فتاوي الحج للشيخ القنوبي
س1: ماذا يَنبغي على الذي يُريد أن يَحُج إلى بيت الله الحرام ؟ ماذا عليه أن يَصنع كاستعداد لهذه الفريضة ؟
ج: إنّ الحج فريضة مِن فرائض الإسلام بل هو رُكن مِن أركانه، والأدلّة على وجوبه متعدِّدة مِن كتاب الله-تبارك وتعالى-ومِن سنّة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وقد أجمعت على ذلك الأمّة الإسلامية بل هو مِن الأمور المعلومة مِن الدِّين بالضرورة لعامّة المسلمين، ولذلك لا أرى حاجة للإطالة بذِكر تلك الأدلة.
والحج يَجب على الفور على القول الصحيح الراجح، وهو الذي ذهب إليه ابن بركة والشيخ إسماعيل، وهو الذي يُفهَم مِن كلام الإمام نور الدين السالمي-رضي الله تبارك وتعالى عنه-في " جوهر النظام "، وهو الذي تُؤيِّده الأدلّة، على أنّ الإنسان لا يَدري متى يَأتيه الموت فما مِن لحظة مِن لحظات حياته إلاّ ويمكن أن يَموت فيها وإذا كان الأمر كذلك وكان الحج واجِبا-كما أشرنا إلى ذلك مِن قبلُ-على المستطيع عليه فإنه ليس لأحد وجد الاستطاعة أن يَتأخّر عن الحج بل يَجب عليه أن يُبادِر إلى ذلك فورا، فمَن وجَد الاستطاعة عليه أن يَستعِدّ لذلك وأن يَقوم بتأدية هذه الفريضة العظيمة التي أوجبها الله-تبارك وتعالى-على المستطيع مِن عبادِه، والتي جاءت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-التي تدلّ على عظيم فضْلها.
فمَن أراد أن يَقوم بأداء هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة وأن يُؤدِّيَ هذه الفريضة التي افترضها الله-تبارك وتعالى-عليه فعليه أوَّلاً أن يتخلّص مِن الديون التي عليه إذا كانت حاضِرة، وإن لم تَكن حاضِرة فعليه أن يَقوم بتوثيق تلك الديون التي عليه، وذلك بأن يَكتب ذلك عند كاتب ثِقَةٍ صالِح يُؤخذ بكتابته وأن يُشهِد شاهديْن عَدْلَيْن على ذلك ثم بعد ذلك يَقوم بوضْع ذلك الصكّ الشرعي إما عند صاحب الحقّ-وهو الأَوْلى-أو أن يَضع ذلك مع ثقة أمين ثم يُخبِر صاحب الحقّ بأنه قد وضَع الصكّ الذي وثّق به ماله مع فلان بن فلان وأن يَصِفَه بصفة لا تَخفى على صاحب ذلك الحق .. هذا بالنسبة إلى حقوق العباد التي عليه .. نعم إذا كانت تلك الحقوق حاضِرة وسَمَحَ له مَن له ذلك المال بأن يُسافِر وبعد ذلك يَقوم بتأدية ذلك الحقِّ إليه وكان هو يَملِك ذلك المال الذي يُساوِي ما عليه مِن الحقوق فإنه لا مانع مِن ذلك لكن لا يَنبغي له أن يَقوم بمطالبة الناس أن يَسمحوا له بذلك.
فإذن إذا كانت عليه حقوق فلابد مِن أن يَكون يَملِك مِن المال ما يُساوي تلك الحقوق التي عليه ولابد مِن أن يُوثِّق ما عليه مِن مال.
ثم عليه-أيضا-أن يَكتُب وصِيَّتَه، بل الوصية وتوثيق الحقوق مِن الأمور التي لابد منها سواءً أراد الإنسان الحج أو لم يُرِد وسواءً كان ذلك في وقت الحج أو لا، وذلك لِما ذكرناه مِن أنّ الإنسان لا يَملك متى يأتيه الموت فلا يَدري متى يأتيه ومتى يَعرِض له وقد تَضيع حقوق الناس بموته وعدم عِلم ورثتِه أو بتساهلِهم أو تساهلِ بعضِهم بتأدية ما عليه مِن الحقوق، والحديث قد نصّ-وهو صحيح ثابت-على أنّ الإنسان لابد مِن أن يَقوم بكتابة وصيتِه وأنه لا يَجوز له أن يَبيت ثلاث ليال إلا ووصيتُه مكتوبة، أو ما هذا معناه، وهو حديث صحيح ثابت، وذكرناه بمعناه لا بلفظه.
و-كذلك-عليه أن يُهيِّئَ مِن المال ما يَكفيه لِسدّ حاجتِه مِن الوقت الذي يَخرُج فيه مِن بلادِه إلى أن يَرجِع إلى بلدِه ويَأخذُ مقدارا مِن المال يَكفيه لسدِّ بعض الأمور التي قد تَعرِض له مِن مرض أو مِن وجوب فِديةٍ أو جزاءٍ، لأنّ الإنسان قد يَقع في بعض الأمور التي يَجب عليه بسببها الفِدية أو يَجب عليه بسببها الجزاء، وهي أمور سيأتي توضيحها في مناسبة أخرى بمشيئة الله تبارك وتعالى.
