منتديات حصن عمان - من الموسوعة الإسلامية - الصيام
منتديات حصن عمان

منتديات حصن عمان (http://www.hesnoman.com/vb/index.php)
-   أرشيف برج رمضان الفضيل (http://www.hesnoman.com/vb/forumdisplay.php?f=125)
-   -   من الموسوعة الإسلامية - الصيام (http://www.hesnoman.com/vb/showthread.php?t=13042)

جريح الصمت 17-09-2007 11:26 PM

من الموسوعة الإسلامية - الصيام
 
الصَوْم


‏1- التعريف:‏
الصوم في اللغة: الإمساك مطلقاً عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير. ‏
قال تعالى -حكاية عن مريم عليها السلام-: ‏
‏{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26].‏
والصوم: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.‏
وفي الاصطلاح: هو الإمساك عن المفطر على وجه مخصوص.‏
‏2- الحكم التكليفي:‏
أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض. والدليل على الفرضية الكتاب والسنة ‏والإجماع.‏
أما الكتاب، فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ ‏قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وقوله كتب عليكم: أي فرض.‏
وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 115].‏
وأما السنة، فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، ‏وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" متفق عليه.‏
كما انعقد الإجماع على فرضية صوم شهر رمضان، ولا يجحدها إلا كافر.‏
‏3- فضل الصوم:‏
وردت في فضل الصوم أحاديث كثيرة، منها ما يلي:‏
أ- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ‏صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ‏ما تقدم من ذنبه". رواه البخاري.‏
ب- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر ‏أصحابه بقدوم رمضان، يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب عليكم صيامه، تفتح ‏فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر" رواه ‏النسائي وأحمد.‏
جـ- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة ‏باباً، يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين ‏الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" رواه ‏البخاري.‏
د- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنفُ ‏رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له" رواه الترمذي.‏
‏4- حكمة الصوم:‏
تتجلى حكمة الصوم في عدة أمور:‏
أ- أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، ‏وإنها من أجلِّ النعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النعم مجهولة، فإذا ‏فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار ‏الرب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصيام: ‏
‏{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].‏
ب- أن الصوم وسيلة إلى التقوى، لأنه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في ‏مرضاة الله تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً ‏لاتقاء محارم الله تعالى، وإنه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم {لَعَلَّكُمْ ‏تَتَّقُون} [البقرة: 183].‏
ج- أن في الصوم قهر الطبع وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا ‏جاعت امتنعت عما تهوى، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع ‏منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له ‏رجاء" رواه البخاري، فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي.‏
د- أن الصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في ‏بعض الأوقات، ذكر مَنْ هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه، والرحمة به، ‏بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء.‏
هـ- في الصوم قهر للشيطان، فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء : الشهوات، وإنما اتقاء ‏الشهوات بالأكل والشرب، وذلك جاء في حديث صفية رضي الله عنها قوله -عليه الصلاة ‏والسلام-: "إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع" متفق عليه.‏
‏5- أنواع الصوم:‏
ينقسم الصوم إلى صوم عين، وصوم دين.‏
‏1- صوم العين: ماله وقت معين:‏
أ- إما بتعيين الله تعالى، كصوم رمضان، وصوم التطوع خارج رمضان، لأن خارج ‏رمضان متعين للنفل شرعاً.‏
ب- وإما بتعيين العبد، كالصوم المنذور به في وقت بعينه.‏
‏2- صوم الدين: ما ليس له وقت معين، كصوم قضاء رمضان، وصوم كفارة القتل ‏والظهار واليمين والإفطار في رمضان، وصوم متعة الحج، وصوم فدية الحلق، وصوم جزاء ‏الصيد، وصوم النذر المطلق عن الوقت، وصوم اليمين، بأن قال: والله لأصومن شهراً.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:27 PM

الصوم المفروض ‏
ينقسم الصوم المفروض من العين والدين، إلى قسمين: منه ما هو متتابع، ومنه ما هو ‏غير متتابع، بل صاحبه بالخيار: إن شاء تابع، وإن شاء فرق.‏
أولاً: ما يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:‏
‏1.‏ ‏1. ‏ أ- صوم رمضان، فقد أمر الله تعالى بصوم الشهر بقوله سبحانه: ‏
‏2.‏ ‏2. {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} والشهر متتابع، لتتابع أيامه، فيكون ‏صومه متتابعاً ضرورة.‏
ب- صوم كفارة القتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار، والصوم المنذور به في وقت بعينه، ‏وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان.‏
ثانياً: ما لا يجب فيه التتابع، ويشمل ما يلي:‏
‏1.‏ ‏1. قضاء رمضان، ذهب الأئمة الأربعة عدم اشتراط التتابع فيه، لقوله تعالى: ‏
‏{فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] فإنه ذكر الصوم مطلقاً عن التتابع.‏
ويندب التتابع أو استحبابه للمسارعة إلى إسقاط الفرض.‏
ب- الصوم في كفارة اليمين، وفي تتابعة خلاف.‏
ج- صوم المتعة في الحج، وصوم كفارة الحلق، وصوم جزاء الصيد، وصوم النذر ‏المطلق، وصوم اليمين المطلقة.‏
قال الله -عز وجل- في صوم المتعة: {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من ‏الهدى، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم ..} [البقرة: 196].‏
وقال في كفارة الحلق: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يَبْلُغ الهدىُ مَحِلَّه فمن كان منكم ‏مريضاً أو به أذى من رأسه، ففِدْية من صيام، أو صدقة أو نُسُك ...} [البقرة: 195].‏
وقال في جزاء الصيد: {أو عَدْلُ ذلك صياماً، ليذوق وبال أمره} [المائدة: 92] فذكر ‏الصوم في هذه الآيات مطلقاً عن شرط التتابع.‏
وكذا: الناذر، والحالف في النذر المطلق، واليمين المطلقة، ذكر الصوم فيها مطلقاً عن ‏شرط التتابع.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:27 PM

الصوم المختلف في وجوبه، ويشمل ما يلي:‏
‏- الأول، وهو: قضاء ما أفسده من صوم النفل .‏
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن قضاء نفل الصوم إذا أفسده واجب، دليل ذلك حديث عائشة ‏رضي الله تعالى عنها قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، ‏فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة -وكانت ابنة أبيها- فقالت يا رسول الله: ‏إنا كنا صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه قال: اقضيا يوماً آخر مكانه" رواه الترمذي.‏
ولأن ما أتى به قربة، فيجب صيانته وحفظه عن البطلان، وقضاؤه عند الإفساد، لقوله ‏تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] ولا يمكن ذلك إلا بإتيان الباقي، فيجب إتمامه وقضاؤه ‏عند الإفساد ضرورة،فصار كالحج والعمرة المتطوّعين.‏
والحنفية لا يختلفون في وجوب القضاء إذا فسد صوم النافلة عن قصد، أو غير قصد بأن ‏عرض الحيض للصائمة المتطوعة.‏
والضيافة عذر، إن كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد حضوره، ويتأذى بترك ‏الإفطار، فيفطر، وإلا لا، حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث، أفطر ولو كان صومه قضاء، ‏ولا يحنثه على المعتمد.‏
وإن كان صاحب الطعام يرضى بمجرد حضوره، وإن لم يأكل، لا يباح له الفطر، وإن ‏كان يتأذى بذلك يفطر.‏
وهذا إذا كان قبل الزوال، أما بعده فلا، إلا لأحد أبويه إلى العصر، لا بعده.‏
والمالكية أوجبوا القضاء بالفطر العمد الحرام، احترازاً عن الفطر نسياناً أو إكراهاً، أو ‏بسبب الحيض والنفاس، أو خوف مرض أو زيادته، أو شدة جوع أو عطش، حتى لو أفطر لحلف ‏شخص عليه بطلاق باتٍ، فلا يجوز الفطر، وإن أفطر قضى.‏
واستثنوا ما إذا كان لفطره وجه:‏
‏- كأن حلف بطلاقها، ويخشى أن لا يتركها إن حنث، فيجوز الفطر ولا قضاء.‏
‏- أو أن يأمره أبوه أو أمه بالفطر، حناناً وإشفاقاً عليه من إدامة الصوم، فيجوز له الفطر، ‏ولا قضاء عليه.‏
‏- أو يأمره أستاذه أو مربيه بالإفطار، وإن لم يحلف الوالدان أو الشيخ.‏
والشافعية والحنابلة، لا يوجبون إتمام نافلة الصوم، ولا يوجبون قضاءها إن فسدت، ‏وذلك:‏
‏- لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: "يا رسول الله! أهدى إلينا حيس(1) فقال: أرنيه ‏فلقد أصبحت صائماً فأكل" رواه مسلم وزاد النسائي: "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج ‏من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها".‏
‏___________________‏
‏(1) تمر مخلوط بسمن ولبن مخفق.‏
‏- ولحديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل ‏عليها، فدعا بشراب فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله! أما إني كنت صائمة! فقال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر" ‏رواه الترمذي، وفي رواية: "أمير نفسه".‏
‏- ولأن القضاء يتبع المقضى عنه، فإذا لم يكن واجباً، لم يكن القضاء واجباً، بل يستحب.‏
‏- ونص الشافعية والحنابلة على أن من شرع في نافلة صوم لم يلزمه الإتمام، لكن ‏يستحب، ولا كراهة ولا قضاء في قطع صوم التطوع مع العذر.‏
أما مع عدم العذر فيكره، لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33].‏
ومن العذر: أن يعز على من ضيّفه امتناعه من الأكل.‏
وإذا أفطر فإنه لا يثاب على ما مضى إن أفطر بغير عذر، وإلا أثيب.‏
الثاني: صوم الإعتكاف، وفيه خلاف.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:28 PM

صوم التطوع ‏
وهو: ‏
‏1- صوم يوم عاشوراء.‏
‏2- صوم يوم عرفة.‏
‏3- صوم يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع.‏
‏4- صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وهي الأيام البيض.‏
‏5- صيام ستة أيام من شوال.‏
‏6- صوم شهر شعبان.‏
‏7- صوم شهر محرم.‏
‏8- صوم شهر رجب.‏
‏9- صيام ما ثبت طلبه والوعد عليه في السنة الشريفة.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:29 PM

