلك كَثُرَ من يكتب بمكة...
ولذلك يقول رجل من كندة يمنّ على قريش بتعليم بِشْرٍ لهم:
لا تجحدوا نعماء بِشْرٍ عليكـمُ = فقد كان ميمـون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتموا = من المال ماقد كان شتى مبعثرا
1
2
لا تجحدوا نعماء بِشْرٍ عليكـمُ
فقد كان ميمون النقيبة iiأزهـرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتموا
من المال ماقد كان شتى مبعثرا
--------------------------------------------------------------------------------
البعد الآخر للخط العربي في تراثنا العلمي:
لا يشكل الخطُّ العربي فقط أداة تجسيد اللغة الحاملة للخصائص الحضارية والتاريخية والثقافية للأمة العربية بل يحمل هذا الخطُّ أقدس رسالة خُصِّ بها العرب إلى جميع بني البشر في كل زمان ومكان، وهي القرآن الكريم وبهذا المعنى أضحى الخطُّ العربي يتمتع بميزة مقدَّسة لم تتوفر لغيره من الخطوط لكل اللغات المتعارف عليها في العالم اليوم. ولهذا الغرض اجتهد العرب وجهدوا ليمنحوا الأحرف العربية المكانة الأعلى والمنزلة الأرفع التي منحها القرآن الكريم للغتهم السامية.
--------------------------------------------------------------------------------
نشأة الخط العربي وتطوره:
أولاً في الجزيرة العربية:
على إيقاع آيات الوحي يتردد صدى إيقاع الكلمات المكتوبة ليحتل الخطُّ العربي في جوٍّ من الصمت مكانة الكلام الشافي ويصل بالنص النهائي إلى ذروة الكمال والجمال الفني للمعاني والصور القرآنية.
ويزيد من جمال هذا الفن الرائع شكل الخط العربي القابل أكثر من أي خطٍّ آخر لجمال الحرف وأناقته ونجد قصة تطوُّر الكتابة العربية التي يمارسها الخطاطون في كلِّ أنحاء العالم الإسلامي.
كما نجد أنَّ عربية القرآن تعود في منشئها إلى لهجة عرب الشمال(شمال الجزيرة العربية) التي اشتُقت بدورها من اللغة النبطية التي كانت مشتقةً بدورها من اللغة الآرامية. وأقدم أصلٍ معروفٍ للكتابة في الجزيرة العربية هو ذلك المدعو بالجزم وقد انتشرت كتابة الجزم شيئاً فشيئاً حتى أصبحت لغة كلِّ العرب عندما نزل القرآن بها وخلّدها.
لقد أدَّى انتشار الإسلام في الأمصار البعيدة بعد الفتوحات إلى تأسيس مدنٍ جديدةٍ مثل الكوفة في العراق وقد تم تأسيسها عام 638 م/39 هـ في ظلِّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثُمَّ ازدهرت هذه المدينة وأصبحت موئلاً للعلم والعلماء وولّدت بذلك نوعاً جديداً من الكتابة دعيت: بالخط الكوفي
كانت النُّسخ الأولى من مصحف عثمان رضي الله عنه قد كُتبت بالحرف السائد في مكة والمدينة والذي هو عبارة عن تنويعٍ محليٍّ على خطِّ الجزم ثُمَّ أصبح المصحف يُكتب بعدئذٍ بالخطِّ الكوفي وغيره من الخطوط العربية التي انتشرت وتطوَّرت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وإنَّ خطي المشتق والحجازي المشتقين من الجزم يشهدان على الأساليب الأولى التي أدَّت إلى تثبيت كتابة النص الموحى.
لقد اكتسب الخط الكوفي نوعاً من الرفعة والاعتلاء وأصبح الخطُّ الديني الوحيد الذي يستخدم في نسخ القرآن.
ويتميَّز الخطُّ الكوفي بسمتين أساسيتين هما: الحروف العمودية القصيرة والحروف الأفقية الطويلة.
وهذا ما جعل الخطاطين يكتبونه على صحائف طويلةٍ أكثر مما هي عريضة. من هنا تنتج الأشكال الطويلة لمعظم نسخ القرآن المكتوبة بهذا الخط اللهمَّ إلا بعض الاستثناءات القليلة. لم تكن المصاحف المكتوبة بالخط لكوفي تحظى بالزخرفة إلا قليلاً جداً حتى القرن التاسع الميلادي وبعدئذٍ ابتدأت الزخارف والتزيينات تظهر وتأخذ دوراً نفعياً في الغالب. هذا وقد نشأ الخط الكوفي المغربي في مدينة القيروان تلك المدينة التي أسسها العرب عام 670 م وقد كان مسجدها الكبير مركزاً ثقافياً يضمُّ مدرسةً لفنِّ الخطِّ تمَّ فيها نَسْخُ العديد من المصاحف. إنَّ الخطَّ الكوفي المغربي يبدو أكثر تقليداً ومحافظةً ويتميَّز بوجود الدوائر النصفية تحت خطِّ الكتابة، هذه الدوائر التي تشكل حروفها الواطئة المبسوطة وهذه المكورات أو الدوائر تعدّل هيئة النص وتجعله يسيل طبقاً لإيقاعٍ مرنٍ متسلسل.
أمَّا كتابة حروف العلَّة والحركات التشكيلية التي تتيح التفريق بين حرفين صوتيين يتَّخذان نفس الرسم فقد تطوَّرت بتطوُّر أساليب الخطِّ وذلك ضمن إطار إصلاح الكتابة العربية الذي تحقَّقَ على مراحل متعددةٍ من خلال بعض الأسماء اللامعة لكبار النحاة العرب.