و-كذلك-عليه أن يَقوم بتعلّم أمورِ الحج، لأنّ كثيرا مِن الناس-وللأسف الشديد-يَذهبون لتأدية هذه الفريضة وهم لا يَعرِفون عن كيفية أدائها شيئا .. منهم مَن يَعتمِد على أنه سيُرافِق فلانا أو فلانا أو أنه سيَبحث عن مُطَوِّفٍ أو ما شابه ذلك، وهذا أمر لا يَنبغي، ولستُ أريد بالتعلّم أن يَتعلّم الإنسان الدقائِق الفقهية التي ذكرها العلماء في كتبهم، فإنّ هذا الأمر مِمّا لا يَقوى عليه إلا قلّة قليلة مِن الناس، وإنما أريد أن يَتعلّم الإنسان أهمّ المناسك، وهي أمور سهلة بمشيئة الله تبارك وتعالى، فلابد مِن أن يَعرِف مِن أين يُحرِم، وما هو الذي يَجوز له في الإحرام وما هو الذي لا يَجوز له في الإحرام، و-كذلك-لابد مِن أن يَعرِف كيف يَقوم بتأدية الحج .. مِن إحرام وطواف وسعي وإحلال بِالنسبة إلى العمرة، وكَذلك بالنسبة إلى الحج .. يُضاف إلى ذلك الوُقوف بِعَرَفَة والمبيت بالمزْدَلفَة مَعَ الدُّعاء في ذلك المَوْضع الشريف، والـمَبِيت بِمنى مع الرمي، والذَّبح بِالنسبة للمتمتِّع والقَارِن .. أي ذبح الهدي والحلق، إلى غير ذلك مِن الأمور، وهِيَ أُمُور يَسِيرة سَهلة، وقد كَتب فِيها كثير مِن أهل العلم بعضَ المؤلَّفات، ومِن المؤلَّفات المفِيدة المختصَرة التي كَتَبها العلماء-جَزاهم الله تبارك وتعالى خيرا-للمُبْتَدئين الكِتاب المعْروف الـمُنتشِر المشهور بِكتاب " تَلقِين الصبيان "، فإنّ الشيخ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-ذَكَرَ أمورا مهِمّة بالنسبة إلى الحج في هذا الكِتاب، ولا يَنبغي للإنسان أن يَشتغِل بِتِلك الأذكار التي ذَكَرَها كَثير مِن أهل العلم وبعضها موجود في " تلقين الصبيان " .. نعم إذا كان يَحْفظها فهي حسنَة جِدا، أما أن يَشتغِل بِفَتْح كتاب أو بِمتابَعَة فلان أو فلان ولا يَخشَعُ في دُعَائه-وما شابه ذلك-فهذا مِمّا لا يَنبغي، بَل يَنبغي أن يَأتِي بِالأدْعية التي يَحفظها ويَكون عند الإتيان بِهَا خَاشِعًا لله تبارك وتعالى، أَمَّا ما عدا ذلك فلا يَنبغي له أن يَتكلَّف ذلك .. كثير مِن الناس يَهْتَمّون ببعض الجزئيات البَسيطة ولكنهم لا يَدرون شيئا عن الأمور المهمّة التي تترتّب على ذلك، فإذن تَعَلُّّم المسَائل المتعلِّقة بِالحج مِن قَبْلِ الذهاب إلى الحج مِن الأمور المهمّة التي لا يَنبغي التَّفْرِيط فيها .. وكثير مِن الناس-كما قلتُ-يَجْهَلون حتى الأمور البَسيطة كالتلبية، فكثير مِن الناس-وخَاصَّة مِن الكبار ومِن النساء-لا يَعرِفون التَلْبية، وإنما يَذهبون إلى الحج فإذا رَكِبوا في السيارة-مثلا-قَام واحد مِن الناس بِقِراءة تلك التَّلبية وهم يُتَابِعونه عليها ونظرا لعاميتهم قد تَفوتُهم بعضُ الكلمات مِن التلبية ولا يَأتون بِها على وجهها الصحيح المشْرُوع الثابت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك هنالك أُمُور .. بِأن يُودِّع الإنسانُ أقارِبه، وبأن يُؤدِّي ما عليه مِن كفارات ونُذُور أو ما شابه ذَلك أو يَقوم بِتَوْثيق ذلك، فَهذا مِن الأمور التي تَدخل في ضِمْن الوصية فالأوْلى للإنسان أن يُكَفِّر مَا عَليه من أيْمان سواء كانت عَن تَرك صيام أو كان بِسبب حِنْثِهِ في بَعض الأيْمَان مثلا، و-كذلك-إذا كان قد أفْطر شيْئا مِن شهر رمضان أو وَجَبَ عليه صومٌ بسبب نذْر أو بِغير ذلك مِن الأمور فلابد مِن أن يَقوم بِتَأدِية ذلك، مخافة أن يُصيبه حادثٌ-لا قدّر الله تبارك