الصوم المكروه
ويشمل ما يلي:‏
أ- إفراد يوم الجمعة بالصوم:‏
ذهب الجمهور إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، وقد ورد فيه حديث عن أبي هريرة ‏‏-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصوموا يوم الجمعة، إلا ‏وقبله يوم، أو بعده يوم" رواه البخاري.‏
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لابأس بصومه منفرداً، لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى ‏عنهما أنه كان يصومه ولا يفطر، وظاهر هذا أن المراد (لا بأس) الاستحباب، بندب صومه، ولو ‏منفرداً. وذهب المالكية إلى ندب صومه منفرداً وحده فقط، لا قبله ولا بعده، فإن ضم إليه آخر فلا ‏خلاف في ندبه.‏
قال الجمهور: فمطلق النهي عن صومه مقيد بالإفراد.‏
وتنتفي الكراهة بضم يوم آخر إليه، لحديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن ‏النبي صلى الله عليه وسلم. دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: "أصمت أمس"؟ قالت: ‏لا. قال: "تريدين أن تصومي غداً"؟ قالت: لا. قال: "فأفطري" رواه البخاري.‏
ب- صوم يوم السبت وحده خصوصاً:‏
وهو متفق على كراهته، وقد ورد فيه حديث عبد الله بن بسر، عن أخته، واسمها الصماء ‏رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما ‏افترض عليكم، فإن لم يجد احدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه" رواه الترمذي.‏
ووجه الكراهة أنه يوم تعظمه اليهود، ففي إفراده بالصوم تشبه بهم، إلا أن يوافق صومه ‏بخصوص يومٍ اعتاد صومه، كيوم عرفة أو عاشوراء.‏
ج- صوم يوم الأحد بخصوصه:‏
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن تعمد صوم يوم الأحد بخصوصه مكروه، إلا إذا وافق ‏يوماً كان يصومه، وإن صوم السبت والأحد معاً ليس فيه تشبه باليهود والنصارى، لأنه لم تتفق ‏طائفة منهم على تعظيمهما، كما لو صام الأحد مع الإثنين، فإنه تزول الكراهة.‏
ونص الحنابلة أنه يكره صيام كل عيد لليهود والنصارى أو يوم يفردونه بالتعظيم إلا أن ‏يوافق عادة للصائم.‏
‏ ‏
د- إفراد يوم النيروز بالصوم:‏
يكره إفراد يوم النيروز(1)، ويوم المهرجان(2) بالصوم، وذلك لأنهما يومان يعظمهما ‏الكفار، وهما عيدان للفرس، فيكون تخصيصهما بالصوم -دون غيرهما- موافقة لهم في ‏تعظيمهما، فكره، كيوم السبت.‏
وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم.‏
وقال الحنفية: إن الصائم إذا قصد بصومه التشبه، كانت الكراهة تحريمية.‏
هـ- صوم الوصال:‏
ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الوصال، وهو : أن ‏لا يفطر بعد الغروب أصلاً، حتى يتصل صوم الغد بالأمس، فلا يفطر بين يومين.‏
وإنما كره، لما روي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "واصل رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم في رمضان، فواصل الناس .. فنهاهم، قيل له: إنك تواصل، قال: إني لست ‏مثلكم، إني أطعم وأسقى" رواه البخاري.‏
والنهي وقع رفقاً ورحمةً، ولهذا واصل النبي صلى الله عليه وسلم.‏
وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها، وكذا بمجرد الشرب لانتفاء الوصال.‏
وقال الحنابلة: ولا يكره الوصال إلى السحر، لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً: ‏‏"فأيكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر" رواه البخاري ولكنه ترك سنة، وهي: تعجيل ‏الفطر، فترك ذلك أولى محافظة على السنة.‏
وعند الشافعية قولان: الأول وهو الصحيح: بأن الوصال مكروه كراهة تحريم، وهو ‏ظاهر نص الشافعي رحمه الله.‏
والثاني: يكره كراهة تنزيه.‏
و- صوم الدهر (صوم العمر):‏
ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى كراهة صوم الدهر، وعللت ‏الكراهة بأنه يضعف الصائم عن الفرائض والواجبات، والكسب الذي لا بد منه، أو بأنه يصير ‏الصوم طبعاً له، ومبنى العبادة على مخالفة العادة.‏
واستدل للكراهة، بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" متفق عليه.‏
وفي حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "قال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم ‏الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو لم يصم ولم يفطر" رواه مسلم، أي: لم يحصّل أجر الصوم ‏لمخالفته، ولم يفطر لأنه أمسك.‏
وقال الشافعية: إن خاف منه ضرراً، أو فَوَّتَ به حقاً كره، وإلا فلا.‏
والمراد بصوم الدهر عند الشافعية: سرد الصوم في جميع الأيام إلا الأيام التي لا يصح ‏صومها وهي : العيدان وأيام التشريق.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:29 PM

الصوم المحرم ‏
‏ ‏
ذهب الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) إلى تحريم صوم الأيام التالية: ‏
أ- صوم يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق، وهي: ثلاثة أيام بعد يوم ‏النحر.‏
وذلك لأن هذه الأيام منع صومها لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- "أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر" رواه البخاري.‏
وحديث نبيشة الهذلي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏‏"أيام التشريق ايام أكل وشرب، وذكر الله - عز وجل" رواه مسلم.‏
وذهب الحنفية إلى جواز الصوم فيها مع الكراهة التحريمية، لما في صومها من ‏الإعراض عن ضيافة الله تعالى، فالكراهة ليست لذات اليوم، بل لمعنى خارج مجاور، كالبيع عند ‏الأذان يوم الجمعة، حتى لو نذر صومها صح، ويفطر وجوباً تحامياً عن المعصية، ويقضيها ‏إسقاط للواجب، ولو صامها خرج عن العهدة، مع الحرمة.‏
وقال الحنابلة إن صومها لا يصح فرضاً ولا نفلاً.‏
واستثنى المالكية والحنابلة في رواية: صوم أيام التشريق عن دم المتعة والقران، لقول ‏ابن عمر وعائشة -رضي الله تعالى عنهم- لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد ‏الهدى.‏
قال الشافعية: وأما صوم يوم النحر، فقطع ببطلانه، لأنه لم يظهر انصراف النهي عن ‏عينه ووصفه، ولم يرتض قولهم: إنه نهى عنه، لما فيه من ترك إجابة الدعوى بالأكل.‏
ب- ويحرم صيام الحائض والنفساء، وصيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:30 PM