ونستعرض فيما يلي أهمَّ هذه المراحل والشخصيات:
أبو الأسود الدؤلي: توفي عام (688هـ ) وهو المؤسس الشهير للنحو العربي بتكليفٍ من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويكاد اسمه أنْ يكون أسطورة ويُقال أنه هو الذي اخترع نظام التشكيل للتعويض عن حروف العلَّة الناقصة وقد ارتبط نظام التشكيل هذا بالخط الكوفي ومشتقاته. وأمَّا المشكلة بتمييز الحروف الصوتية عن بعضها البعض فقد حلَّت من قِبَلِ الحجاج بن يوسف الثقفي والي الأمويين والمنطقة الشرقية من المملكة بين عامي (694-714 هـ) وكانت الرموز التي تميِّز الحروف في البداية عبارة عن نقاطٍ صغيرةٍ سوداء بعدد واحد أو اثنين أو ثلاثة موضوعة تحت الحرف أو فوقه.ولكنَّ استخدام النقاط السوداء مع النقاط الملونة الأخرى قد أوقع الخلط والارتباك ولهذا السبب استُبدلت الحركات المائلة القصيرة بالنقاط ولكنَّ المشكلة لمْ تحلّ إلا بظهور ذلك العبقريّ
الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم النحو المتوفى عام (786 م) فقد حافظ الخليل على النقاط التي اقترحها الحجاج من أجل التمييز بين الحروف المتشابهة ولكنه وضع مكان رموز حروف العلَّة التي اكتشفها أبو الأسود الدؤلي ثمانية رموز للحركات الجديدة (مثل الفتحة، الكسرة، الضمة..).وهكذا تَمَّ توحيد التنقيط الذي اخترعه الحجاج مع رموز الحركات التي اخترعها الخليل في نظامٍ واحدٍ أعطى للخطِّ العربي شكله الجميل الذي نعرفه حالياً.
--------------------------------------------------------------------------------
تطوّر أنواع الخط العربي:
لقد كانت الكتابة منذ أصولها في الحجاز ولا تزال حتى الآن تنقسم إلى نوعين كبيرين:
1- المقوَّر والمدوَّر: أو الكتابة العادية السريعة.
2- المبسوط المستقيم: أو الكتابة الكوفية المائلة (على شكل الزاوية)
إنَّ هذا الخطَّ الثاني الذي استُخدم تقليدياً في نسخ القرآن الكريم طيلة القرون الخمسة الأولى بَطُلَ استخدامه لاحقاً إلا فيما يخصُّ عناوين السور والبسملة والمصحف الشريف. ثم حَلَّت بعده الكتابة العادية السريعة، وقد تعرضت عبر القرون وفي مختلف المناطق الإسلامية إلى تنوعياتٍ أسلوبيةٍ عديدةٍ جداً.
إنَّ الكتابة العادية السريعة الخاصَّة في المغرب تُدعى بالخطِّ المغربي وقد ظهر هذا الخطُّ بالقرن الحادي عشر الميلادي وهو يتميَّز على شاكلة الخطِّ الكوفي المغربي بمظهرٍ منسابٍ متسلسلٍ عن طريق لعبة خطوطه المقوَّسة المفتوحة التي تنتهي عادةً بحلقةٍ ذهبيةٍ أو بحلقةٍ من الحبر مرسومةٍ على الورق أو الجلد، ونجده أحياناً بشكلٍ استثنائي مكتوباً بحبرٍ ذهبي أبيض على أرضية أرجوانية داكنة. إنّ أناقة الخطِّ المغربي ورقَّته تتعارض غالباً مع سماكة الخط الكوفي المزخرف الذي يستخدم عادةً في رسم العناوين الكبيرة فقط، إنّ أقواسه الدقيقة التي تميل إلى اليسار كالكتابة العربية والتي تكاد تمسُّ الحروف الأخرى للكلمات المجاورة تخلع عليه سمةً فريدةً من التداخل والانسجام. وقد أدَّى نجاحه إلى طول عمره وانتشاره في كلِّ أنحاء إفريقيا الشمالية والغربية وصولاً إلى إسبانيا الإسلامية حيث ظهر تنويعٌ جديدٌ عليه.إنَّ الخطَّ المغربي الأندلسي الذي نشأ في قرطبة قد فرض نفسه على كلِّ إسبانيا الإسلامية. وهو مصحوبٌ بالحركات والتشكيلات، كما أنَّه يبدو أكثر رقَّةً وتماسكاً عن طريق صَفِّ حروفه الصغيرة على طول الخطوط الرفيعة المكثفة.
وفي ذات الوقت أي في القرن العاشر ظهرت في المشرق أيام الحقبة العباسية ستة أساليب من الكتابة العادية السريعة وذلك تحت اسم 'الأقلام الستة' وهي ما يلي: خطُّ الثلث، والنسخ، والمحقَّق، والريحاني، والرقعة والتوقيع. وقد استُخدمت كلُّ هذه الخطوط بكثرة من قبل الحكومات و الإدارات الإسلامية. ولم تُستخدم إلا أربعةً منها لنسخ القرآن وهي الخطوط الثلاثة الأولى المشار إليها بالإضافة إلى الأخير.
وكان مُكتشف هذه 'الأقلام الستة' شخصٌ عبقريٌ يُدعى:أبو علي ابن مقلة الخطاط والوزير وقد أدّت كفاءته ومعرفته الدقيقة بعلم الهندسة إلى تدشين المرحلة الأهمِّ في الخطِّ العربي العادي وهي اختراع القواعد الأساسية لفنِّ الخط التي تعتمد على الوحدات القياسية الثلاث التالية:
1- النقطة المربعة
2- حرف الألف
3- المستديرة الخط أو الدائرة
وقد توصَّل إلى النقطة المربعة عن طريق ضغط القلم بشكلٍ مائلٍ على الورق من أجل تناسب الأضلاع الأربعة المتساوية الطول للنقطة من حجم اتساع القلم.
