الذبيـــح الصـــاعد..
قصيدة رائعة لشاعر الثورة الجزائرية " مفدي زكريا "
نظمت هذه القصيدة بسجن " بربروس " في القاعة رقم 09 في الهزيع الثاني من الليل ، أثناء تنفيذ حكم الإعدام على أول شهيد دشن المقصلة : المرحوم أحمد زبانا و ذلك ليلة 18 جويلية ( تموز ) 1955 إبان الثورة التحريرية بالجزائر
الذبيــــــــــــح الصــــــــاعد
قــام يـخــتال كالمســـيح وئـــــيــــــــــدا****يتهــــــادى نشــوانَ، يتــــــلو النشــــيدا
باســَم الثغـــر، كالملائــــك، أو كالطــــــــ****ـــــفل، يســتقبل الصــباح الـجـــــــــديدا
شـــامخاً أنفـــــــه، جــــــــلالاً وتيـــــــهاً****رافــعاً رأسَــــه، يناجــــــي الخــــــلودا
رافـلاً فــــي خلاخــــل، زغــردت تمــــ****ــــلأ مـــن لـحنــها الفضاء البعـــــيـــدا!
حــــــــالماً، كالكلـــيم، كلّـــمـــه الـمـجــــ****ــــــد، فـشـــد الحبـال يبغـي الصعـــودا
وتســامى، كالــروح، فـــي ليلــة الـقـــــد****ر، ســـلاماً، يشِــــعُّ فـــي الكـــون عيدا
وامتـــطى مــــذبــح البطــــولـــة معــــــ****ـــراجاً، ووافــى الســماءَ يرجــو المزيدا
وتعــالى، مــثـــــل الـمـــؤذن، يـــتــلو…****كلــمـات الــهدى، ويــدعـو الـــرقــــــــودا
صــرخة، تــــرجـف العـــوالــم مـــــنها****ونـــــــداءٌ مــضـى يـهــز الــوجـــــــودا:
((اشــنقــــوني، فلســـت أخشـــى حبالا****واصـــلبـــوني فلســـت أخشـــــى حديدا))
((وامــــتثل سافـــــــراً محيـاك جــــــلا****دي، ولا تــلـتـثــــــم، فـــلســـــتُ حقـودا))
((واقض يا مــوت فـــيّ مــا أنت قــاضٍ****أنا راضٍ إن عـــاش شــعــبي ســـــعيدا))
((أنــــا إن مـــــت، فــالجــزائر تــحــيا،****حــــــرة، مســــــتقـــــــلة، لــــــن تبـيدا))
قــــــــــولةٌ ردَّد الزمـــان صـــداهـــــــا****قـــــدُسِــــــياً، فأحــــســـــــنَ التـــرديـــدا
احفــظـــوها، زكــــيـةً كــالــمـــــــــثاني****وانقُــــلـــوها، للجـــــــيل، ذكـراً مجـــــيدا
وأقــــيمـــوا، مـــــن شرعـــها صـلواتٍ،****طــيـبـــاتٍ، ولــــقــنـــوهــا الولــــــيـــــدا
زعــــمـــــــوا قــــتـــــلَـه…وما صــلـبوه،****لــيـس فــــي الخـــالدين، عيسى الوحيدا!