متى يجب الصوم، وكيفية إثبات هلال الشهر واختلاف المطالع؟
وفيه مطالب ثلاثة:‏

‏6-متى يجب الصوم؟
يجب الصوم بأحد أمور ثلاثة.‏
الأول: النذر: بأن ينذر المرء صوم يوم أو شهر تقرباً إلى الله تعالى، فيجب عليه بإيجابه ‏على نفسه، ويكون سبب صوم المنذور هو النذر، فلو عين شهراً أو يوماً، وصام شهراً أو يوماً ‏قبله عنه، أجزأه، لوجود السبب، ويلغو التعيين.‏
الثاني: الكفارات: عن معصية ارتكبها المرء، كالقتل الخطأ، وحنث اليمين، وإفطار ‏رمضان بالجماع نهاراً، والظهار، ويكون سبب الصوم هو القتل أو الحنث أو الإفطار، أو ‏المظاهرة.‏
الثالث: شهود جزء من شهر رمضان من ليل أو نهار على المختار عند الحنفية، فيكون ‏السبب شهود الشهر.‏
ويجب صوم رمضان: إما برؤية هلاله إذا كانت السماء صحواً، أو بإكمال شعبان ثلاثين ‏يوماً إذا وجد غيم أو غبار ونحوهما.‏
لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.‏
وقوله صلى الله عليه وسلم: "صومواً لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم فأكملوا ‏عدة شعبان ثلاثين" رواه مسلم وفي لفظ البخاري: "الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى ‏تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وفي لفظ لمسلم: "أنه ذكر رمضان، فضرب بيديه، ‏فقال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم عقد إبهامه في الثالثة، فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن ‏غم عليكم فاقُدروا ثلاثين".‏
وقد يقع نقص الشهر أي تسعة وعشرين يوماً مدة شهرين أو ثلاثة أو أربعة فقط، ولا ‏تثبت بقية توابع رمضان كصلاة التراويح ووجوب الإمساك على من أصبح مفطراً إلا برؤية ‏الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً.‏
‏7- كيفية إثبات هلال رمضان وهلال شوال:‏
اختلف الفقهاء في طريق إثبات هلال رمضان وشوال بين اتجاهات ثلاثة: رؤية جمع ‏عظيم، ورؤية مسلميَن عدلين، ورؤية رجل عدل واحد.‏
ذهب الحنفية إلى أنه:‏
أ- إذا كانت السماء صحواً: فلا بد من رؤية جمع عظيم لإثبات رمضان، والفطر أو ‏العيد، ومقدار الجمع: من يقع العلم الشرعي (أي غلبه الظن) بخبرهم، وتقديرهم مفوض إلى رأي ‏الإمام في الأصح، واشتراط الجمع لأن المَطْلع متحد في ذلك المحل، والموانع منتفية، والأبصار ‏سليمة، والهمم في طلب الهلال مستقيمة، فالتفرد في الرؤية من بين الجم الغفير -مع ذلك- ظاهر ‏في غلط الرأي.‏
ولا بد من أن يقول الواحد منهم في الإدلاء بشهادته: "أشهد".‏
ب- وأما إذا لم تكن السماء صحواً بسبب غيم أو غبار ونحوه: اكتفى الإمام في رؤية ‏الهلال بشهادة مسلم واحد عدل عاقل بالغ، (والعدل: هو الذي غلبت حسناته سيئاته) أو مستور ‏الحال في الصحيح، رجلاً كان أو امرأة، حراً أم غيره، لأنه أمر ديني، فأشبه رواية الأخبار. ولا ‏يشترط في هذه الحالة أن يقول: "أشهد" وتكون الشهادة في مصر أمام القاضي، وفي القرية في ‏المسجد بين الناس.‏
وتجوز الشهادة على الشهادة، فتصح الشهادة أمام القاضي بناء على شهادة شخص آخر ‏رأى الهلال.‏
ومن رأى الهلال وحده، صام، وإن لم يقبل الإمام شهادته، فلو أفطر وجب عليه القضاء ‏دون الكفارة.‏
ولا يعتمد على ما يُخبِر به أهل الميقات والحساب والتنجيم، لمخالفته شريعة نبينا عليه ‏أفضل الصلاة والتسليم.‏
وذهب المالكية: إلى أنه يثبت هلال رمضان بالرؤية على أوجه ثلاثة هي ما يأتي:‏
‏1- أن يراه جماعة كثيرة وإن لم يكونوا عدولاً: وهم كل عدد يؤمن في العادة تواطؤهم ‏على الكذب. ولا يشترط أن يكونوا ذكوراً أحراراً عدولاً.‏
‏2- أن يراه عَدْلان فأكثر: فيثبت بهما الصوم والفطر في حالة الغيم أو الصحو. والعدل: ‏هو الذكر الحر البالغ العاقل الذي لم يرتكب معصية كبيرة ولم يصر على معصية صغيرة، ولم ‏يفعل ما يخل بالمروءة.‏
فلا يجب الصوم في حالة الغيم برؤية عدل واحد أو امرأة أو امرأتين على المشهور، ‏ويجب الصوم قطعاً على الرائي في حق نفسه.‏
وتجوز الشهادة بناء على شهادة العدلين إذا نقل الخبر عن كل واحد اثنان، ولا يكفي نقل ‏واحد.‏
ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم لفظ "أشهد".‏
‏3- أن يراه شاهد واحد عدل: فيثبت الصوم والفطر له في حق العمل بنفسه أو في حق ‏من أخبره ممن لا يعتني بأمر الهلال، ولا يجب على من يعتني بأمر الهلال الصوم برؤيته، ولا ‏يجوز الإفطار بها، فلا يجوز للحاكم أن يحكم بثبوت الهلال برؤية عدل فقط.‏
ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية. فإن كان الإمام هو الرائي وجب الصوم ‏والإفطار.‏
ويجب على العدل أو العدلين رفع الأمر للحاكم أنه رأى الهلال ليفتح باب الشهادة، ولأنه ‏قد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.‏
أما هلال شوال: فيثبت برؤية الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد ‏خبرها العلم أو برؤية العدلين كما هو الشأن في إثبات هلال رمضان.‏
ولا يثبت الهلال بقول منجّم أي حاسب يحسب سير القمر، لا في حق نفسه ولا غيره، ‏لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال، لا بوجوده إن فرض صحة قوله، فالعمل ‏بالمراصد الفلكية وإن كانت صحيحة لا يجوز.‏
وذهب الشافعية إلى أنه تثبت رؤية الهلال لرمضان أو شوال أو غيرهما بالنسبة إلى ‏عموم الناس برؤية شخص عدل، ولو مستور الحال، سواء أكانت السماء مصحية أم لا، بشرط ‏أن يكون الرائي عدلاً مسلماً بالغاً عاقلاً حراً ذكراً، وأن يأتي بلفظ "أشهد" فلا تثبت برؤية الفاسق ‏والصبي والمجنون والعبد والمرأة. ودليلهم: أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رأى الهلال، ‏فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود. وعن ابن ‏عباس رضي الله عنهما، قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت ‏هلال رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: ‏نعم، قال: يا بلال، أذن في الناس، فليصوموا غداً" رواه أبو داود والترمذي والمعنى في ثبوته ‏بالواحد الاحتياط للصوم.‏
أما الرائي نفسه فيجب عليه الصوم، ولو لم يكن عدلاً (أي فاسقاً) أو كان صبياً أو امرأة ‏أو كافراً، أو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، كما يجب الصوم على من صدقه ‏ووثق بشهادته.‏
وإذا صمنا برؤية عدل، ولم نر الهلال بعد ثلاثين، أفطرنا في الأصح، وإن كانت السماء ‏صحواً، لكمال العدد بحجة شرعية.‏
وذهب الحنابلة: إلى أنه يقبل في إثبات هلال رمضان قول مكلف عدل واحد ظاهراً ‏وباطناً ذكراً أو أنثى حراً أو عبداً، ولو لم يقل: أشهد أو شهدت أني رأيته، فلا يقبل قول مميز ولا ‏مستور الحال لعدم الثقة بقوله في الغيم والصحو، ولو كان الرائي في جمع كثير ولم يره منهم ‏غيره.‏
ودليلهم الحديث المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم صوَّم الناس بقول ابن عمر، ولقبوله خبر ‏الأعرابي السابق به، ولأنه خبر ديني وهو أحوط، ولا تهمة فيه، بخلاف آخر الشهر، ولاختلاف ‏حال الرائي والمرئي، فلو حكم حاكم بشهادة واحد، عمل بها وجوباً. ولا يعتبر لوجوب الصوم ‏لفظ الشهادة، ولا يختص بحاكم، فيلزم الصوم من سمعه من عدل. ولا يجب على من رأى الهلال ‏إخبار الناس أو أن يذهب إلى القاضي أو إلى المسجد. ويجب الصوم على من ردت شهادته لفسق ‏أو غيره، لعموم الحديث: "صوموا لرؤيته" ولا يفطر إلا مع الناس، لأن الفطر لا يباح إلا بشهادة ‏عدلين. وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر لحديث أبي هريرة يرفعه قال: "الفطر يوم يفطرون، ‏والأضحى يوم يضحون". رواه الترمذي. ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط. وتثبت بقية ‏الأحكام إذا ثبتت رؤية هلال رمضان بواحد من وقوع الطلاق المعلق به، وحلول آجال الديون ‏المؤجلة إليه، وغيرها كانقضاء العدة والخيار المشروط ومدة الإيلاء ونحوها تبعاً للصوم.‏
ولا يجب الصوم بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما، لعدم استناده لما يعول عليه ‏شرعاً.‏
ولا يقبل في إثبات بقية الشهور كشوال (من أجل العيد) وغيره إلا رجلان عدلان، بلفظ ‏الشهادة، لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال غالباً، وليس بمال ولا يقصد به المال. وإنما ترك ذلك ‏في إثبات رمضان احتياطاً للعبادة.‏
وإذا صام الناس بشهادة اثنين: ثلاثين يوماً، فلم يروا الهلال، أفطروا، سواء في حال الغيم ‏أو الصحو، لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن ‏شهد شاهدان فصوموا وأفطروا". رواه النسائي.‏
ولا يفطروا إن صاموا الثلاثين يوماً بشهادة واحد، لأنه فطر، فلا يجوز أن يستند إلى ‏واحد، كما لو شهد بهلال شوال.‏
وإن صاموا ثمانية وعشرين يوماً، ثم رأوا الهلال، قضوا يوماً فقط. وإن صاموا لأجل ‏غيم ونحوه كدخان، لم يفطروا، لأن الصوم إنما كان احتياطاً، فمع موافقته للأصل : وهو بقاء ‏رمضان، أولى. وإن رأى هلال شوال عدلان، ولم يشهدا عند الحاكم، جاز لم سمع شهادتهما ‏الفطر إذا عرف عدالتهما، وجاز لكل واحد منهما أن يفطر بقولهما إذا عرف عدالة الآخر، لقوله ‏صلى الله عليه وسلم: "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" فإن لم يعرف أحدهما عدالة الآخر، ‏لم يجز له الفطر لاحتمال فسقه إلا أن يحكم بذلك حاكم، فيزول اللبس.‏
وإن شهد شاهدان عند الحاكم برؤية هلال شوال : فإن رد الحاكم شهادتهما، لجهله ‏بحالهما، فلمن علم عدالتهما الفطر، لأن رده ههنا ليس بحكم منه بعدم قبول شهادتهما، إنما هو ‏توقف لعدم علمه بحالهما، فهو كالتوقف عن الحكم انتظاراً للبينة، فلو ثبتت عدالتهما بعد ذلك ممن ‏زكاهما حكم بها، لوجود المقتضي، وأما إن رد الحاكم شهادتهما لفسقهما، فليس لهما ولا لغيرهما ‏الفطر بشهادتهما.‏
وإذا اشتبهت الأشهر على أسير أو سجين أو من بمفازة أو بدار حرب ونحوهم، اجتهد ‏وتحرى في معرفة شهر رمضان وجوباً، لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد، فلزمه كاستقبال ‏القبلة، فإن وافق ذلك شهر رمضان أو ما بعد رمضان، أجزأه.‏
وإن تبين أن الشهر الذي صامه ناقص، ورمضان الذي فاته كامل تمام، لزمه قضاء ‏النقص، لأن القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك. وإن وافق صومه شهراً قبل رمضان كشعبان ‏لم يجزه، لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم يجزه، كالصلاة، فلو وافق بعضه رمضان، فما وافقه أو ‏بعده، أجزأه، دون ما قبله.‏
وإن صام من اشتبهت عليه الأشهر، بلا اجتهاد، فكمن خفيت عليه القبلة، لا يجزيه مع ‏القدرة على الاجتهاد.‏
‏- والخلاصة: أن الحنفية يشترطون لإثبات هلال رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا ‏كانت السماء صحواً، وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه. ولابد عند المالكية من ‏رؤية عدلين أو أكثر، وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من لا يهتم بأمر الهلال.‏
وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة، ولو مستور الحال عند الشافعية، ولا ‏يكفي المستور عند الحنابلة، كما لا بد عند الحنابلة من رؤية هلال شوال من عدلين لإثبات العيد.‏
‏- وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:31 PM

‏8- طلب رؤية الهلال: وذهب الحنفية: إلى أنه يجب للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم ‏التاسع والعشرين من شعبان، وكذا هلال شوال لأجل إكمال العدة، فإن رأوه صاموا، وإن غم ‏عليهم، أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا، لأن الأصل بقاء الشهر، فلا ينتقل عنه إلا ‏بدليل، ولم يوجد.‏
وذهب الحنابلة: إلى أنه يستحب ترائي الهلال احتياطاً للصوم، وحذاراً من الاختلاف.‏
قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره، ثم ‏يصوم لرؤية رمضان" رواه الدارقطني وروى أبو هريرة مرفوعاً: "أحصوا هلال شعبان ‏لرمضان". رواه الترمذي.‏
ويسن إذا رأى المرء الهلال كبَّر ثلاثاً، وقال: "اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والأمن ‏والأمان، ربي وربك الله" ويقول ثلاث مرات: "هلال خير ورشد" ويقول: "آمنت بالذي خلقك" ‏ثم يقول: "الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا" وروى الأثرم عن ابن عمر، قال: ‏‏"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، ‏والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله".‏
وإذا رئي الهلال يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه، لأنه من عمل الجاهلية.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:31 PM