وأمَّا الألف فهي عبارة عن شكلٍ عموديٍ منتصبٍ يصل قياسه إلى خمس أو سبع نقاطٍ مربعةٍ مصفوفةٍ الواحدة فوق الأخرى.
أمَّا المستديرة الخط فهي عبارة عن دائرةٍ نصف قطرها بطول الألف وقد استُخدمت أيضاً كشكلٍ هندسيٍّ أساسيٍّ.
ثُمَّ جاء بعده خطاطٌ آخر اسمه ابن البواب توفي (عام 1022م ) وقد أغنى هذا النظام وأضاف إليه أسلوباً جديداً أكثر رشاقةٍ يُدعى ' المنسوب الفائق '.
وبعد حوالي قرنين ونصف اخترع ياقوت المستعصمي (1298م)طريقةً جديدةً لصنع الأقلام القصبيّة (الريشة) عن طريق بريها بشكلٍ مائلٍ، وقد أغنى ذلك الأساليب الستة، ثُمَّ بلور ياقوت هذا أسلوباً جديداً لخطِّ الثلث وخلع عليه اسم الياقوتي.
--------------------------------------------------------------------------------
أنواع الخطوط الستة:
الثلث:
يُستمد هذا الأسلوب في الكتابة اسمه من المبدأ الذي ينصُّ على أنه يجب إمالة ثلث كلِّ حرف من الحروف المكتوبة، وقد عاش هذا الخطُّ أكثر من غيره من بقية الأقلام الستة, وهو خطٌّ دينيٌ وفخمٌ.
النسخ:
ويعني المحو أو الإزالة وتعود نشأة هذا الخطِّ إلى القرن الثالث عشر ثُمَّ انتشر وشاع في القرن التالي وقد ساعد على انتشاره اعتماد الورق في الكتابة بدلاً من الرقّ أو الجلد وذلك في كلِّ أنحاء المشرق الإسلامي. وبعد أنْ تَمَّ تحسينه على أيدي نظام ابن مقلة وابن البواب أصبح خطاً لائقاً لكتابة القرآن، وبفضل نوعيته العالية هذه أصبحت المصاحف المكتوبة بالنسخ أكثرَ عدداً من كلِّ المصاحف المكتوبة بالخطوط العربية الأخرى مجتمعة.
إنّ هذا الخطُّ يتميَّز بالكتابة الأنيقة والملائمة التي تَصفُّ الحروف والكلمات على السطر بشكلٍ واضحٍ وتترك مسافاتٍ معقولةٍ بينها وهذا ما يزيد من جمال تناسقها.
المحقَّق:
وتعني التسمية في الأصل الخطُّ المرسوم بقوةٍ ووضوحٍ أو الناتج عن فرط العناية والتدقيق وقد شاع هذا الخطُّ كثيراً في زمن خلافة المأمون (813-833هـ) ثُمَّ اكتسب بمرور الزمن بعض الاستدارة والنضج ولكن تَمَّ تعديله من قِبَلِ ابن مقلة ووصل إلى درجة الكمال على يَدِ ابن البواب. إنَّ المحقَّق خطٌّ رشيقٌ ومتَّسقٌ وهو يتوصَّل إلى تحقيق التوازن ما بين خطّه الأفقي الرفيع المستطيل وبين خطوطه العالية المليئة بالشموخ والجمال وكانَ هذا الخطُّ قد استُخدم طيلة أكثر من أربعة قرونٍ في كتابة المصاحف ذات الحجم الكبير.
التوقيع:
وقد اختُرع هذا النوع من الخطِّ زمن الخليفة المأمون وهو يتميَّز بأنه شديد التلاحم والتماسك، سريع، وقريب من خطِّ الثلث الذي يُقال أنه مشتق منه ويُقال أنه قد اشتقَّ من الخطِّ الرياسي، الذي كان الخلفاء العباسيون يستخدمونه في كتاباتهم ومعاملاتهم الرسمية ويوقعون عليه أسماءهم وألقابهم ونلاحظ أنَّ استخدامه نادرٌ جداً في النصوص الدينية إلا استثناء واحد مصحف أفغانستان الضخم الذي تَمَّ نسخه بين عامي(111 – 1112م).
وتوجد هناك أربع أساليبٍ أخرى للخطِّ العادي بالإضافة إلى الأقلام الستة وهي الغبار، التمار، التعليق، النستعليق.
الغبار:
وهو معروفٌ أيضاً باسم الكتابة المجهرية نظراً لدقَّة حروفه؛ وقد ظهر في القرن التاسع الميلادي وهو مشتق من الخطِّ الرياسي وله حروفٌ مدوَّرةٌ صغيرةٌ جداً استعارت بعض خصائصها من خطي الثلث والنسخ.
النستعليق:
وهي كلمة مركبة من كلمتين هما النسخ والتعليق؛ وهذا الخطُّ عبارة عن كتابةٍ معلَّقةٍ اخترعها الفرس واشتقوها من خطِّ التعليق الذي تشكَّل هناك في نهاية القرن الخامس عشر، وقد أصبحت هذه الكتابة منذ ذلك الوقت بمثابة الخطِّ القومي الفارسي ولكنْ نادراً ما لجأ الخطاطون إلى النستعليق من أجل نسخ القرآن وقد وجدناه فقط في مصحفٍ بالهند يعود للقرن الثامن عشر ولكنه غير مستخدم لكتابة النص العربي الموحى وإنما تَمَّ استخدامه فقط على الهوامش وبين السطور .