لـــــفَّــه جـــبــرئيــلُ تـحــت جــنـاحـيــــ****ـــه إلى الـمـــنتـــــــهى، رضـــياً شـــهيدا
وســـــــرى في فـــــم الــزمان "زَبـَانا"…****مـــثـلاً، فـــــي فـــــم الـزمــــان شـرودا
يــا"زبـانـا"، أبـلـــغ رفــــاقَـــــــــك عــــنــا****في الســماوات، قـــد حــفِــظنا العهودا
واروِ عـــن ثــــورة الــجـــزائــر، للأفـــــ****ـــلاك، والكــــــائـنـات، ذكــــراً مـجــيدا
ثــــورةٌ، لـــم تــــك لــــبغي، وظـــلــــــم****فــــــــي بــــلاد، ثـارت تـفُـكُّ الــقــيـــودا
ثــــــــــورةٌ، تـمــــلأ العــــوالــمَ رعــبـاً****وجـــــهـــادٌ، يذرو الطـــــغـــــاةَ حصــيدا
كــــم أتـيـــــنا مــــن الخـــوارق فـــيــها****وبــهــــــــــرنا، بالمعـجــزات الوجـــــودا
وانـــدفعـنا مـــثلَ الكـــــواســــــر نـــرتا****دُ المـــنـــأيـــا، ونـــــلتـقـــــي البــــارودا
مـــــن جـــــبالٍ رهـيــــبة، شـــامخـات،****قــــــــد رفــعــنـا عــــن ذُراهــا البــنــودا
وشـــعــاب، مـــمــــنَّــــعات بــراهــــــــا****مُــــبــــدعُ الكــون، للـــوغــــى أُخــدودا
وجـــــيـــوشٍ، مضت، يـــــد الله تُـــــــزْ****جـــــيـها، وتَـــحـمــي لــواءَها المعــقودا
مــــن كـهــولٍ، يقـــودهــا الـمـوت للـنــــ****ــــــصر، فتـفتــكُّ نصـرها الموعــــــودا
وشـــــــــبابٍ، مثــــل النسورِ، تَـــــرامى****لا يبـــالي بروحــه، أن يـجـــــــــــــــودا
وشــــــيــــوخٍ، محــنَّـــكــــــــين، كــــرام****مُــلّـئـــت حكـــمــةً ورأيــاً ســـديـــــــدا
وصـــبـــأيـــــــــا مخــــدَّراتٍ تــــبـــارى****كـاللَّــبـوءات، تســتفــــز الجــــنـــــــودا
شـــــاركتْ فـــــي الجــــهــاد آدمَ حــــوا****هُ ومـــــدّت معـــاصــــما وزنـــــــــــودا
أعمــــلت فـــــي الجـراح، أنملــَها اللّـــــ****ـــــدنَ، وفـي الحـــرب غُصـنَها الأُملودا
فمضــــــى الشـعـــب، بالجماجــم يــبـني****أمـــةً حـــــرة، وعـــــزاً وطـــيــــــــــدا
مــــــن دمـاءٍ، زكـــية، صبَّـــها الأحــــــ****ــــرارُ فـي مصْــــرَفِ البقــاء رصـــيدا
ونظامٍ تخـطُّـــــه ((ثـورة التـــــحـــــــــــ****ـــــــرير)) كالـوحـي، مـســـتقيماً رشيدا
وإذا الشــــعـب داهــــــمــــتــــه الرزايا،****هـــبَّ مســـتصـــرخاً، وعـاف الركــودا
وإذا الشعـــب غــــــازلـــتـــه الأمـــاني،****هـام فـي نيْلــــــها، يـــدُكُّ الـــــســـــدودا
دولـــة الظـــلــــــــم للــــــزوال، إذا مــا****أصـبــح الحـــرّ للــطَّــــغـــامِ مَـــســــودا!
لـيــــــــس فـي الأرض ســــــادة وعـبيد****كــــيف نرضـــى بأن نعـــيش عـــــبيدا؟!
أمــــــن العــــدل، صـاحب الدار يشـقى****ودخــــــيل بهـــا، يعــــيــــــش ســــعيدا؟!
أمـن العــدل، صــاحـــبَ الدار يَــعرى،****وغــريبٌ يحـــتـــلُّ قــــصــــراً مشـــــيدا؟
ويــجوعُ ابنــها، فـــيعــــْدمُ قـــــوتـــــــاً****ويـــنالُ الدخــــــيل عـــــــــيشاً رغــيداً؟؟
ويبــيــح المســــتعــمــــرون حمـاهــــــا****ويظــــــــل ابنُــــــها، طــــــريـداً شريدا؟؟
يــــا ضَـلال المسـتضــعَفـــين، إذا هـــم****ألفــــــوا الذل، واسـتطــابوا القــعــــودا!!