‏9- اختلاف المطالع:‏
اختلف الفقهاء على قولين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في ‏المشارق والمغارب في وقت واحد، بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلاف المطالع.‏
ذهب الجمهور -الحنفية والمالكية والحنبلية- إلى أنه يوحد الصوم بين المسلمين، ولا ‏عبرة باختلاف المطالع.‏
وذهب الشافعية إلى أنه يختلف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين ‏مسافات بعيدة.‏
هذا مع العلم بأن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، فهو أمر واقع بين البلاد البعيدة ‏كاختلاف مطالع الشمس، ولا خلاف في أن للإمام الأمر بالصوم بما ثبت لديه، لأن حكم الحاكم ‏يرفع الخلاف، وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية جداً كالأندلس والحجاز، وأندونيسيا ‏والمغرب العربي.‏
تفصيل آراء المذاهب في ذلك:‏
قال الحنفية: اختلاف المطالع، ورؤية الهلال نهاراً قبل الزوال وبعده غير معتبر، فيلزم ‏أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك، بطريق موجب، كأن يتحمل اثنان ‏الشهادة، أو يشهدا على حكم القاضي، أو يستفيض الخبر، بخلاف ما إذا أخبر أن أهل بلدة كذا ‏رأوه، لأنه حكاية.‏
وقال المالكية: إذا رئي الهلال، عمَّ الصوم سائر البلاد، قريباً أو بعيداً، ولا يراعى في ‏ذلك مسافة قصر، ولا اتفاق المطالع، ولا عدمهما، فيجب الصوم على كل ما منقول إليه، إن نقل ‏ثبوته بشهادة عدلين أو بجماعة مستفيضة، أي منتشرة.‏
وقال الحنابلة: إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريباً كان أو بعيداً، لزم الناس كلهم الصوم، ‏وحكم من لم يره حكم من رآه.‏
وقال الشافعية: إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد بحسب اختلاف ‏المطالع، واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً.‏
وإذا لم نوجب على البلد الآخر وهو البعيد، فسافر إليه من بلد الرؤية من صام به، ‏فالأصح أنه يوافقهم وجوباً في الصوم آخراً، وإن كان قد أتم ثلاثين، لأنه بالانتقال إلى بلدهم، ‏صار واحداً منهم، فيلزمه حكمهم.‏
ومن سافر من البلد الآخر الذي لم ير فيه الهلال إلى بلد الرؤية، عيَّد معهم وجوباً، لأنه ‏صار واحداً منهم، سواء أصام ثمانية وعشرين يوماً، أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاماً ‏عندهم، وقضى يوماً إن صام ثمانية وعشرين، لأن الشهر لا يكون كذلك.‏
ومن أصبح مُعَيِّداً، فسارت سفينته أو طائرته إلى بلدة بعيدة أهلها صيام، فالأصح أنه ‏يمسك بقية اليوم وجوباً، لأنه صار واحداً منهم.‏
ورأي الجمهور هو الأرجح توحيداً للعبادة بين المسلمين، ومنعاً من الاختلاف غير ‏المقبول في عصرنا، ولأن إيجاب الصوم معلق بالرؤية، دون تفرقة بين الأقطار.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:32 PM

‏10- ركن الصوم:‏
ركن الصوم باتفاق الفقهاء هو: الإمساك عن المفطرات، وذلك من طلوع الفجر الصادق، ‏حتى غروب الشمس.‏
ودليله قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ ‏الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. ‏
والمراد من النص: بياض النهار وظلمة الليل، لا حقيقة الخيطين، فقد أباح الله تعالى هذه ‏الجملة من المفطرات ليالي الصيام، ثم أمر بالإمساك عنهن في النهار، فدل على أن حقيقة الصوم ‏وقوامه هو ذلك الإمساك.

جريح الصمت 17-09-2007 11:33 PM

‏11- شروط وجوب الصوم:‏
شروط وجوب الصوم، أي: اشتغال الذمة بالواجب هي شروط افتراضه والخطاب به. ‏وهي:‏
أ- الإسلام، وهو شرط عام للخطاب بفروع الشريعة.‏
ب- العقل، إذ لا فائدة من توجه الخطاب بدونه، فلا يجب الصوم على مجنون إلا إذا أثم ‏بزوال عقله، في شراب أو غيره، ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة.‏
وعبر الحنفية بالإفاقة بدلاً من العقل، أي الإفاقة من الجنون والإغماء أو النوم، وهي ‏اليقظة.‏
ج- البلوغ، ولا تكليف إلا به، لأن الغرض من التكليف هو الامتثال، وذلك بالإدراك ‏والقدرة على الفعل -كما هو معلوم في الأصول- والصبا والطفولة عجز.‏
ونص الفقهاء على أنه يؤمر به الصبي لسبع -كالصلاة- إن أطاقه، ويضرب على تركه ‏لعشر.‏
والحنابلة قالوا: يجب على وليهّ أمرُه بالصوم إذا أطاقه، وضربه حينئذ إذا تركه ليعتاده، ‏كالصلاة، إلا أن الصوم أشق، فاعتبرت له الطاقة، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصوم.‏
د- العلم بالوجوب، فمن أسلم في دار الحرب، يحصل له العلم الموجب، بإخبار رجلين ‏عدلين، أو رجل مستور وامرأتين مستورتين، أو واحد عدل، ومن كان مقيماً في دار الإسلام، ‏يحصل له العلم بنشأته في دار الإسلام، ولا عذر له بالجهل.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:33 PM

‏12- شروط وجوب أداء الصوم:‏
شروط وجوب الأداء الذي هو تفريغ ذمة المكلف عن الواجب في وقته المعين له هي:‏
أ- الصحة والسلامة من المرض، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ ‏أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].‏
ب- الإقامة، {أو على سفر}.‏
أما الصحة والإقامة، فشرطان في وجوب الصيام، لا في صحته، ولا في وجوب ‏القضاء، فإن وجوب الصوم يسقط عن المريض والمسافر، ويجب عليهما القضاء، إن أفطرا ‏إجماعاً، ويصح صومهما إن صاما ...‏
ج- خلو المرأة من الحيض والنفاس، لأن الحائض والنفساء ليستا أهلاً للصوم.‏
ولحديث عائشة رضى الله تعالى عنها لما سألتها معاذة: "ما بال الحائض، تقضي الصوم ‏ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، قالت: كان يصيبنا ‏ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليه.‏
فالأمر بالقضاء فرع وجوب الأداء.‏
والإجماع منعقد على منعهما من الصوم، وعلى وجوب القضاء عليهما.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:34 PM

‏13- شروط صحة الصوم:‏
شرط صحة الصوم هي:‏
أ- الطهارة من الحيض والنفاس.‏
ب- خلّوه عما يفسد الصوم بطروّه عليه كالجماع.‏
ج- النية. وذلك لأن صوم رمضان عبادة، فلا يجوز إلا بالنية، كسائر العبادات. ولحديث: ‏‏"إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه.‏
والإمساك قد يكون للعادة، أو لعدم الاشتهاء، أو للمرض، أو للرياضة، فلا يتعين إلا ‏بالنية، كالقيام إلى الصلاة والحج. ولا يصح الصوم إلا بنية، ومحلها القلب، ولا يشترط النطق ‏بها، بلا خلاف.‏
صفة النية:‏
صفة النية، أن تكون جازمة، معينة، مبيّتة، مجددة، على ما يلي:‏
أولاً: الجزم، فقد اشترط في نية الصوم، قطعاً للتردد، حتى لو نوى ليلة الشك، صيام غدٍ، ‏إن كان من رمضان لم يجزه، ولا يصير صائماً لعدم الجزم، فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غداء ‏غداً يفطر، وإن لم يجد يصوم.‏
ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو ‏نفل، أو فأنا مفطر، لم يصح صومه، إن ظهر أنه من رمضان، لعدم جزمه بالنية.‏
وإن قال ذلك ليلة الثلاثين من رمضان، صح صومه إن بان منه، لأنه مبني على أصل لم ‏يثبت زواله، ولا يقدح تردده، لأنه حكم صومه مع الجزم. بخلاف ما إذا قاله ليلة الثلاثين من ‏شعبان، لأنه لا أصل معه يبنى عليه، بل الأصل بقاء شعبان.‏
ثانياً: التعيين: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لابد من تعيين النية في صوم رمضان، ‏وصوم الفرض والواجب، ولا يكفي تعيين مطلق الصوم، ولا تعيين صومٍ معين غير رمضان.‏
وكمال النية: أن ينوي صوم غد، عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى.‏
وإنما اشترط التعيين في ذلك، لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في ‏نيتها، كالصلوات الخمس، ولأن التعيين مقصود في نفسه، فيجزئ التعيين عن نية الفريضة في ‏الفرض، والوجوب في الواجب.‏
وذهب الحنفية في التعيين إلى تقسيم الصيام إلى قسمين:‏
القسم الأول: لا يشترط فيه التعيين، وهو: أداء رمضان، والنذر المعين زمانه، وكذا ‏النفل، فإنه يصح بمطلق نية الصوم، من غير تعيين.‏
وذلك لأن رمضان معيار وهو مضيّق، لا يسع غيره من جنسه وهو الصوم، فلم يشرع ‏فيه صوم آخر، فكان متعيناً للفرض، والمتعين لا يحتاج إلى تعيين، والنذر المعين معتبر بإيجاب ‏الله تعالى، فيصاب كل منهما بمطلق النية، وبأصلها، وبنية نفل، لعدم المزاحم.‏
وكل يوم معيّن للنفل ماعدا رمضان، والأيام المحرم صومها، وما يعيّنه المكلف بنفسه، ‏فكل ذلك متعين، ولا يحتاج إلى التعيين.‏
والقسم الثاني: يشترط فيه التعيين، وهو: قضاء رمضان، وقضاء ما أفسده من النفل، ‏وصوم الكفارات بأنواعها، والنذر المطلق عن التقييد بزمان، سواء أكان معلقاً بشرط، أم كان ‏مطلقاً، لأنه ليس له وقت معين، فلم يتأد إلا بنية مخصوصة، قطعاً للمزاحمة.‏
ثالثاً- التبييت:‏
والتبييت: إيقاع النية في الليل، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو قارن ‏الغروب أو الفجر أو شك، لم يصح، كما هو قضية التبييت.‏
‏- ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى شرط التبييت في صوم الفرض.‏
وفي قول للمالكية، يصح لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام، لأن الأصل في النية ‏المقارنة للمنْوى.‏
ويجوز أن تقدّم من أول الليل، ولا تجوز قبل الليل.‏
ولأن صوم القضاء والكفارات، لابد لها من تبييت النية، فكذا كل صوم فرضٍ معين.‏
ولا تجزئ بعد الفجر، وتجزئ مع طلوع الفجر إن اتفق ذلك، ورخص تقدمها عليه ‏للمشقة في مقارنتها له.‏
والصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه لا يشترط في التبييت النصف الآخر من الليل، ‏لإطلاقه في الحديث، ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي إلى تفويت الصوم، لأنه وقت ‏النوم، وكثير من الناس لا ينتبه فيه، ولا يذكر الصوم، والشارع إنما رخص في تقديم النية على ‏ابتدائه، لحرج اعتبارها عنده، فلا يخصها بمحل لا تندفع المشقة بتخصيصها به، ولأن ‏تخصيصها بالنصف الأخير تحكّم من غير دليل، بل تُقَرَّب النيةُ من العبادة، لماّ تعذر اقترانها بها.‏
والصحيح أيضاً: أنه لا يضر الأكل والجماع بعد النية ما دام في الليل، لأنه لم يلتبس ‏بالعبادة، وقيل : يضر فتحتاج إلى تجديدها، تحرزاً عن تخلل المناقض بينها وبين العبادة، لما ‏تعذر اقترانها بها.‏
والصحيح أيضاً: أنه لا يجب التجديد لها إذا نام بعدها، ثم تنبه قبل الفجر، وقيل: يجب، ‏تقريباً للنية من العبادة بقدر الوسع.‏
وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط التبييت في رمضان. ولماَّ لم يشترطوا تبييت النية في ليل ‏رمضان، أجازوا النية بعد الفجر دفعاً للحرج أيضاً، حتى الضحوة الكبرى، فينوي قبلها ليكون ‏الأكثر منوياً، فيكون له حكم الكل، حتى لو نوى بعد ذلك لا يجوز، لخلو الأكثر عن النية، تغليباً ‏للأكثر.‏
والضحوة الكبرى: نصف النهار الشرعي، وهو من وقت طلوع الفجر إلى غروب ‏الشمس.‏
وقال الحنفية: والأفضل الصوم بنية معينة مبيَّتة للخروج عن الخلاف.‏
واشترط الحنفية تبييت النية في صوم الكفارات والنذور المطلقة وقضاء رمضان.‏
أما النفل فيجوز صومه عند الجمهور -خلافاً للمالكية- بنيةٍ قبل الزوال.‏
لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل علّي النبي صلى الله عليه وسلم ذات ‏يوم، فقال: هل عندكم شيء؟، فقلنا: لا. فقال: فإني إذن صائم" رواه مسلم.‏
ولأن النفل أخف من الفرض، والدليل عليه: أنه يجوز ترك القيام في النفل مع القدرة، ولا ‏يجوز في الفرض.‏
ومذهب المالكية: أنه يشترط في صحة الصوم مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، نية مبيتة، وذلك ‏لإطلاق الحديث المتقدم: "من لم يُجْمِعِ الصيام من الليل، فلا صيام له".‏
ومذهب الحنابلة جواز النية في النفل، قبل الزوال وبعده، والنية وجدت في جزء من ‏النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.‏
ويشترط لجواز نية النفل في النهار عند الحنابلة: أن لا يكون فَعَل ما يفطره قبل النية، ‏فإن فعل فلا يجزئه الصوم.‏
رابعاً: تجديد النية:‏
ذهب الجمهور - الحنفية والشافعية والحنبلية- إلى تجديد النية في كل يوم من رمضان، ‏من الليل أو قبل الزوال -على الخلاف السابق- وذلك: لكي يتميز الإمساك عبادةً، عن الإمساك ‏عادة أو حِمْيَة.‏
ولأن كل يوم عبادة مستقلة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخللها ما ‏ينافيها، وهو الليالي التي يحل فيها ما يحرم في النهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحج وركعات ‏الصلاة.‏
وذهب مالك أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة. وكذلك في كل صوم ‏متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه ‏استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة، وإن كانت لا ‏تبطل ببطلان بعضها، كالصلاة.‏
فعلى ذلك لو أفطر يوماً لعذر أو غيره، لم يصح صيام الباقي بتلك النية، كما جزم به ‏بعضهم، وقيل: يصح، وقدمه بعضهم. ‏
ويقاس على ذلك النذر المعين.‏
استمرار النية:‏
اشترط الفقهاء الدوام على النية، فلو نوى الصيام لجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة موع ‏الفجر لا يصير صائماً.‏
ويشترط الدوام عليها فلو نوى من الليل، ثم رجع عن نيتة قبل طلوع الفجر، صح ‏رجوعه ولا يصير صائماً، ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء، بانقطاع النية بالرجوع، فلا كفارة ‏عليه ترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله تبييت، إلا إذا جدد النية، بأن ينوي الصوم في وقت ‏النية، تحصيلاً لها، لأن الأولى غير معتبرة، بسبب الرجوع عنها.‏
ولا تبطل النية بقوله: أصوم غداً إن شاء الله، لأنه بمعنى الاستعانة، وطلب التوفيق ‏والتيسير. والمشيئة إنما تبطل اللفظ، والنية فعل القلب.‏
وكذا سائر العبادات، لا تبطل بذكر المشيئة في نيتها.‏
ولا تبطل النية بأكله أو شربه أو جماعه بعدها عند جمهور الفقهاء.‏
‏- ولو نوى الإفطار في أثناء النهار.‏
ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفطر، كما لو نوى التكلم في صلاته ولم يتكلم.‏
وذهب المالكية والحنابلة: إلى أنه يفطر، لأنه قطع نية الصوم بنية الإفطار، فكأنه لم يأت ‏بها ابتداء.‏
‏- الإغماء والجنون والسكر بعد النية:‏
اختلف الفقهاء فيما إذا نوى الصيام من الليل، ثم طرأ عليه إغماء أو جنون أو سكر:‏
فإن لم يفق إلا بعد غروب الشمس:‏
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم صحة صومه، لأن الصوم هو الإمساك مع ‏النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله بكل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأن ‏أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي" رواه البخاري.‏
فأضاف ترك الطعام والشراب إليه، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه، فلم ‏يجزئه.‏
وذهب الحنفية إلى صحة صومه، لأن نيته قد صحت، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع ‏صحة الصوم، كالنوم.‏
أما إذا أفاق أثناء النهار:‏
فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال.‏
وذهب المالكية إلى عدم صحة صومه.‏
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه، سواء ‏أكان في أوله أم في آخره.‏
وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء، فالمذهب: انه لو جن في أثناء النهار بطل صومه، ‏وقيل: هو كالإغماء.‏
وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:35 PM