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
ثانياً الخطُّ العربي في البلاد الإسلامية :
انطلق الخط العربي الذي كُتِبَ به القرآن غازياً ومعلِّماً مع الجيوش الفاتحة إلى الممالك المجاورة والبعيدة . فكتب الفرس لغتهم بالحروف العربية وابتكروا الخطَّ الفارسي”التعليق' بيد مير علي التبريزي المتوفى سنة 919هـ كما حوَّروا الخطَّ الكوفي فأصبحت المدَّات فيه أكثر وضوحاً .
أمَّا الترك فحوَّلوا خطَّ الرقاع وابتكروا الهمايوني (الديواني) بيد الأستاذ إبراهيم منيف كما وضع ممتاز مصطفى بك قواعد الرقعة سنة 1270هـ وقد ورد في كتابِ مصوَّرِ الخطِّ العربي رسالةً كتبها الوزير يوسف باشا للسلطان عبد الحميد الأول ـ والرسالة والشرح كانا بخطِّ الرقعة ـ وفي حياة ممتاز مصطفى - المولود عام 1225هـ في اسطنبول - أنه كانَ يقوم بتعليم الخطِّ للسلطان عبد الحميد . وفي الأندلس رأينا صوراً أخرى من الحفاوة التي لقيها الخطُّ العربي بعيداً عن موطنه فقد اهتمَّ الحكَّام بالخطِّ العربي وتعلَّموه ونسخوا به الكتب لا سيما المصاحف كما اهتمَّ سواد الناس بالمخطوطات ذات الخطِّ الجميل، ويذكر المقري قصةً عن الحضرمي، قال: أقمت مرَّةً بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدَّةً أترقَّب وقوع كتابٍ كانَ لي بطلبه اعتناءً إلى أنْ وقع وهو بخطٍّ جيدٍ وتسفيرٍ مليحٍ ، ففرحت به أشدَّ الفرح فجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إلى المنادي بالزيادة علي إلى أنْ بلغ فوق حدِّه فقلت له يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى أبلغه إلى ما يساوي قال : فأراني شخصاً عليه لباس رياسةٍ فدنوت منه وقلت له : أعزَّ الله سيدنا الفقيه إنْ كان لك غرضٌ في هذا الكتاب تركته لك فقد بلغتْ به الزيادة بيننا فوق حدها . فقال لست بفقيه ولا أدري ما فيه ولكني أقمت خزانة كتب واحتفلت فيها لأتجمَّل بين أعيان البلد وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب فلما رأيته حسن الخطِّ جيد التجليد استحسنته ولم أبال بما أزيد فيه.
ثالثاً الخط العربي في ما وراء النهر :
دخل الإسلام بلاد ما وراء النهر (وسط آسيا) مع الفتوحات العربية التي تمَّت في القرن السابع الميلادي، وقد اعتنقت شعوب تلك المنطقة الدين الإسلامي ومِنْ هذه الشعوب كانَ الشعب الأوزبكي الذي تمثَّل هذا الدين كما تمثَّل اللغة التي جاءت معه اللغة العربية ، فأقبل أفراد الشعب عليها تعلُّماً ودراسةً ، ومن ثُمَّ أصبحت العربية سائدةً بين الناس، حتى إنهم ألَّفوا بها كتبهم وعلومهم إلى جانب اللغتين الفارسية والتركية، وتدارسوا مختلف فنون الأدب العربي ومنها الشعر ومن أهمِّ المؤلفات في هذا المجال كتاب الشاعر الخوارزمي شير محمد مؤنس (1829-1878م)، الذي ألَّفه بعنوان 'سوادي تعليم' أي (مبادئ تعليم الكتابة والقراءة)، وهو كتاب مدرسي،وكان لهذا الكتاب أهميةً بالغةً في المجال التعليمي والتنويري، وقد وصف بمهارةٍ تامَّةٍ كلَّ الحروف المبنية على الأبجدية العربية كتابةً وقراءةً على السواء، وكانَ هذا الكتاب يتميَّز بإبداعه حيث أنه في بداية الأمر يتناول حَمْد الله والثناء عليه، ثُمَّ الصلوات على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ مَدح حكَّام عهده، ووصْفِ الأساتذة والخطاطين الذين اخترعوا أنواعاً مِنَ الخطِّ، وخلال وصفه لهم كانَ دائماً يذكر أشهر علماء النحو والصرف العربي، ومن بينهم ابن الحاجب الذي اخترع أروع أنواع الخطِّ العربي، وكتب عنه ما يلي: جمع الفضل في كل العلوم، وفي كل حكم كان نافذ القول، وفي علمه كان يُوجب احترام أهل العلم.