ليـــس فـي الأرض، بقـعــة لـــذلـــــــيل****لعـــــنته الســـــــما، فعــــاش طــــــريدا…
يــــا سماء، اصــــعَــقي الـجبانَ، ويا أر****ض ابـــلـعي، القـانع، الخـــنوعَ، البلــــيدا
يــا فـــرنـسا، كفى خـــــداعــــا فـــــــإنّا****يا فـــرنــسـا، لقــــــــد مللــــنا الوعـــــودا
صــرخ الشعب مــنـذراً، فتـــصــــــــــا****مَـــمْتِ، وأبــديـــت جَـفـــــوة وصـــــدودا
سكـت الناطـقــــون، وانطــلق الرشـــــ****ــــــاش، يلـــقي إلـــيكِ قــــــولاً مـفـــــــيدا:
((نحــن ثـرنا، فـلات حـين رجــــــوعٍ****أو ننــــــالَ اســـــتقــــــلالَــــــنا المنشودا))
يا فـرنســا امطـري حــــديـــداً ونــارا****وامـلــئـــي الأرض والـســـمـــاء جـــــنودا
واضـرمـيها عـرْض البلاد شعاليـــــــ****ــــــلَ، فــــتغــدو لها الضـــعــاف وقـــــودا
واسـتـشيـطي عــلى العـروبة غــيـظاً****وامــلــئي الشــــرق والهــــلال وعــــــيــــدا
سـوف لا يعــــدَمُ الهلال صـلاحَ الـد****يــــن، فاستصـرِخــي الصلـيب الحقـــــــودا
واحشُري فـي غـــياهب السجن شعبا****ســــِيمَ خـســفاً، فــعــاد شــعــــباً عــنـيـــــدا
واجعـلي "بربروس" مـثوى الضحايا****إن فـــي بـــربــروس مـجـــــــداً تــلـــيدا!!
واربـِطي، فـــي خـــياشــم الفلك الدوَّ****ار حـــبلاً، وأوثـــــقـــــي مـــنـــه جـــــــيدا
عــــطـلى ســنة الإلـه كــما عطـــــــ****ــــــلتِ مــن قـــبلُ "هــوشمينَ"(1) المـريدا…
إن من يُـهــمل الــــدروس، وينــسى****ضــــــربـــاتِ الزمــــــــان، لـــــن يســتفيدا…
نسـيَـــت درسَـها فـرنـسا، فـلقــــنَّـــا****فــرنـــسا بالحـــــــرب، درســــــــــاً جــديداً!
وجـعـلـنــا لـجـنــدهــــا "دار لـقـمَــا****نَ"(2) قــــبـــــوراً، مــــــلءَ الثـــرى ولحودا!
يـا "زبـانـا" ويـا رفــاق "زبـانـــــــا"****عـشــــتــمُ كالــوجـــــــــود، دهـــــراً مــديــدا
كل من فــي البلاد أضـحـى "زبــانا"****وتــمــنــى بــأن يــمـــــوت "شــــهــــــيدا"!!
أنـتــم يـا رفـاقُ، قربــانُ شـــعــــب****كــنتــــــم البعـــــــــثَ فــــيه والتجــــــديدا!!
فاقـبلوها ابتــهـالـةً، صـنع الرشـــــ****ـــــــاشُ أوزانــــهـَا، فصـــارت قـصـــــيدا!!
واســتـريـحـوا، إلى جـوارِ كريــــمٍ****واطـــــمـــئـنــــوا، فـــإنــنــا لـــــن نـــحيدا!!
(1) اسم محرر الهند الصينية.
(2) دار لقمان: السجن الذي ألقي به "سان لويس" لما طمع في احتلال مصر
 |
التعديل الأخير تم بواسطة nouri ; 19-02-2008 الساعة 04:13 PM.
|