‏14- سنن الصوم ومستحابته:‏
سنن الصوم ومستحابته كثيرة، أهمها:‏
أ- السحور، وقد ورد فيه حديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال: "تسحّروا فإن في السّحور بركة" رواه البخاري.‏
ب- تأخير السّحور، وتعجيل الفطر، ومما ورد فيه حديث سهل بن سعد رضى الله عنه ‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر" متفق عليه.‏
وحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "تسحّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام ‏إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" متفق عليه.‏
ج- ويستحب أن يكون الإفطار على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات.‏
وفي هذا ورد حديث أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا ‏حسوات من ماء" رواه الترمذي.‏
وورد فيه حديث عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فمن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه ‏طهور" رواه الترمذي.‏
د- ويستحب أن يدعو عند الإفطار، فقد ورد عن عبد الله بن عمرو رضى الله تعالى ‏عنهما مرفوعاً: "إن للصائم دعوة لا ترد" رواه ابن ماجة.‏
وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر ‏قال: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داوود.‏
وهناك فضائل من خصائص شهر رمضان كالتراويح، والإكثار من الصدقات، ‏والاعتكاف، وغيرها.‏
ومن أهم ما ينبغي أن يترفع عنه الصائم ويحذره: ما يحبط صومه من المعاصي الظاهرة ‏والباطنة، فيصون لسانه عن اللغو والهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، ‏والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر ‏الله، وتلاوة القرآن. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال : قال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ‏والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: ‏إني امرؤ صائم" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم: "من لم يَدَعْ قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه ‏البخاري.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:36 PM

‏15-مفسدات الصوم:‏
يَفْسد الصوم كلما انتفى شرط من شروطه، أو اختل أحد أركانه، كالردة، وكطروء ‏الحيض والنفاس، وكل ما ينافيه من أكل وشرب ونحوهما، ودخول شيء من خارج البدن إلى ‏جوف الصائم.‏
ويشترط في فساد الصوم بما يدخل إلى الجوف ما يلي:-‏
أ- أن يكون الداخل إلى الجوف، من المنافذ الواسعة -كما قيده بذلك المالكية- والمفتوحة - ‏كما قال الشافعية- أي: المخارق الطبيعية الأصلية في الجسم، والتي تعتبر موصلة للمادة من ‏الخارج إلى الداخل، كالفم والأنف والأذن.‏
وقد استدل لذلك، بالاتفاق على أن من اغتسل في ماء، فوجد برده في باطنه لا يفطر، ‏ومن طلى بطنه بدهن لا يضر، لأن وصوله إلى الجوف بتشرّب.‏
‏- والحنابلة لم يشترطوا ذلك، بل اكتفوا بتحقق وصوله إلى الحلق والجوف، والدماغُ ‏جوف.‏
ب- أن يكون الداخل إلى الجوف مما يمكن الاحتراز عنه، كدخول المطر والثلج بنفسه ‏حلق الصائم إذا لم يبتلعه بصنعه، فإن لم يمكن الاحتراز عنه -كالذباب يطير إلى الحلق، وغبار ‏الطريق- لم يفطر إجماعاً.‏
والجوف هو: الباطن، سواء أكان مما يحيل الغذاء والدواء، أي يغيرهما كالبطن ‏والأمعاء، أم كان مما يحيل الدواء فقط كباطن الرأس أو الأذن، أم كان مما لا يحيل شيئا كباطن ‏الحلق.‏
قال الشافعية: الحلق كالجوف، في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه، فإذا جاوز ‏الشيء الحلقوم أفطر.‏
فباطن الدماغ والأمعاء والمثانة مما يفطر الوصول إليه.‏
ج- والجمهور على أنه لا يشترط أن يكون الداخل إلى الجوف مغذياً، فيفسد الصوم ‏بالداخل إلى الجوف مما يغذي أو لا يغذي، كابتلاع التراب ونحوه.‏
د-وشُرط كون الصائم قاصدا ذاكرا لصومه، أما لو كان ناسيا أنه صائم،فلا يفسد صومه ‏عند الجمهور، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ‏نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". متفق عليه.‏
ويستوي في ذلك الفرض والنفل لعموم الأدلة.‏
‎•‎ ‏• وذهب مالك إلى أن من نسى في رمضان، فأكل أو شرب، عليه القضاء، ‏أما لو نسي في غير رمضان، فأكل أو شرب، فإنه يتم صومه، ولا قضاء عليه.‏
هـ- وشرط الحنفية والمالكية استقرار المادة في الجوف، وعللوه بأن الحصاة-مثلا-تشغل المعدة ‏شغلاً ما وتنقص الجوع.‏
وعلى قول الحنفية والمالكية: لو لم تستقر المادة، بأن خرجت من الجوف لساعتها لا يفسد ‏الصوم، كما لو أصابته سهام فاخترقت بطنه ونفذت من ظهره، ولو بقى النصل في جوفه فسد ‏صومه، ولو كان ذلك بفعله يفسد صومه.‏
ولم يشترط الشافعية والحنابلة استقرار المادة في الجوف إذا كان باختياره.‏
و- وشرط الشافعية والحنابلة، أن يكون الصائم مختاراً فيما يتناوله، من طعام أو شراب ‏أو دواء، فلو أُوجر الماءَ، أو صُبَّ الدواءُ في حلقه مكرهاً، لم يفسد صومه عندهم، لأنه لم يفعل ‏ولم يقصد.‏
ولو أكره على الإفطار، فأكل أو شرب.‏
قال الشافعية: بعدم الفطر، وعللوا عدم الإفطار بأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط، ‏لعدم وجود الاختيار.‏
ومذهب الحنابلة: أنه لا يفسد صومه قولاً واحداً، وهو كالإيجار، وذلك لحديث"إن الله ‏وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"رواه ابن حاجه، فإنه عام.‏
‎•‎ ‏• ومذهب الحنفية والمالكية: أن الإكراه على الإفطار يفسد الصوم، ويستوجب ‏القضاء.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:37 PM

