زاهر العبري: علينا الاغتراف من هذا الحدث العظيم وتجسيده إلى واقع ملموس
السلطنة تحتفل بالهجرة النبوية الشريفة

تغطية ـــ سيف بن ناصر الخروصي
احتفلت السلطنة أمس بذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم وذلك بقاعة المحاضرات بجامع السلطان قابوس الأكبر ورعى الحفل سعادة الشيخ زاهر بن عبدالله العبري وكيل وزارة العدل حيث ألقى سعادته كلمة بهذه المناسبة أكد فيها: ان المناهج الربانية هي التي تأتي لتنظم الانسان داخل كيانه انتظاما في صيرورته وحياته لتلائم حركته ويسودها في هذا الوجود من قوانين ضابطة موضحا سعادته ان تلكم المناهج كي تستقر في الواقع المعيش لا بد ان تتخذ سبيل الفعلية في واقع الحياة أسلوبا من شأنه ان يستوعب حركة الناس أفرادا وجماعات، ملتزمين بضوابطها.
وقال هكذا نجد المناهج الربانية التي شاء الله ان تتواءم مع الفطرة تواؤمها مع هذا الوجود هي التي تسيّد الانسان هذا الكون ليكون مباءته الواسعة ليؤدي في جنباته رسالة الخلافة التي شدها الله تعالى على كاهل هذا المخلوق.
وبين أن وراء تلكم المناهج الربانية لكي تترسخ في الارض تضحيات يعجز عنها الوصف وإن من شأن القائم عليها هو من صفوة خلق الله وهم الانبياء والمرسلون، وأشار الى ان الله تعالى أراد ان تكون سيرة المصطفى سببا لفلاح الإنسانية، مؤكدا أنها مغترف كل لبيب حسب حصافته ووسعه بإدراك المعنى الرباني الذي انطوت عليه تلكم السيرة باعتبارها نشرا واقعيا معيشا للخطاب الإلهي الذي جاء تكليفا للعباد حتى يكون الانسان على بصيرة بحيث لا يتصور الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم انه نظريات تدور في الذهن البشري.
وقال إن الجهاد يقوم على وعي ويستمد الثقة من الله سبحانه وتعالى غير معول على شيء إلا أن يعمل أعمالا تبلغ غاية الإتقان لسنة الله سبحانه وتعالى. موضحا ان الاسباب موجودة ومسخرة لبني البشر في هذه الحياة، وأكد ان الهجرة يجد العاقل فيها آيات الله واضحة تسترعي انتباه كل عاقل وأنها كلها أسرار شاء القدر الرباني أن يدبرها بتوفيق منه وان تبلغ هذه الدعوة التي نادى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم المبلغ الذي أراده الله.
وبين أن الهجرة يتعلم منها العاقل كيفية استحالة الضعف البالغ غايته مشيرا إلى اننا في كل جزئية من جزئياتها نجد ان الضعف يستحيل قوة لدى الرسول صلى الله عليه وسلم والقائمين على الحق، بينما القوة التي بلغت أوجها تستحيل ضعفا.
ثم تطرق إلى سير الرحلة والتضحيات التي قدمت فيها وإلى البيئة التي كانت سائدة في المدينة المنورة، ثم بين النتائج التي اثمرتها هذه الهجرة المباركة.
وأخيرا دعا الى الاغتراف من هذا الحدث العظيم وتجسيده الى واقع حي ملموس في توجهات الانسان في هذه الحياة.ثم ألقى الدكتور سالم بن هلال الخروصي مدير عام الوعظ والإرشاد كلمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قال فيها: لقد كانت هجرته صلى الله عليه وسلم وهجرتهم ـــ رضوان الله عليهم ـــ ملحمة خالدة في تاريخنا، ومعلما بارزاً من معالم ديننا، ومرحلة فاصلة في حضارتنا، من حيث توقيتها وشخوصها، وأحداثها وأثرها الناتج عنها، بين البداية التاريخية والأبعاد الاجتماعية والآثار السياسية والمسحة الاقتصادية ولم تكن هجرته صلى الله عليه وسلم فرارا من الأذى بقدر ما كانت وحياً من السماء، لتأسيس أول مجتمع مدني معاصر، تحكمه ضوابط النقل والعقل وتنظمه الهداية النبوية، ولم تكن الهجرة أيضا حدثا من الأحداث بقدر ما هي معجزة من المعجزات في كل مراحلها وتجلياتها وإشراقاتها على مجتمعنا المسلم عبر العصور. وقال: إن أول عمل قام به النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حين وطئت قدماه الشريفتان المدينة المنورة بناء المسجد، الحاضرة الروحية لمجتمعنا المدني، فيه يعرج المؤمن إلى ربه والصلاة فيه تجمع القلوب وتوحد الصفوف وترأب الصدع وتقوي العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، وتلك هي رسالة المسجد منذ ان أسسه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ سنة باقية.
وبين الخروصي ان اتخاذ المساجد منطلقا لبذر الفتن والدعوات المغرضة التي تمزق الأمة وتُصَدِّعُ جدارها المتين وتفرق كلمتها يحيد بها عن رسالتها وخراب لها، فمن فعل ذلك فله خزي في الحياة الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم. مؤكدا أن كل هجرة في الإسلام معنويها وماديها تقاس بنيّاتها (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ويوم يجتمع في كيان المؤمن نية صادقة ومجاهدة خالصة وإقبال على الله تعالى يكون حينها قد هاجر فأحسن الهجرة وهذا ما فهمه الصحابة -رضوان الله عليهم - ومن تبعهم فساروا سيرته ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فتوحدت كلمتهم واجتمع شملهم فأمن مجتمعهم.
وأوضح مدير عام الوعظ والإرشاد أن الهجرة مع كثرة دروسها ومعاودة استرجاعها في كل عام تبقى متجددة تحاكي أحداثاً في واقعنا وزماننا بقدر ما نتأمل فيها ونرجو الاستفادة منها.
وقال: حين نبحث عن عزم في إرادة نجد النبي صلى الله عليه وسلم ماثلا للعِيان في كل مرحلة من مراحل سيرته، وحين نبحث عن بذل في إنفاق دونما خوف من فقر أو عيلة نجد أبا بكر الصديق ـــ رضي الله عنه ـــ حين أبقى الله ورسوله لأهله واخذ كل ما يملك لرفيق هجرته ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ ونجد أيضا صهيباً الرومي حين ترك ماله لقريش وجاء المدينة فقال النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ: (ربح البيعُ أبا يحيى، ربح البيعُ أبا يحيى). وحين نبحث عن شجاعة في إقدام نجد علياً ـــ كرم الله وجهه ـــ وأسماء ذات النطاقين وعامر بن فهيرة وعبدالله ابن أبي أريقط. وحين نبحث عن الإخلاص في تفانٍ بين الشعب وقائده نجد ملحمة استقبال الأنصار والمهاجرين للنبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ حين أطلت طلعته البهية على مشارف المدينة فتهلّلت الوجوه بالبشر والسعادة، وخرجت من الأفواه أنشودة نُردّدها أبد الدهر.
وحين نبحث عن أخوة في إيثار تتجه الأعين إلى الصحابة ـــ رضوان الله عليهم ـــ من الأنصار، وحين نبحث عن عفة في جد وعمل نرنو إلى المهاجرين السابقين الأولين، وهذه وغيرها مما لا نحصيه. وكل مفردة من هذه المفردات قبس نستنير به لواقعنا وضرورات مجتمعنا فلينظر كل منا أين يجد مغترفه. واختتم الخروصي كلمته برفع الشكر والتقدير والامتنان والعرفان الذي تزجيه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى باني النهضة العمانية المباركة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم سائلين العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة على جلالته بالصحة والسعادة والعمر المديد وأن يديم نعمه عليه ظاهرة وباطنة كما نهدي الشعب العماني الأبي أطيب التهاني والتبريكات متمنين للجميع السعادة والهناء والأمن والأمان والعالم العربي والإسلامي والعالم أجمع إنه سميع قريب مجيب الدعاء. وشهد الحفل تقديم عرض مرئي لقصيدة للشاعر الشيخ عبدالله بن علي الخليلي (من ديوان وحي العبقرية) تحكي محبة الرسول ومعاناته ومعاناة اصحابه وما خلده لهذه الامة من هدي ورشاد وما أرسته هذه الهجرة من قوة ومنعةٍ يقول فيها الشاعر:

