الســــلامُـ عليكُمـ ورحمةُ اللهِ وبركــاتُــه
.. قصــــــــــة مــات اللعيل ..
من القصص التي تستحق القراءة ...
للقاص والروائي المصري عبد السـتار خليف
نظـرت الأم الحـزينة إلى الطبق الموضـوع أمامها .. لا يوجـد بـه سـوى مـاء مالح , وقطـع صـغيرة من نبـات اللفت المملح المهـترئ . بجـانب الطبق كسـرة مـن الخـبز اليابس الرقيق, وبجـوارهما آنيـة الشـرب الفخـارية .
عافت نفسـها الطعـام والشـراب , منذ أيـام لـم تتـذوق الزاد وأرجعت قطعـة الخـبز الجـافة التي كانت تحملها فـي يـدها الهزيلة وتقربها من فمها, أعـادتها بجـوار الآنيـة , لم تسـتطع تذوقها , وأغرورقـت عيناهـا الكليلتان بالدمـوع ..
رفعـت الأم المسـكينة طـرف غطـاء رأسـها لتجفف قطـرات مـن الدمـع انحـدرت على وجهها الذابل الحـزين , أحسـت فـي طـرف غطـاء الرأس بعقـدة كـبيرة بشـكل ملحـوظ جـاءت مصـادفة تحـت يـديهـا , تحسسـتها جافة,صلبة, كبيرة ,متينـة, في داخلها شـيء صخـري صلب .. ضمتهـا بـين راحتيهـا بحنـان وقربتها مـن وجههـا, اسـتقرت العقـدة عنـد فتحـتي الأنف, أخـذت تشـم فيهـا رائحـة الغالـي الذي رحـل عنهـا وتركهـا وحيـدة ..
قال لها الطبيب بعـد الانتهـاء من فحـص الابن المريض :
ـ لابـد من إجـراء عملية جـراحية , لاسـتخراج الحصـاة من الداخـل ..
قـالت فـي ذهـول :
ـ حصـوة فـي جـوف ولـدي!! أهي كـبيرة يا دكتور ؟!
اسـتدرك الطبيب مصحـحا :
ـ حصـاة متوسـطة الحـجم بالكليـة اليمن, وهي سـبب كل متاعبـه
وآلامـه الحـادة .
بعـد إجـراء العملية الجـراحية بالمسـتشفى , جـاءوا لها بحصـاة ليسـت بالكـبيرة ولا بالصـغيرة ولكنهـا قـوية وصـلبة وخشـنة وبهـا نتـوءات كـثيرة وحـواف مدببـة حـادة . وقالـت الممرضـة وهـي تقـدمها لها على قطعـة من القطـن والشـاش الأبيض:
ـ لقـد اسـتخرجناهـا مـن الداخـل , خـذيهـا ..
مـدت يـدها المرتجفـة وأمسـكت الحصـاة الغريبة الشـكل والتكوين أطبقت عليها بين يديهـا, أخـذت تضمها وتعصـرهـا بـين قبضـة يـدها اليمنى حينا ,ويـدها اليسـرى حينا آخـر, ثـم تتفحصـها وتمـرر أصـابع يـدها على حوافها ببـطء , تضعها قـرب خـدهـا, لتشـعر بملمسـها الخشـن , تشـمها ,رائحـة غريبـة نفـاذة , لكنها محببة إليها والى قلبها , أخـرجـوها من داخـل بطـن العزيز الغالـي , هي لا تكاد تصـدق أن هـذه الحصـاة القـوية أتوا بهـا مـن داخـل جـوف وحيـدها وفلـذة كبـدها !!
بعـد مـدة أمسـكت بهـا ولفتهـا فـي طـرف غطـاء رأسـها عـدة لفات حتى اختفت بـين طيـات الشـاش الأسـمر , ثم جـمعت الطـرف المـبروم وعقـدته مـع بقيـة الشـاش, حتى لا تفقدها أو تسـقط وتضيع منها. ومـا أن انتهت وهـدأت وتنفسـت الصعـداء حتى جـاءها خـبره الأخـير , لقـد فارق الحيـاة , صـرخـت فـي جنـون : ولـدي ..
زهـدت في كـل شـيء , اسـتمرت على هـذه الحـال أيامـا لا ترغب فـي الطعـام أو الشـراب , لـم تتـذوق طعـم الـزاد منـذ أن فارقهـا العـزيز الغـالي ورحـل ..
وأضحـت وحيـدة , حـزينة, يائسـة .
ضغطت بشـدة على العقـدة التي في طـرف شـالها ـ غطـاء رأسـها ـ وأخـذت تقـربها من وجههـا وأنفها , حتى هـدأت أنفاسـها ..بـدأت تفك العقـدة واسـتخرجت الحصـاة , تفحصتها بعينين دامعتين وتأملتها , بهـدوء وضعتها في الطبـق الـذي أمـامها , مـع مـاء اللفت المملح والعـروق الصفـراء والقطـع الصغـيرة البيضـاء ,وأخـذت تحـركها فـي قـاع الطبـق ببـطء وهـدوء ..
بـدأت الحصـاة تـذوب رويـدا ,رويـدا حتى تلاشـت نهائيا , هـزت رأسـها وأخـذت تنـدب حـظها وولـدهـا فـي صـوت آس :
ـ " مـات العليـل يا طبيب , ومـاء اللفت فيـه الـدواء !! "
وبـدأت تأكـل
منقووووووووووووووووووووووووووووول
مــــــــــــــــــــ(العليل)ـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــات
العرض المتطور