‏17- ما يفسد الصوم، ويوجب القضاء:‏
وذلك يرجع إلى الإخلال بأركانه وشروطه، ويمكن حصره فيما يلي:-‏
‏1- تناول مالا يؤكل في العادة.‏
‏2- قضاء الوطر قاصراً.‏
‏3- شئون المعالجة والمداواة.‏
‏4- التقصير في حفظ الصوم والجهل بأحكامه.‏
‏5- الإفطار بسبب العوارض.‏


أولاً: تناول مالا يؤكل عادة:‏
تناول مالا يؤكل عادة كالتراب والحصى، والدقيق غير المخلوط. -على الصحيح-‏والحبوب النيئة، كالقمح والشعير والحمص والعدس، والثمار الفجة التي لا تؤكل قبل النضج، ‏كالسفرجل والجوز، وكذا تناول ملح كثير دفعة واحدة يوجب القضاء دون الكفارة.‏
أما إذا أكله على دفعات، بتناول دفعة قليلة، في كل مرة، فيجب القضاء والكفارة عند ‏الحنفية.‏
أما في أكل نواة أو قطن أو ورق، أو ابتلاع حصاة، أو حديد أو ذهب أو فضة، وكذا ‏شرب مالا يشرب من السوائل كالبترول، فالقضاء دون كفارة لقصور الجناية بسبب الاستقذار ‏والعيافة ومنافاة الطبع، فانعدم معنى الفطر، وهو بإيصال ما فيه نفع البدن إلى الجوف، سواء ‏أكان مما يتغذى به أم يتداوى به. وأن هذه المذكورات ليست غذائية، ولا في معنى الغذاء-‏ولتحقيق الإفطار في الصورة، وهو الابتلاع.‏
وكل مالا يتغذى به، ولا يتداوى به عادة، لا يوجب الكفارة.‏

ثانيا: قضاء الوطر أو الشهوة على وجه القصور:‏
وذلك في الصور الآتية:‏
أ- تعمد إنزال المني بلا جماع، وذلك كالاستمناء بالكف أو بالتبطين والتفخيذ، أو باللمس ‏والتقبيل ونحوهما.‏
ذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنبلية-: إلى أنه يوجب القضاء دون الكفارة.‏
وذهب المالكية إلى أنه يوجب القضاء والكفارة معاً.‏
ب- الإنزال بوطء ميتة أو بهيمة، أو صغيرة لا تشتهى:‏
وهو يفسد الصوم، لأن فيه قضاء إحدى الشهوتين، وأنه ينافي الصوم، ولا يوجب ‏الكفارة، لتمكن النقصان في قضاء الشهوة، فليس بجماع.‏
ذهب الحنابلة إلى خلاف ذلك، فإنه لا فرق عندهم بين كون الموطوءة كبيرة أو صغيرة، ‏ولا بين العمد والسهو، ولا بين الجهل والخطأ، وفي كل ذلك القضاء والكفارة، لإطلاق حديث ‏الأعرابي.‏
وذهب المالكية: إلى إيجاب الكفارة، لتعمد إخراج المني.‏
ج- المساحقة بين المرأتين إذا أنزلت:‏
عمل المرأتين، كعمل الرجال، جماع فيما دون الفرج.‏
ذهب الحنفية وهو وجه عند الحنابلة إلى عدم القضاء على واحدة منهما، إلا إذا أنزلت، ‏ولا كفارة مع الإنزال.‏
د- الإنزال بالفكر والنظر:‏
إنزال المنيِّ بالنظر أو الفكر، فيه التفصيل الآتي:-‏
مذهب الحنفية والشافعية أن الإنزال بالفكر -وإن طال- وبالنظر بشهوة، ولو إلى فرج ‏المرأة مراراً، لا يفسد الصوم، وإن علم أنه ينزل به، لأنه إنزال من غير مباشرة، فأشبه الاحتلام.‏
ومذهب المالكية أنه إن أمنى بمجرد الفكر أو النظر، من غير استدامة لهما، يفسد صومه ‏ويجب القضاء دون الكفارة. وإن استدامهما حتى أنزل فإن كانت عادته الإنزال بهما عند ‏الاستدامة، فالكفارة قطعاً، وإن كانت عادته عدم الإنزال بهما عند الاستدامة، فخالف عادته ‏وأمنى، فقولان في لزوم الكفارة.‏
ولو أمنى في أداء رمضان بتعمد نظرة واحدة يفسد صومه، ويجب القضاء، وفي وجوب ‏الكفارة وعدمه تأويلان، محلهما إذا كانت عادته الإنزال بمجرد النظر، وإلا فلا كفارة اتفاقاً.‏
ومذهب الحنابلة، التفرقة بين النظر وبين الفكر، ففي النظر، إذا أمنى يفسد الصوم، لأنه ‏أنزل بفعل يتلذذ به، ويمكن التحرز منه، فأفسد الصوم، كالإنزال باللمس، والفكر لا يمكن التحرز ‏منه، بخلاف النظر.‏
ولو أمذى بتكرار النظر، فظاهر كلام أحمد لا يفطر به، لأنه لا نص في الفطر به، ولا ‏يمكن قياسه على إنزال المني، لمخالفته إياه في الأحكام، فيبقى على الأصل.‏
وإذا لم يكرر النظر لا يفطر، سواء أمنى أو أمذى، وهو المذهب، لعدم إمكان التحرز، ‏ونص أحمد : يفطر بالمني لا بالمذي.‏
أما الفكر، فإن الإنزال به لا يفسد الصوم. استدلوا بحديث أبي هريرة رضى الله عنه: "إن ‏الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم" رواه البخاري.‏
ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع، ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر، ‏لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال.‏

ثالثاً: المعالجات ونحوها، وهي أنواع أهمها:‏
أ- الاستعاط:‏
الاستعاط: افتعال من السَّعوط، دواء يصب في الأنف والاستعاط.‏
‏ والإسعاط عند الفقهاء: إيصال الشيء إلى الدماغ من الأنف.‏
وإنما يفسد الاستعاط الصوم، بشرط أن يصل الدواء إلى الدماغ، والأنف منفذ إلى ‏الجوف، فلو لم يصل إلى الدماغ لم يضر، بأن لم يجاوز الخيشوم، فلو وضع دواء في أنفه ليلاً، ‏وهبط نهاراً، فلا شيء عليه.‏
ولو وضعه في النهار، ووصل إلى دماغه أفطر، لأنه واصل إلى جوف الصائم باختياره ‏فيفطره كالواصل إلى الحلق، والدماغ جوف - كما قرروا - والواصل إليه يغذيه، فيفطره، كجوف ‏البدن.‏
والواجب فيه القضاء لا الكفارة، لأن الكفارة موجب الإفطار صورة ومعنى، والصورة ‏هي الابتلاع، وهي منعدمة، والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط.‏
وهذا الحكم لا يخص صب الدواء، بل لو استنشق الماء، فوصل إلى دماغه أفطر عند ‏الحنفية.‏
ب- استعمال البخور:‏
ويكون بإيصال الدخان إلى الحلق، فيفطر، أما شم رائحة البخور ونحوه بلا وصول ‏دخانه إلى الحلق فلا يفطر ولو جاءته الرائحة واستنشقها، لأن الرائحة لا جسم لها.‏
فمن أدخل بصنعه دخاناً في حلقه، بأية صورة كان الإدخال، فسد صومه، سواء أكان ‏دخان عنبر أم عود أم غيرهما، حتى من تبخر بعود، فآواه إلى نفسه، واشتم دخانه، ذاكراً ‏لصومه، أفطر، لإمكان التحرز من إدخال المفطر جوفه ودماغه.‏
ج- بخار القدر:‏
بخار القدر، متى وصل للحلق باستنشاق أوجب القضاء، لأن دخان البخور وبخار القدر ‏كل منهما جسم يتكيف به الدماغ، ويتقوى به، أي تحصل له قوة كالتي تحصل من الأكل، أما لو ‏وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء عليه.‏
هذا بخلاف دخان الحطب، فإنه لا قضاء في وصوله للحلق، ولو تعمد استنشاقه، لأنه لا ‏يحصل للدماغ به قوة كالتي تحصل له من الأكل.‏
وقال الشافعية: لو فتح فاه عمداً حتى دخل الغبار في جوفه، لم يفطر على الأصح.‏
ومذهب الحنابلة الإفطار بابتلاع غربلة الدقيق وغبار الطريق، إن تعمده.‏
د- التدخين:‏
اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يفسد الصيام، لأنه من ‏المفطرات.‏
هـ- التقطير في الأذن:‏
ذهب جمهور الفقهاء، إلى فساد الصوم بتقطير الدواء أو الدهن أو الماء في الأذن.‏
فقال المالكية: يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق، مما ينماع أو لا ينماع. والمذهب: أن ‏الواصل إلى الحلق مفطر ولو لم يجاوزه، إن وصل إليه، ولو من أنف أو أذن أو عين نهاراً.‏
وتوجيهه عندهم: أنه واصل من أحد المنافذ الواسعة في البدن، وهي: الفم والأنف ‏والأذن، وأن كل ما وصل إلى المعدة من منفذ عال، موجب للقضاء، سواء أكان ذلك المنفذ واسعاً ‏أم ضيقاً. وأنه لا تفرقة عندهم، بين المائع وبين غيره في الواصل إلى المعدة من الحلق.‏
قال الشافعية: لو صب الماء أو غيره في أذنيه، فوصل دماغه أفطر على الأصح، وقال ‏بعضهم: الإفطار بالتقطير في الأذنين.‏
وقال الحنفية: بفساد الصوم بتقطير الدواء والدهن في الأذن، لأن فيه صلاحاً لجزء من ‏البدن، فوجد إفساد الصوم معنى.‏
أما إدخال الماء قصداً فيفسده، وأما دخوله دون قصد فلا يفسده.‏
و- مداواة الآمة والجائفة والجراح:‏
الآمة: جراحة في الرأس.‏
والجائفة: جراحة في البطن.‏
والمراد بهذا ما يصل إلى الجوف من غير المخارق الأصلية.‏
فإذا داوى الصائم الآمة أو الجراح، فمذهب الجمهور فساد الصوم، إذا وصل الدواء إلى ‏الجوف.‏
قال الشافعية: لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء أكان ‏الدواء رطباً أم يابساً.‏
وعلله الحنابلة بأنه أوصل إلى جوفه شيئاً باختياره، فأشبه ما لو أكل.‏
وعلله الحنفية -مع نصهم على عدم التفرقة بين الدواء الرطب وبين الدواء اليابس- بأن ‏بين جوف الرأس وجوف المعدة منفداً أصلياً، فمتى وصل إلى جوف الرأس، يصل إلى جوف ‏البطن.‏
ومذهب المالكية عدم الإفطار بمداواة الجراح، لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب، وإلا ‏لمات من ساعته.‏
ز- الاحتقان:‏
الاحتقان: صب الدواء أو إدخال نحوه في الدبر.‏
وقد يكون بمائع أو بغيره: فالاحتقان بالمائع من الماء -وهو الغالب- أو غير الماء.‏
ذهب جمهور الفقهاء والمالكية في قول مشهور إلى فساد الصوم ويوجب القضاء، وهو ‏معلل بأنه يصل به الماء إلى الجوف من منفذ مفتوح، وبأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل، ‏وبأنه أبلغ وأولى بوجوب القضاء من الاستعاط استدراكاً للفريضة الفاسدة.‏
ولا تجب الكفارة، لعدم استكمال الجناية على الصوم صورة ومعنى، كما هو سبب ‏الكفارة، بل هو لوجود معنى الفطر، وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى الجوف، دون صورته، ‏وهو الوصول من الفم دون ما سواه.‏
قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: "الفطر مما دخل، وليس مما يخرج" رواه ابن ‏أبي شيبة.‏
أما الاحتقان بالجامد، ففيه بعض الخلاف:‏
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة يفطر، لأنه واصل ‏إلى الجوف باختياره، فأشبه الأكل.‏
كذلك دخول طرف أصبع في المخرج حال الاستنجاء يفطر.‏
قال الشافعية: لو أدخل الرجل أصبعه أو غيرها دبره، وبقي البعض خارجاً، بطل ‏الصوم، باتفاق أصحابنا.‏
وذهب الحنفية إلى أن تغييب القطن ونحوه من الجوامد الجافة، يفسد الصوم، وعدم ‏التغييب لا يفسده، كما لو بقي طرفه خارجاً، لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة، ‏كإدخال الأصبع غير المبلولة، أما المبلولة بالماء والدهن فيفسده.‏
وخص المالكية الإفطار وإبطال الصوم، بالحقنة المائعة نصاً.‏
وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة؟ قال مالك: أرى ذلك خفيفاً، ولا أرى عليه فيه شيئاً، ‏قال مالك: وإن احتقن بشيء يصل إلى جوفه، فأرى عليه القضاء. أي: ولا كفارة عليه.‏
ح- الحقنة المتخذة في مسالك البول:‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:38 PM