يا خير من وطئ الثرى وأعـز مـن
يا ومضة من حضرة القدس التي
يا سيد الدنيا وضُرتها ويا
لما برزتَ إلى الوجود حقيقةَ
جبريل ينزل بالشرائع مرسلا
والدين يبدو حبة منبوذة
حتى إذا بسقت وآتت أكلها
والوحي يهبط بالقضا متطورا
عرفوا الحقيقة من لسان أمينهم
ماذا لقيت لدى ثقيف عندما
أغروا بك السفها ولو شهدوا الذي
حتى انقلبت إلى عرين عصابة
خير البرية بعد قوم هاجروا
كانت مدينتهم لأحمد معقلاً
قرت بها عين الرسول وآله
إني أدين بحب أحمد شيمة
وأنا الذي اتخذ الكتاب دليله
والكل من هدي الرسول ومالنا
وردي على نهر النبي كوردهم
يا رب خلقني بخلق محمد
يا رب ألبسني ثياب محمد
واجعل لساني بالثناء مسبحاً
فيه الصلاة على النبي وآله

تحت السماء ومن حوته الأربُع
وقــف الملائك حولها تتضـرع
علم النبيين الذي هو أرفــــع
برزت براهينُ الحقيقة تقطع
والله يبعثه بهن وتصدع
أسقيتها فنمت وطاب المزرع
وسع الوجود ولم يزل يتوسع
ومحمد للعالمين يوزع
فتكبروا عنها وعز المقنع
يممتهم ومن القرى ما يشنع
تحت الغطا لتقدموا وتطوعوا
أنصار دين الله لما أن دعوا
لله عن أوطانهم واستجمعوا
للدين للحق الذي لا يدفع
ومشى الهدى فيها يصان ويمنع
مني ولست بحبه أتصنع
والسنة الغرا وما قد أجمعوا
غير الرسول وهديه من نتبع
طراً ولكني إليه أشرع
وهو الكمال وحبذا المتطلع
فثيابه من كل نور أنصع
لله يملؤه اليقين ويترع
مسك بروض ختامه يتضوع