وتعالى-عند تَأْدِيَتِه للحج، ولا يَنبَغي للناس أن يَخافوا مِن تَأْدية المناسك بِذِكْرِنا لِهذا الكلام أو بِذِكْرِ بَعض الناس لِذلك، فالحج سَهْل بِمشيئة الله، لأنني أعرِف بعضَ الناس يَخافون مِن تأدية الحج لِمَا يَسمعونه مِن زِحام-أو ما شابه ذلك-عند تأدية المناسك وخاصة عند الرمي، فهذه أمور سَهْلَةٌ يَسِيرَةٌ في حقيقة الواقع، وإنَّما الناس يَجْهَلُون ذَلك .. يَظنّون بأنه لابد مِن تأدية النُّسُكِ الفُلاني في الوقت الفلاني فيُزاحِمون الناسَ ويُصيبُهُم بَعضُ التَّعَب أو تُصِيبُهم مَشَقَّة أو ما شابه ذلك .. لا .. مثلا الرَّمي-بِحمد الله تبارك وتعالى-في اليوم العاشر يَبدأ مِن طُلُوع الشمس على قَوْل كثرة كَاثِرَةٍ مِن أهل العلم بَلْ لم يَقل أحد بِأنه يَبدأ بَعد طُلُوع الشمس وإنَّما الخِلاف هَل يَجوز قبْل طُلوع الشمس أو لا ؟ أمَّا إذا طلعت الشمس فَهُو مَشروع باتّفاق الأمّة الإسلامية قاطبة، ويَمتدّ الوقت-عند طائفة مِن أهل العلم-إلى منتصَف النهار .. كثير مِن الناس لابد عندما يَأتون إلى موضِع الرمي لابد مِن أن يَقوموا بتأدِية ذلك النُّسُك في ذلك الوقت ولا معنى لذلك، فإذا وَجَدَ الإنسان مَشَقَّة بإمكانه أن يَتَرَيَّثَ ساعة أو ساعتين أو أكثر، بل ذهب بعض العلماء إلى أنّ الوَقْت يَمتدّ إلى غروب الشمس، وبعضهم إلى طلوع الفجر، ونحن وإن كنَّا نقول: إنّ الأوْلى ألاَّ يُؤخِّرَ الإنسان لِغير المشقّة إلى ما بعد منتصَف النهار وإن كانت هنالك مَشَقّة ولو بَسِيطة مُمكِن أن يَتأخّر إلى غروب الشمس، أمَّا ما عدا ذلك .. أي عند عدم وجود المشقّة الشديدة فلا يَنبغي له أن يتأخّر عن ذلك، وهكذا بالنسبة إلى الرمي في اليوم الثاني .. أي في اليوم الحادي عشر وكذا في اليوم الثاني عشر وفي اليوم الثالث عشر لِمن أراد أن يَتَأَجَّل .. أي أراد أن يَمْكُث ذلك اليوم فهو يَبدأ بِمنتصَف النهار ويَمتَدّ إلى غروب الشمس بل لليوم الحادي عشر والثاني عشر .. لِمن لم يَستطِع يَمتدّ إلى مَا هو أبعد مِن ذلك، وشَرْحُ ذلك في موضعه بمشيئة الله، وإنَّما نُريد أن نُبَيِّن للناس بأنّ الأمر يَسير، وبأنه لا يَنبغي لهم أن يَتزاحَموا في وقت-مثلا عند منتصف النهار-ويَتركون الوقتَ الممتدّ الطويل ويُتعِبون أنفسهم و-كذلك-يُتعبون غَيْرَهم، فهذا مِن الأمور التي لا تَنبَغِي.
فهذا مِِن الأمور التي يَنبغي للإنسان أن يَعرِفها عندما يَذهب إلى تأدية الحج، ومِن أهَمِّها-كما قلتُ-أن يَعرِف مناسك الحج، وأن يُوثِّق ما عليه مِن ديون، وأن يَقوم بالتَّوْبَة والإنابة إلى الله، وذلك بِأن يَفِدَ إلى ربه-تبارك وتعالى-وقد تَخلّص مِن كل ما عليه مِن حقوق الله-تبارك وتعالى-وحقوق عبادِه وتاب وأناب إليه وإذا كانت بينه خصومات وبين غيره مِن عبادِ الله-تبارك وتعالى-لابد مِن أن يُصَالِحَهُم بَل لَيْسَ للمسلم أن يَهجُر أخاه فوق ثلاثٍ يَلتقيان يُعرِض هذا ويُعرِض هذا عن صاحبه، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وهنالك أمور أخرى تَتعلّق بِهذا الموضوع .. أيْ بِكيفية الحج مِن الوقْت الذي يَخرج مِن بيته .. فيه مَاذَا يَصنع إلى أن يَرجع إلى بَيْته مِن أذكار إلى غير ذَلك، سنُؤجِّل الكلام عليها إلى مناسبة أخرى، وعسى أن يكون ذلك في الأيام القريبة إن شاء الله تعالى.
للأمــانة ولأخذ المعرفة ... منقــول
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|