ويعبر عن هذا الشافعية بالتقطير، ولا يسمونه احتقاناً وفيه هذا التفصيل:‏
الأول: التقطير في الإحليل، أي الذكر:‏
في التقطير أقوال:‏
‏ فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد، وهو وجه عند الشافعية، إلى أنه لا يفطر، سواء أوصل ‏المثانة أم لم يصل، لأنه ليس بين باطن الذكر وبين الجوف منفذ، وإنما يمر البول رشحاً، فالذي ‏يتركه فيه لا يصل إلى الجوف، فلا يفطر، كالذي يتركه في فيه ولا يبتلعه.‏
وللشافعية -مع ذلك- في المسألة أقوال:‏
أحدها: إذا قطر فيه شيئاً لم يصل إلى المثانة لم يفطر، وهذا أصحها.‏
الثاني: لا يفطر.‏
الثالث: إن جاوز الحشفة أفطر، وإلا لا.‏
الثاني: التقطير في فرج المرأة:‏
ذهب جمهور الفقهاء إلى فساد الصوم به.‏
رابعاً: التقصير في حفظ الصوم والجهل به:‏
الأول: التقصير:‏
أ- من صور التقصير ما لو تسحر أو جامع، ظاناً عدم طلوع الفجر، والحال أن الفجر ‏طالع.‏
ذهب الحنفية والمالكية في قول مشهور والشافعية في القول الصحيح والحنابلة: إلى أنه ‏يفطر ويجب عليه القضاء دون الكفارة. وذلك للشبهة، لأن الأصل بقاء الليل، والجناية قاصرة، ‏وهي جناية عدم التثبت، لا جناية الإفطار، لأنه لم يقصده، ولهذا صرحوا بعدم الإثم عليه.‏
وإذا لم يتبين له شيء، ذهب الحنفية: إلى عدم وجوب القضاء عليه، وقيل: يقضي ‏احتياطاً.‏
وكذلك الحكم إذا أفطر بظن الغروب، والحال أن الشمس لم تغرب، عليه القضاء ولا ‏كفارة عليه، لأن الأصل بقاء النهار.‏
قال المالكية: من شك في طلوع الفجر، حرم عليه الأكل، وقيل: يكره ... فإن أكل فعليه ‏القضاء وجوباً -على المشهور-، وإن شك في الغروب، لم يأكل اتفاقاً، فإن أكل فعليه القضاء.‏
وقيل عند الشافعية: لا يفطر في صورتي الشك في الغروب والفجر، وقيل: يفطر في ‏الأولى، دون الثانية.‏
ومن ظن أو اشتبه في الفطر، كمن أكل ناسياً فظن أنه أفطر، فأكل عامداً، فإنه لا تجب ‏عليه الكفارة، لقيام الشبهة الشرعية.‏
والقضاء في كلا الصورتين عند الحنفية.‏
أما لو فعل ما لا يظن به الفطر، كالفصد والحجامة والاكتحال واللمس والتقبيل بشهوة ‏ونحو ذلك، فظن أنه أفطر بذلك، فأكل عمداً، فإنه يقضى في تلك الصور ويكفر لأنه ظن في غير ‏محله.‏
فلو كان ظنه في محله فلا كفارة، كما لو أفتاه مفت -يعتمد على قوله ويؤخذ بفتواه في ‏البلد- بالإفطار في الحجامة فأكل عامداً، بعدما احتجم لا يكفر.‏
والمالكية قسموا الظن في الفطر إلى قسمين:‏
أ- تأويل قريب، وهو الذي يستند فيه المفطر إلى أمر موجود، يعذر به شرعاً، فلا كفارة ‏عليه، كما في هذه الصور:‏
‏- لو أفطر ناسياً، فظن لفساد صومه إباحة الفطر، فأفطر ثانياً عامداً، فلا كفارة عليه.‏
‏- أو لزمه الغسل ليلاً لجنابة أو حيض، ولم يغتسل إلا بعد الفجر، فظن الإباحة، فأفطر ‏عمداً.‏
‏- أو تسحر قرب الفجر، فظن بطلان صومه، فأفطر.‏
‏- أو قدم المسافر ليلاً، فظن أنه لا يلزمه صوم صبيحة قدومه، فأفطر مستنداً إلى هذا ‏التأويل، لا تلزمه الكفارة.‏
‏- أو أفطر لحجامة فعلها بغيره، أو فعلت به، فظن الإباحة، فإنه لا يكفر. لاستناده ‏لموجود، وهو قول عليه الصلاة والسلام: "أفطر الحاجم والمحجوم". رواه أبو داود.‏
‏- أو سافر دون مسافة القصر، فظن إباحة الفطر فبيت الفطر، فلا كفارة عليه.‏
‏- أو رأى هلال شوال نهاراً، يوم ثلاثين من رمضان، فاعتقد أنه يوم عيد، فأفطر.‏
فهؤلاء إذا ظنوا إباحة الفطر فأفطروا، فعليهم القضاء، ولا كفارة عليهم، وإن علموا ‏الحرمة، أوشكوا فيها فعليهم الكفارة.‏
ب- تأويل بعيد، وهو المستند فيه إلى أمر معدوم، أو موجود لكنه لم يعذر به شرعاً، فلا ‏ينفعه.‏
‏- فمن رأى هلال رمضان، فشهد عند حاكم، فَرُدَّ ولم يقبل لمانع، فظن إباحة الفطر، ‏فأفطر، فعلية الكفارة لبعد تأويله.‏
‏- أو بيَّت الفطر وأصبح مفطراً، في يومٍ لحمَّى تأتيه فيه عادة، ثم حُمَّ في ذلك اليوم، ‏وأولى إن لم يحمّ.‏
‏- أو بيتت الفطر امرأة لحيض اعتادته في يومها، ثم حصل الحيض بعد فطرها، واولى ‏إن لم يحصل.‏
‏- أو اغتاب شخصاً في نهار رمضان، فظن إباحة الفطر فأفطر، فعليه الكفارة.‏
ونص الشافعية على أن من جامع عامداً، بعد الأكل ناسياً، وظن أنه أفطر به، لا كفارة ‏عليه، وإن كان الأصح بطلان صومه بالجماع، لأنه جامع وهو يعتقد أنه غير صائم، فلم يأثم به، ‏لذلك قيل: لا يبطل صومه، وبطلانه مقيس على من ظن الليل وقت الجماع، فبان خلافه.‏
وأما لو قال: علمت تحريمه، وجهلت وجوب الكفارة، لزمته الكفارة بلا خلاف.‏
ونص الحنابلة على أنه لو جامع في يوم رأى الهلال في ليلته، وردت شهادته لفسقه أو ‏غيره، فعليه القضاء والكفارة، لأنه أفطر يوماً من رمضان بجماع، فلزمته كما لو قبلت شهادته.‏
وإذا لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسي النية، أو أكل عامداً، ثم جامع ‏تجب عليه الكفارة، لهتكه حرمة الزمن به، ولأنها تجب على المستديم للوطء، ولا صوم هناك، ‏فكذا هنا.‏
الثاني: الجهل:‏
ب- الجهل: عدم العلم بما من شأنه أن يعلم.‏
ذهب الجمهور من الحنفية والشافعية، هو مشهور مذهب المالكية، على إعذار حديث ‏العهد بالإسلام، إذا جهل الصوم في رمضان.‏
قال الحنفية: يعذر من أسلم بدار الحرب فلم يصم، ولم يصل، ولم يزك بجهله بالشرائع، ‏مدة جهله، لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله، ولم يوجد، إذ لا دليل عنده على فرض ‏الصلاة والصوم.‏
وقال الشافعية: لو جهل تحريم الطعام أو الوطء، بأن كان قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ‏بعيداً عن العلماء، لم يفطر، كما لو غلب عليه القيء.‏
والمعتمد عند المالكية: أن الجاهل بأحكام الصيام لا كفارة عليه، وليس هو كالعامد.‏
والجاهل عندهم على ثلاثة أقسام: فجاهل حرمة الوطء، وجاهل رمضان، لا كفارة ‏عليهما، وجاهل وجوب الكفارة -مع علمه بحرمة الفعل- تلزمه الكفارة.‏
وذهب الحنابلة إلى وجوب الكفارة، وصرحوا بالتسوية بين العامد والجاهل والمكره ‏والساهي والمخطئ.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:38 PM