وقام الشاعر مؤنس بشرح كتابة كلِّ حرفٍ في الأبجدية وصيغته وعلاقته بالحروف الأخرى،. وبفضل انتشار الكتابة العربية عند شعوب وسط آسيا تطوَّر في المنطقة فنُّ الكتابة وفنُّ الخطِّ العربي، وقَدْ كانَ هذا الخطُّ من الذخائر المعنوية، وكانَ الخطاط يُقدَّر تقديراً عالياً لإتقانه هذا الفنَّ الرائع ،
وقام العالم الأوزبكي 'مرادوف' ببحوثٍ علميةٍ في دراسة تاريخ الخطِّ العربي وفنّه في وسط آسيا، معتمداً على الرسالة العلمية لخطِّ العلامة 'محمد ابن حسين الطبي' و 'الحبيب'، فقد أشار إلى أنَّ أنواع الخطِّ العربي كانَ عددها يناهز الستة والثلاثين خطاً، علماً بأنها كانت هي نفسها خطوط الكتابة الأوزبكية القديمة المبنية على الأبجدية العربية، وعدَّدها كما يلي:
الكوفي، والتمار، والجليل، والمجموع، والرئاسي، والثلثان، والنصف، والجوانهي، والمثلث، وغباري الحلية، والمنصور، والمقترن، والحواشي، والأشعار، واللؤلؤ، والمصاحف، وفزاح النسخ، والغبار، والأحد، والمعلَّق، والمؤامرات، والمعماة،والمحدث، والمدمّج، المكوّر، والممزوج، والمفتاح، والمؤلف، والمخفف، والمرسال، والمبسوط، والتوءمان، والمعجز، والمخلع، والديواني، والسياقة.
يظهر مما سبق أنَّ الخطَّ العربي تطوَّر في منطقة وسط آسيا تطوُّراً كبيراً، وفي أثناء حكم الأمير تيمور اختُرع نوعٌ من الخطِّ الأوزبكي القديم المبني على الأبجدية العربية سمِّي بخطِّ النستعليق ، فقد قام كبير الخطاطين 'مير علي التبريزي' و 'سلطان علي مشهدي' باختراع هذا الخطّ، وشاع استعماله في فنِّ صناعة الكتب في وسط آسيا ، وقد أسس الخطاط 'مير علي هراوي' -من هراة- مدرسة بخارى للخطِّ، وتعلَّم عليه خطاطون كبار مثل: حلوان، ومير عبيد، والمولى ساقي محمد، وقولنكي، وعبد الله كاتب، الذين ألَّفوا العديد من كتب الخطِّ العربي في البلاد، واشتُهرت مؤلفاتهم حتى وصلت إلى الشرق العربي أيضاً.
وكان ثمّة عاملٌ مهمٌ لتصبح بخارى من أكبر المراكز للخطِّ العربي، فبعد الفتوحات الإسلامية في وسط آسيا تحوَّلت هذه المدينة إلى مكانٍ مهمٍ للحضارة الإسلامية والثقافة العربية، وشُيِّد فيها الكثير من المدارس والمساجد والمراكز العلمية، وقام أغلب العلماء والفقهاء والمحدِّثين والمؤرخين بتأليف كتبهم في مسائل الدين الإسلامي الحنيف في هذه المدينة بالذات، كما أتى إليها الطلاب من جميع أقطار الشرق للحصول على العلم والمعرفة، فساعد هذا في تطوُّر فنِّ الكتابة والخطِّ العربي، وهكذا أصبحت بخارى من أكبر المراكز العلمية لفنِّ الخطِّ العربي في منطقة وسط آسيا وبلاد السند والهند أو ما وراء النهر .
--------------------------------------------------------------------------------
أهل الخط:
أوائل الكتبة من المسلمين: لقد سمِّي خطُّ هؤلاء الأوائل بالخطِّ الحجازي ، وهو أصل خطّ النسخ.
وقد كان من كتّابه بعض أسرى النبي صلى الله عليه وسلَّم من أهل قريشٍ في بدر، فاشترط على كلِّ واحد منهم تعليم عشرةٍ من صبيان المدينة، فانتشرت الكتابة بين المسلمين، وحضَّ صلى الله عليه وسلَّم على تعليمها.
وكانَ من أشهر كتّاب الصحابة رضي الله عنهم عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
ولمَّا فتح المسلمون الممالك ونزلت جمهرة الكتّاب منهم الكوفة، عنوا بتجويد الخطِّ العربي وهندسة أشكاله، حتى صار خطَّ أهل الكوفة ممتازاً بشكله عن الخطِّ الحجازي، واستحق أنْ يسمَّى باسمٍ خاصٍّ وهو ( الخطُّ الكوفي) وبه كانت تكتب المصاحف وتحلّى القصور والمساجد وتسكُّ النقود.
--------------------------------------------------------------------------------
الخطاطون الأوائل:
ورد في كتاب (أبجد العلوم) لصاحبه صدّيق بن حسن القنوجي كلامه في علم الخط _ فصل في أهل الخط العربي _ قال ابن إسحاق: أول من كتب المصاحف في الصدر الأول ـ ويُوصف بحسن الخطِّ ـ خالد بن أبي الهياج ، وكان سعد ابن أبي وقاص والي الكوفة أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قد نصَّبه لكتابة المصاحف ، وكان الخطُّ العربي حينئذٍ هو المعروف الآن بالكوفي، ومنه استُنبطت الأقلام كما في كتاب (شرح العقيلة).
ومن كتّاب المصاحف خشنام البصري، والمهدي الكوفي، وكانا في أيام الرشيد.ومنهم أيضاً أبو حُدى وكان يكتب المصاحف في أيام المعتصم وهو من كبار الكوفيين وحُذَّاقهم،
وأول من كتب في أيام بني أمية ( قطبة المحرر ) وقد استخرج الأقلام الأربعة، واشتقَّ بعضها من بعضٍ وكان أكتب الناس في زمانه . ثُمَّ كان بعده الضحاك بن عجلان الكاتب في أول خلافة بني العباس فزاد على قطبة. ثُمَّ كان إسحاق بن حماد في خلافة المنصور والمهدي، وله عدَّة تلاميذٍ كتبوا الخطوط الأصلية الموزونة..
