هذه هي الحلقة (21) من كتاب استمتع بحياتك للدكتور محمد العريفي
لا تقتل نفسك بالهم,,
كان سعد أحد طلابي في الجامعة ..غاب أسبوعاً كاملاً.. ثم لقيته فسألته : سلامات...سعد..؟
قال " لا شيء..كنت مشغولاً قليلاً..
كان الحزن واضحاً عليه ..قلت : ما الخبر ؟
قال: كان ولدي مريضاً.. عنده تليف في الكبد ... و أصابه قبل أيام تسمم في الدم.. و تفاجأت أمس أن التسمم تسلل إلى الدماغ..
قلت : لا حولا ولا قوة إلا بالله.. اصبر.. و اسأل الله أن يشفيه.. و إن قضى الله عليه بشيء .. فأسأل الله أن يجعله شافعاً لك يوم القيامة...
قال: شافع؟ يا شيخ الولد ليس صغيراً...
قلت: كم عمره ؟
قال: سبع عشة سنة ..
قلت: أسأل الله أن يشفيه و يبارك لك في إخوانه ..
فخفض رأسه وقال : يا شيخ.. ليس له إخوان ..لم أرزق بغير هذا الولد .. وقد أصابه ما ترى..
كان حاله مؤثراً لكنني تجلدتُ وقلت له : سعد.. بكل اختصار لا تقتل نفسك بالهم.. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا..
ثم خففت عنه مصابه و ذهبت .. نعم لا تقتل نفسك بالهم.. فالهم لا يخفف المصيبة..
***********
أذكر أني قبل فترة ذهبت إلى المدينة النبوية ..التقيت بخالد .. قال لي: ما رأيك أن نزور الدكتور عبد الله ..
قلت: لماذا ما الخبر ؟
قال : نعزيه..
قلت : نعزيه؟!!
قال: نعم.. ذهب ولده الكبير بالعائلة كلها لحضور حفل عرس في مدينة مجاورة .. وبقي هو في المدينة لارتباطه بالجامعة.. وفي أثناء عودتهم وقع لهم حادث مروّع ..فماتوا جميعاً .. إحدى عشرة نفساً
كان الدكتور رجلاً صالحاً قد جاوز الخمسين.. لكنه على كل حال ..بشر...له مشاعر و أحاسيس ..في صدره قلب.. وله عينان تبكيان .. ونفس تفرح و تحزن..
تلقى الخبر المفزع .. صلى عليهم ... ثم وسدهم في التراب بيديه..
إحدى عشة نفساً..
صار يطوف حول بيت جيرانه .. يمر بألعاب متناثرة .. قد مضى عليها أيام لم تحرك.. لأن خلود وسارةالتين كانتا تلعبان بها...ماتتا...
يأوي إلى فراشه.. لم يرتب.. لإن أم صالح..ماتت ...يمر بدراجة ياسر ..لم تتحرك.. لإن الذي كان يقودها...ماااات..
يدخل غرفة ابنته الكبرى .. يرى حقائب عرسها مصفوفة .. وملابسها مفروشة على سريرها.. ماتت .. و هي ترتب ألوانها و تنسقها..
سبحان من صبّره و ثبت قلبه.. كان الضيوف يأتون .. معهم قهوتهم لأن لا أحد عنده يخدم أو يعين.. العجيب.. أنك اذا رأيت الرجل في العزاء حسبت أنه أحد المعزين.. و أن المصاب غيره..!
كان يردد إنا لله و إنا إليه راجعون..لله ما أخذ..ولله ما أعطى .. وكل شيء عنده بأجل مسمى..
وهذا هو قمة العقل.. فلو لم يفعل ذلك..لمات همّاً..
****
أعرف أحد الناس أراه دائماً سعيداً، و إذا تأملت حاله وجدت: وظيفة متواضعة.. بيت مستأجر ضيق.. إيجار..سيارة قديمة.. و أولاده كثيرون.. ومع ذلك دائم الابتسامة.. محبوباً ..يعيش حياته..
صحيح!.. لا تقتل نفسك بالهم.. ولا تكثر التشكي فيملك الناس ..
كرجل عنده ولد معوق .. فيشغلك كلما رآك.. ولدي مريض.. ضائق صدري..مسكين ولدي..
فتجد أنك تمل منه و تود لو تصرخ به قائلاً : يا أخي خلاص فهمنا..
******
أو امرأة مع زوجها دائماً تردد عليه : بيتنا قديم.. سيارتنا متهالكة.. ثيابي ليست على الموضة..