.... عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف صباحاً، ولا شيء يدل على الحياة في هذه الناحية المكتظة بالأشجار اليابسة من قريتنا، سوى أضواء مركبة ألمانية قانية اللون من طراز (مرسيدس) تشتت خيوط الظلام في الأفق، وتتجه مسرعة نحو مركز القرية:
خالد: إذن .. قررت أن تتزوج وتترك حياة العزاب يا صاحبي؟
سامي وهو يقود المركبة: نعم والحمد لله، لا بد أن يأتي يوم وتفكر أنت بالاستقرار أيضا ! .
خالد: لا أظن ذلك، فأنت تعلم أن الزواج ومستلزماته يتطلب(محفظة نقود ممتلئة في مجتمعنا المعاصر) !!
سامي: العزيمة والإصرار فوق كل شيء ..
خالد: العزيمة والإصرار !! ( لا تساوي شيئاً في مجتمع أصبح يتكئ على أحلام المادة)، يبدو لي إن الزواج هنا هو إعلان عن حالة إحباط مبكرة، يفاجأ بها معظم الشباب الكادحين من أجل اللقمة أمثالي ....
كان الحديث مستمراً بين الصديقين، عندما شاهدا على حافة الطريق أمامهما رجلاً تُميزه الملابس البيضاء عن حلكة المكان، حاملاً في إحدى يديه كيساً داكناً، ويشير للمركبة القادمة بيده الأخرى طالباً منها الوقوف، في الوقت الذي زاد فيه سامي من سرعة المركبة:
خالد: لماذا لم تقف ؟!
سامي: ألم تسمع عن الحوادث التي وقعت ..... /
يقاطعه خالد: انتبــــه !!
يضغط سامي على الفرامل بقوة، ليخترق صوت الإطارات المرتفع هدوء الظلام
... بعد ذلك يهرع الاثنان إلى الخارج في فزع وذهول، واللون الأحمر قد انتشر على معظم أجزاء المركبة الأمامية!
لحظة من السكون تنتاب الصديقين بعد صاعقة الارتطام .......
خالد: يا إلهي ... لا يتحرك ... إنه ميت ... لقد مات !!
سامي وهو يجمع ما تبقى حوله من هواء بنفس طويل: لم أره إلا في اللحظة الأخيرة صدقني!
خالد: ولكن،، كان بالإمكان أن تتفاداه، وتغير المسار إلى حافة الطريق!
سامي: هذا يعني أن تتسخ مركبتي بالغبار، مقابل بقاء هذا القط الضال على قيد الحياة !!
بعد ثلاثة أسابيع :
سبعة أيام فقط ويكون سامي بين قضبان الحياة الذهبية كما هو متفق عليه، غير أن حالة الإغماء التي تعرض لها الليلة الماضية، جعلت والده يلح عليه، طالباً منه الذهاب إلى الطبيب:
أبو سامي: لم يتبق على حفل الزفاف إلا القليل يا بني، لا بد من ذهابك إلى المستشفى ...
سامي: ولكنني بخير يا أبي، وكل ما حدث البارحة لم يكن سوى إرهاق بسيط .
أبو سامي: أعرف ذلك، ولكن لا بأس من الاطمئنان عليك.
سامي: صدقني يا ........ \
يسقط سامي مجدداً أمام أبيه، ويسارع الجميع في نقله للمستشفى .
عند الطبيب :
بدأ أبو سامي يتأمل في حيطان مستشفى المدينة الحديث، مترائياً أمام عينيه سرباً من الأطباء حاملين له غصن الطمأنينة، إلى أن ظهر الطبيب من القاعة التي أحسها أبو سامي تبعد عنه بمسافات لا منتهية:
أبو سامي وهو يقاتل من أجل ترتيب الكلام في رأسه: بشرني يا ( دكتور) ، كيف هو حال ابني؟
الطبيب: بعد إطلاعي على الفحوصات، تبين لي أن سامي لا يعاني من شيء !!، وبإمكانه المغادرة الآن .
كانت الأسئلة تنزاح في مخيلة أبو سامي منذ أن خرج من المستشفى، الصمت يخيم على سامي
ووالده وهما عائدان إلى البيت:
أبو سامي: ما رأيك يا سامي أن تذهب إلى الحاج مبارك؟
سامي: ومن هو هذا الشخص يا أبي ؟!
أبو سامي: الحاج مبارك يا بني هو أحد الصالحين الذين وهبهم الله المقدرة على معالجة الناس، واستخراج حالات اللبس بالجن.
سامي: ما هذا يا أبي، ما زالت هذه العادات والأفكار الجاهلة تراودك !!
أبو سامي: ولكن يا بني، هكذا كان آباؤنا يعالجون أنفسهم .
سامي : آسف يا أبي ، ولكن الذهاب لتلك الأماكن شيءٌ مستحيل بالنسبة لي .....
/
مرور سنة بعد حفل الزفاف :
شيءٌ ما يحدث في غرفة العمليات التي أدخلت إليها زوجة سامي عند منتصف الليل، بعد أن تراشقت حيطان المستشفى صراخ الممرضات إثر سقوط إحداهن مغشياً عليها، بدأت أحلام باب غرفة العمليات تراود سامي عندما شاهد الظل يقترب من النافذة شبه المعتمة، كانت حشرجة الطبيب القادم مثل الغصة التي تتسمر باستقامة في الحلق:
سامي وهو يجمع ما تبقى في داخله: خير يا (دكتور)، هل أصاب زوجتي أي مكروه؟؟
الطبيب وهو عاجزٌ عن تركيب الكلمات: انتظر ... انتـ ..
يقاطعه سامي بصرخة: مــاذا هناك تكلم ؟؟؟؟
الطبيب: المولود يحمل جسد إنسان، ورأس .... (قط) !!!!