وحين ظهر الهاشميون استُحدث خطٌّ يسمَّى العراقي، وهو المحقَّق، ولم يزل يزيد حتى انتهى الأمر إلى المأمون فأخذ كتّابه بتجويد خطوطهم، وظهر رجلٌ يُعرف بالأحول المحرِّر، فتكلَّم على رسومه وقوانينه وجعله أنواعاً.
ثُمَّ ظهر قلم المرصَّع وقلم النساخ، وقلم الرياسي اختراعُ (ذي الرياستين: الفضل بن سهل)، وقلم الرقاع، وقلم غبار الحلية.
ثُمَّ كان إسحاق بن إبراهيم التميمي المكنَّى بأبي الحسن معلِّم المقتدر وأولاده أكتب أهل زمانه، وله رسالةٌ في الخطِّ أسماها ( تحفة الوامق).
ومن الوزراء الكتّاب أبو علي محمد بن علي بن مقلة المتوفَّى سنة ثمانٍ وعشرين وثلاثمائة، وهو أول من كتب الخطَّ البديع وخطَّ النسخ الذي انتشر في مشارق الأرض ومغاربها وهندس الحروف وأجاد تحريرها . ثُمَّ ظهر صاحب الخطِّ الجميل علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفَّى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ولم يُوجد في المتقدمين من كتبٍ مثلَه ولا قاربَه، وإنْ كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خطِّ الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة، وله بذلك فضيلة السبق، وخطُّه في غاية الحسن ، لكنِّ ابن البواب هذب طريقته ونقّحها وكساها حلاوةً وبهجةً، وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب.
ثُمَّ ظهر أبو الدرِّ ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي المتوفَّى سنة ستٍ وعشرين وستمائة، ثُمَّ ظهر أبو المجد ياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفَّى سنة ثمانٍ وتسعين وستمائة، وهو الذي سار ذكره في الآفاق وعجز الكتّاب والخطاطون عن مداناة رتبته.
ثُمَّ اشتُهرت الأقلام الستة بين المتأخرين وهي: الثلث والنسخ والتعليق والريحان والمحقَّق والرقاع... ثُمَّ ظهر قلم التعليق والديواني والدشتي، وكان ممن اشتُهر بالتعليق سلطان علي المشهدي، ومير علي، ومير عماد، وفي الديواني تاج وغيرهم.
--------------------------------------------------------------------------------
وقفة مع بعض الخطاطين الأوائل :
الخطاط ابن مقلة :
لابد من ذكر جهود الوزير ابن مقلة وأخيه الخطاط أبي عبد الله الحسن، فهما اللذان تمَّت على أيديهما هندسة خطِّ النسخ والجليل وفروعه على الأشكال التي نعرفها الآن، وهما اللذان قدَّرا مقاييس الحروف وأبعادها وضبطاها ضبطاً جيداً وأنشأا لعلم الخطِّ القواعد المعروفة . وابن مقلة هو الوزير أبو علي محمد بن علي بن مقلة ولد ببغداد في شوال سنة 272 هجرية ، نشأ في أسرةٍ متواضعة الحال ذات فضلٍ وعلمٍ وفنٍّ، اشتُهر عميدها وبعض أبنائها بجودة الخطِّ ،ولقد وصلت أنواع الخطِّ في عصره إلى عشرين نوعاً إختصرها إلى ستة أنواعٍ رئيسيةٍ هي : الثلث ، النسخ ، التعليق ، الريحان ، المحقَّق ، الرقاع ، .. ولقد كتب ابن مقلة المصحف مرتين وله رسالتان في الخطِّ الأولى هي ( ميزان الخطِّ ) وهي موجودةٌ في مكتبة العطارين في تونس والأخرى هي ( رسالة في علم الخطِّ والقلم ) وهي موجودةٌ في دار الكتب المصرية .
الخطاط ابن البواب:
هو أبو الحسن علي بن هلال من أعاظم الخطاطين بالعربية وكان شيخه في الكتابة محمد بن أسد الكاتب ، لُقِّب بابن البواب لأنَّ أباه كان بوَّاباً لدى آل بويه ، أقام الخطَّ على قواعدَ جماليةٍ وخلق بعده مدرسةً في الخطِّ تجري على آثاره … ولم يُوجد في المتقدمين ولا في المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه وإنْ كان ابن مقلة أول من نقل هذه الطريقة من خطِّ الكوفيين وأبرزها في هذه الصورة وبذلك كانت له أفضلية السبق ، كتب ابن البواب 64 مصحفاً وتوفي سنة 413 هجرية . وقد هذّب طريقة ابن مقلة ونقَّحها وكساها حلاوةً وبهجةً، فقد أكمل ابن البواب وتمَّم قلم التوقيع وأحكم قلم النسخ وحرَّر قلم الذهب وأتقنه ووشَّى الحواشي وزيَّنه وبرع في الثلث وخفيفه وأبدع في الرقاع والريحان وميَّز قلم المتن والمصاحف وكتب بالكوفي.
الخطاط ياقوت الرومــي :
هو جمال الدين ياقوت المستعصمي الطواشي البغدادي أحد مماليك الخليفة المستعصم بالله العباسي كنيته أبو الدرّـ وأبو المجد أصله من مدينة أماسية في بلاد الروم ، أخذ الخطَّ عن الكاتبة زينب وقلّد خطوط ابن البواب ومن تلاميذه نجم الدين البغدادي وعلم الدين سنجر ، توفي ياقوت في سنة 698هجرية ببغداد.
الخطاط البوصيري :
هو شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد البوصيري (608-695)هـ صاحب البردة كان جيد الخطِّ و قد تعلَّم على يده أكثرُ من ألف طالبٍ .
--------------------------------------------------------------------------------
الخطاطون المتأخرون :
ومن أشهر هؤلاء الشيخ حمد الله الأماسي، وجلال الدين، ودرويش علي، والحافظ عثمان، وعبد الله زهدي، وهو الذي خطَّ بالقلم الجليل جدران المسجد النبوي الشريف، ومحمد مؤنس أفندي، وعلى يديه وعلى يدي تلميذه محمد جعفر بك تخرَّج جميع خطاطي مصر فيما بعد.
ومن أشهر الخطاطين في الحقبة الأخيرة: الشيخ عبد العزيز الرفاعي وسامي أفندي، وأحمد كامل، وهاشم محمد البغدادي، وحامد الآمدي، ومحمد عارف، وبدوي الديراني، وحسنى البابا.
لقد عاش الخطُّ العربي في مصر حقبةً تاريخيةً طويلةً . امتدت من 297 هـ إلى 917 هـ لاقى فيها هذا الفنُّ عنايةً فائقةً فانتشر على يد عفيف الدين وطبقته . وبرز الخطاط طبطب الذي يُنسب إليه تجويد مدرسة الخطِّ العربي في مصر خلال العصر الطولوني ثُمَّ ظهر بعد ذالك ابن أبي رُقيبة وشمس الدين الرفتاوي وابن الصايغ الذي أحبَّ طريقة عفيف الدين . وكان لهؤلاء أثرٌ بالغٌ في تطوير الخطِّ العربي.
وبعد هذه الفترة التاريخية عانت مصر كغيرها من البلدان العربية من تخلُّفٍ كان من نتائجها أنْ بسط الاستعمار نفوذه على البلاد وعمل جاهداً على طمس كلِّ ما هو حضاريٍّ وتراثيٍّ ؛ وكان منها هذا الفنُّ الجليل، غير أنَّ مصــراً أبت إلا أنْ تكون رائدةً باهتمامها بتراث الأمة الفنية . فعمدت سنة 1921م إلى استقدام الخطاطين البارزين من الأتراك لتعليم أبناء مصــر . وفتحت المدارس والمعاهد الخاصَّة بذلك،مما أدَّى إلى ظهور مجاميعٍ كبيرةٍ من الخطاطين المصــريين ممَّا أوجب الإشارة إلى أبرز المبدعين منهم والذين هم من خطاطي الفترة المتأخرة :
يوسف أحمد- غزلان بك- محمد حسني- محمد علي المكاوي – محمد إبراهيم- سيد إبراهيم .
--------------------------------------------------------------------------------
الخطاطون المعاصرون :
إنَّ تجويد الخطِّ العربي والدقَّة والكمال في الكتابة, ميدانٌ واسعٌ من ميادين الفنون الإسلامية اشتُهر فيه الكثير من الخطاطين في العصر الحديث ونذكر فيما يلي لمحةً موجزةً عن حياة عددٍ منهم :
الخطاط محمد أوزجاي :
ولد الخطاط محمد أوزجاي بمدينة جاي قره التابعة لولاية طرابزون بتركيا في صيف عام 1961م وتخرَّج عام 1986 من كلية الشريعة التابعة لجامعة أتاتورك بأرضروم ، وتعرَّف هناك على الخطاط فؤاد بشار عام 1982م فتعلَّم على يديه خطَّ النسخ ثُمِّ الثلث ، بعد ذلك تعرَّف على الدكتور مصطفى أوغور درمان فكان الدليل والمرشد له في هذا المجال .
كتب محمد أوزجاي ما يقارب الخمسين حلية نبوية شريفة حازت على إعجاب محبي الخطِّ العربي أينما جال بها في معارضه زيادةً في شرف كتابة المصحف الشريف الذي طُبع عدَّة مراتٍ ، وله مقتنياتٌ كثيرةٌ داخل تركيا وخارجها ، وطُبع العديد من أعماله ونُشر في الدوريات والتقاويم السنوية .
الخطاط إسماعيل حقي :
في عاشر ذي الحجة عام 1289هـ وفي محلة تعرف باسم 'قورو جشمة' في استنبول ولد الخطاط القدير أباً عن جد 'إسماعيل حقي' وكان والده تلميذاً لقاضي العسكر مصطفى عزت أفندي وعمل إسماعيل حقي بعد دراسة الرسم والنقش في ' مدرسة الصنايع النفسية ' موظفاً بقلم الديوان الهمايوني فتعلم فيه الخط الديواني والديواني الجلي والثلث الجلي والطغراء على يد الخطاط الأشهر سامي أفندي ، ثم أصبح كاتب الطغراء الثاني ، ثم الكاتب الأول .عمل بتدريس الزخرفة عقب صدور قانون أتاتورك بتغيير الحروف العربية إلى اللاتينية .ولُقب 'بآلتون بَزَرْ ' أي نقاش الذهب ، لتدريسه فن الزخرفة خارج الأسلوب التقليدي .وقد ترك إسماعيل حقي تراثاً غزيراً متميزاً - خاصة في الثلث الجلي والديواني والطغراء - وتشهد له بذلك الجوامع والقباب باستنبول .
الخطاط جلال أمين صالح :
ولد الخطاط جلال أمين صالح بالأردن عام 1946م ، وحصل على الليسانس في الجغرافيا ، وكذلك درجة الدبلوم في الخط العربي ، عمل بتدريس الخط سنوات عديدة وأقام المعارض الكثيرة في الرسم والخط العربي وله كتاب في الخط بعنوان 'مذكرات في الخط العربي' . عمل خطاطاً لإدارة المراسم الملكية بالمملكة العربية السعودية أثناء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث بالطائف عام 1401هـ . فاز أكثر من مرة بالمسابقة العالمية للخط العربي التي تقام باستنبول في تركيا .
الخطاط بدوي الديراني :
ولد الخطاط السوري الكبير محمد بدوي الديراني عام 1894 بدمشق ، ودرس قواعد التعليق الذي اشتهر به وصار فيه صاحب مدرسة خاصة على يد الخطاط مصطفى السباعي ، ثم درس النسخ والثلث والرقعة والديواني على يد الأستاذ يوسف رسا ، كما درس الكوفي والديواني الجلي على يد الأستاذ ممدوح الشريف الذي صاحبه مدة سبعة عشر عاماً . له زيارات كثيرة إلى مصر واستنبول . وكان ورعاً في كتابة الخط ، فلم يكن يمتهنه أو يبذله لغير هدف أسمى وقد رفض أن يكتب الخط العربي داخل كنيسة مع كل الإغراءات ، وبذل أضعاف ثمن الكتابة ، لأنه كان يؤمن بأن الحرف العربي شريف ولا يكتب به ما لا يرضي الله عز وجل .توفي بدمشق في 25 يوليو 1967 م .
الخطاط مختار البابا :
ولد مختار البابا في بيروت عام 1938 ، تعلم أصول الخط على يد والده الخطاط كامل البابا ، وخرجت أوائل لوحاته في أوائل السبعينيات وأسلوبه تقليدي في توجهه الفني رغم تجربته في ( الحروفية ) التي حاول من خلالها استخراج مكامن الجمال في الحروف العربية التي يجعلها مزيجاً من التماثل الهندسي والتناسق اللوني ، وإلى جانب كونه فناناً فهو خبير خطوط بالمحاكم العدلية اللبنانية . شارك مختار البابا في كثير من الفعاليات التعليمية الهادفة لتطوير مهارات الكتابة العربية، لدى معلمي اللغة العربية طبع عدداً من الأمشق التدريبية لأساليب الكتابة الصحيحة للأطفال والناشئة، ويعمل حالياً معلماً للخط العربي واللاتيني في مدارس جمعية المقاصد كما أنه يعلم الخط والزخرفة العربية في مدرسة عبد الهادي الدبس التقنية. أقام مختار البابا عدة معارض فنية بالعالم العربي له مرسم فني في بيروت.
الخطاط مأمون صقّال:
مأمون صقّال سوري الأصل تلقى دروس الرسم والطباعة بمعهد حلب للفنون بسوريا ثم حصل على درجات علمية من جامعتي حلب وواشنطن.بدأ صقال الرسم في سن مبكرة جداً وتدرب على الأنماط الأوروبية، بعد ترحاله إلى أمريكا عام 1978أمضى وقتاً طويلاً في تعلم وفهم التراث والثقافة العربية، وشيئاً فشيئاً تحولت رؤيته من الفن الأوروبي إلى الفن العربي الإسلامي بدأ تجاربه باستخدام الخط بطريقة تشكيلي وذلك منذ منتصف الستينيات، ونفذ لوحات مائية مجردة مستفيداً من فهمه الذاتي ورؤيته الخاصة بالحرف العربي وتشكيلاته. أخذ في الآونة الأخيرة يستخدم الكومبيوتر لتنفيذ تصميمات خطية معتمدة على أشكال الحرف التقليدية وأصدر مجموعته الأولى من المقتطفات الكمبيوترية للتصميمات العربية عام 1992 والتي ستظل تجارة رائجة بسبب طبيعتها الكلاسيكية. دمج صقال في إنتاجه الأخير الحروف العربية بالقطع المعمارية للمباني التي ترجع إلى العصور الوسطى خاصة تلك القطع التي وجدت في مدينته حلب التي نشأ فيها، حاز صقال جوائز عديدة على إنتاجه الفني وأعماله التصميمية كان آخرها حصوله على المركز الأول في الخط الكوفي بالمسابقة العالمية الثالثة لفن الخط التي عقدت باستانبول في تركيا، بالإضافة لذلك فإن صقال يعمل بالتصميمات الداخلية المعمارية وإعمال الجرافيك بالإستديو الذي يملكه مدينة 'بوذل' بأمريكا ويحاضر في الفن الإسلامي بجامعة واشنطن.
الخطاط محمد عبد القادر:
ولد الأستاذ محمد عبد القادر بالقاهرة عام 1917م، بدأ تعلم فن الخط العربي بمدرسة خليل آغا على يد الأستاذ / محمد رضوان الذي كان مشرفاً فنياً على مدرسة تحسين الخطوط حينذاك. حصل على المراكز الأولى في سنوات دراسته كما نال المركز الأول بدبلوم الخطوط عام 1935 ومنح جائزة الملك السابق فؤاد وعمره ثمانية عشر عاماً. عمل خطاطاً بمصلحة المساحة، كان أول الجمهورية بدبلوم التخصص عام 1937م ومنح جائزة الملك السابق فاروق وعمره عشرون عاماً.عمل أستاذاً منتدباً بمدرسة تحسين الخطوط العربية بالجيزة، كذلك بكلية الفنون التطبيقية.منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
توفي محمد عبد القادر بعد أن ترك أجيالاً من التلاميذ ما يزال عطاؤهم مستمراً بمدارس تحسين الخطوط العربية بمصر.
--------------------------------------------------------------------------------
يَقُول حكِيم يُونَانيّ:
كُنتُ أبكِي لأنّني أمشِي بِدون حِذاء
ولكِنّنِي تَوقّفت عَن البُكَاء!
عِندَمَا رأيتُ رَجُلاً بِلا قدَمين / [الرياح لا تحرك الجبال ولكنها تلعب بالرمال وتشكلها كما تشاء ]
|
|