خامساً: عوارض الإفطار:‏
المراد بالعوارض: ما يبيح عدم الصوم.‏
وهي: المرض، والسفر، والحمل، والرضاع، والهرم، وإرهاق الجوع والعطش، ‏والإكراه.‏
أولاً: المرض:‏
المرض هو: كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة.‏
أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة والأصل فيه قول الله تعالى: {وَمَنْ ‏كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].‏
وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه قال: "لما نزلت هذه الآية: ‏
‏{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر، يفطر ويفتدى، حتى أنزلت ‏الآية التي بعدها يعني قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ ‏الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ ‏أُخَرَ} [البقرة: 185] فنسختها رواه البخاري.‏
فالمريض الذي يخاف زيادة مرضه بالصوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو، له أن يفطر، ‏بل يسن فطره، ويكره إتمامه، لأنه قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه.‏
ثم إن شدة المرض تجيز الفطر للمريض. أما الصحيح إذا خاف الشدة أو التعب، فإنه لا ‏يجوز له الفطر، إذا حصل له بالصوم مجرد شدة تعب.‏
وقال الحنفية: إذا خاف الصحيح المرض بغلبة الظن فله الفطر، فإن خافه بمجرد الوهم، ‏فليس له الفطر.‏
وقال المالكية: إذا خاف حصول أصل المرض بصومه، فإنه لا يجوز له الفطر -على ‏المشهور- إذ لعلَّه لا ينزل به المرض إذا صام.‏
فإن خاف كل من المريض والصحيح الهلاك على نفسه بصومه، وجب الفطر. وكذا لو ‏خاف أذى شديداً، كتعطيل منفعة، من سمع أو بصر أو غيرهما، لأن حفظ النفس والمنافع واجب، ‏وهذا بخلاف الجهد الشديد، فإنه يبيح الفطر للمريض.‏
وقال الشافعية: إن المريض -وإن تعدى بفعل ما أمرضه- يباح له ترك الصوم، إذا وجد ‏به ضرراً شديداً، لكنهم شرطوا لجواز فطره نية الترخص.‏
وفرّقوا بين المرض المطبق، وبين المرض المتقطع: فإن كان المرض مطبقاً، فله ترك ‏النية في الليل.‏
وإن كان يحم وينقطع، نظر: فإن كان محموماً وقت الشروع في الصوم، فله ترك النية، ‏وإلا فعليه أن ينوي من الليل، فإن احتاج إلى الإفطار أفطر.‏
ومثل ذلك الحصَّاد والبنَّاء والحارس -ولو متبرعاً- فتجب عليهم النية ليلاً، ثم إن لحقتهم ‏مشقة أفطروا.‏
ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم.‏
وشرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا ‏يلحق به مشقة ظاهرة فلم يجز له الفطر.‏
وقال الحنابلة: المعتبر خوف الضرر، أما خوف التلف بسبب الصوم فإنه يجعل الصوم ‏مكروهاً، وجزم جماعة بحرمته، ولا خلاف في الإجزاء، لصدوره من أهله في محله، كما لو أتم ‏المسافر.‏
قالوا: ولو تحمل المريض الضرر، وصام معه، فقد فعل مكروهاً، لما يتضمنه من ‏الإضرار بنفسه، وتركه تخفيفاً من الله وقبول رخصته، لكن يصح صومه ويجزئه، لأنه عزيمة ‏أبيح تركها رخصة، فإذا تحمله أجزأه، لصدوره من أهله في محله، كما أتم المسافر، وكالمريض ‏الذي يباح له ترك الجمعة، إذا حضرها.‏
وقال المالكية للمريض أحوال:‏
الأولى: أن لا يقدر على الصوم أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام، ‏فالفطر عليه واجب.‏
الثانية: أن يقدر على الصوم بمشقة، فالفطر له جائز.‏
الثالثة: أن يقدر بمشقة، ويخاف زيادة المرض، ففي وجوب فطره قولان.‏
الرابعة: أن لا يشق عليه، ولا يخاف زيادة المرض، فلا يفطر.‏
وقال الشافعية على أنه إذا أصبح الصحيح صائماً، ثم مرض، جاز له الفطر بلا خلاف، ‏لأنه أبيح له الفطر للضرورة، والضرورة موجودة، فجاز له الفطر.‏
ثانياً: السفر:‏
يشترط في السفر المرخص في الفطر ما يلي:‏
أ- أن يكون السفر طويلاً مما تقصر فيه الصلاة.‏
ب- أن لا يعزم المسافر الإقامة خلال سفره مدة أربعة أيام بلياليها عند المالكية ‏والشافعية، وأكثر من أربعة أيام عند الحنابلة، وهي نصف شهر أو خمسة عشر يوماً عند ‏الحنفية.‏
ج- أن لا يكون سفره في معصية، بل في غرض صحيح عند الجمهور، وذلك: لأن ‏الفطر رخصة وتخفيف، فلا يستحقها عاص بسفره، بأن كان مبنى سفره على المعصية، كما لو ‏سافر لقطع طريق مثلاً.‏
والحنفية يجيزون الفطر للمسافر، ولو كان عاصياً بسفره، عملاً بإطلاق النصوص ‏المرخصة، ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، والرخصة ‏تتعلق بالسفر لا بالمعصية.‏
د- أن يجاوز المدينة وما يتصل بها، والبناءات والأفنية والأخبية.‏
وذهب أصحاب المذاهب الأربعة، إلى أن من أدرك هلال رمضان وهو مقيم، ثم سافر، ‏جاز له الفطر، لأن الله تعالى جعل مطلق السفر سبب الرخصة، بقوله: ‏
‏{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ولما ثبت من "أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان مسافراً، وأفطر" رواه البخاري.‏
ولأن السفر إنما كان سبب الرخصة لمكان المشقة.‏
وفي وقت جواز الفطر للمسافر ثلاث أحوال: ‏
الأولى: أن يبدأ السفر قبل الفجر، أو يطلع الفجر وهو مسافر، وينوي الفطر، فيجوز له ‏الفطر إجماعاً، لأنه متصف بالسفر، عند وجود سبب الوجوب.‏
الثانية: أن يبدأ السفر بعد الفجر، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده، ثم يسافر بعد طلوع ‏الفجر، أو خلال النهار، فإنه لا يحل له الفطر بإنشاء السفر بعدما أصبح صائماً، ويجب عليه إتمام ‏ذلك اليوم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وهو الصحيح من مذهب الشافعية. وذلك تغليباً لحكم ‏الحضر.‏
ومع ذلك لا كفارة عليه في إفطاره عند الحنفية، وفي المشهور من مذهب المالكية، ‏وذلك للشبهة في آخر الوقت. ولأنه لما سافر بعد الفجر صار من أهل الفطر، فسقطت عنه ‏الكفارة.‏
والصحيح عند الشافعية أنه يحرم عليه الفطر حتى لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة.‏
والمذهب عند الحنابلة وهو أصح الروايتين عن أحمد، أن من نوى الصوم في الحضر، ‏ثم سافر في أثناء اليوم، طوعاً أو كرهاً، فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة، ‏وخروجه من بين بنيانها، واستدلوا بما يلي:‏
‏- ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].‏
‏- وحديث جابر -رضي الله تعالى عنه- "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى ‏مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم ‏الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب -والناس ينظرون ‏إليه- فأفطر بعضهم، وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صاموا، فقالوا: أولئك العصاة" رواه الترمذي.‏
‏- وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏عام الفتح إلى مكة، في شهر رمضان، فصام حتى مر بغدير في الطريق، وذلك في نحر الظهيرة. ‏قال: فعطش الناس، وجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه. قال: فدعا رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم بقدح فيه ماء، فأمسكه على يده، حتى رآه الناس، ثم شرب، فشرب الناس" رواه أحمد.‏
‏- وقالوا: إن السفر مبيح للفطر، فإباحته في أثناء النهار كالمرض الطاريء ولو كان ‏بفعله.‏
وقد نص الحنابلة، المؤيدون لهذا الرأي على أن الأفضل لمن سافر في أثناء يوم نوى ‏صومه إتمام صوم ذلك اليوم، خروجاً من خلاف من لم يبح له الفطر، وهو قول أكثر العلماء، ‏تغليباً لحكم الحضر، كالصلاة.‏
الثالثة: أن يفطر قبل مغادرة بلده.‏
وقد منع من ذلك الفقهاء، وقالوا: إن رخصة السفر لا تتحقق بدونه، كما لا تبقى بدونه، ‏ولما يتحقق السفر بعد، بل هو مقيم وشاهد، وقد قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ‏‏[البقرة: 185] ولا يوصف بكونه مسافراً حتى يخرج من البلد، ومهما كان في البلد فله أحكام ‏الحاضرين، ولذلك لا يقصر الصلاة.‏
ويتصل بهذه المسائل في إفطار المسافر:‏
ما لو نوى في سفره الصوم ليلاً، وأصبح صائماً، من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، ‏لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا ‏كفارة عليه للشبهة.‏
وقال الحنفية: وكذا لا كفارة عليه بالأولى، لو نوى نهاراً.‏
وقال المالكية: من كان في سفر، فأصبح على نية الصوم، لم يجز له الفطر إلا بعذر، ‏كالتغذي للقاء العدو، وعلى المشهور: إن أفطر، ففي وجوب الكفارة ثلاثة أقوال: يفرق في الثالث ‏بين أن يفطر بجماع فتجب، أو بغيره فلا تجب.‏
وقال الحنابلة: لو أصبح صائماً في السفر، ثم أراد الفطر، جاز من غير عذر، لأن العذر ‏قائم -وهو السفر- أو لدوام العذر.‏
وزاد الحنابلة أن له الفطر بما شاء، من جماع وغيره، كأكل وشرب، لأن من أبيح له ‏الأكل أبيح له الجماع، كمن لم ينو، ولا كفارة عليه بالوطء، لحصول الفطر بالنية قبل الجماع، ‏فيقع الجماع بعده.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:39 PM

صحة الصوم في السفر:‏
ذهب الأئمة الأربعة، إلى أن الصوم في السفر جائز صحيح منعقد، وإذا صام وقع صيامه ‏وأجزأه.‏
والأئمة الأربعة، الذين ذهبوا إلى صحة الصوم في السفر، اختلفوا بعد ذلك في أيهما ‏أفضل، الصوم أم الفطر، أو هما متساويان؟
فمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو وجه عند الحنابلة: أن الصوم أفضل، إذا لم ‏يجهده الصوم ولم يضعفه.‏
وصرح الحنفية والشافعية بأنه مندوب.‏
ومذهب الحنابلة: أن الفطر في السفر أفضل، وهذا هو المذهب. قالوا : والمسافر سفر ‏قصر يسن له الفطر.‏
ويكره صومه، ولو لم يجد مشقة. وعليه الأصحاب، ونص عليه، سواء وجد مشقة أو لا.‏
واستدل هؤلاء بحديث جابر -رضي الله تعالى عنه-: "ليس من البر الصوم في السفر" ‏رواه البخاري وزاد في رواية: "عليكم برخصة الله الذي رخص لكم فاقبلوها" رواه مسلم.‏
انقطاع رخصة السفر:‏
تسقط رخصة السفر بأمرين اتفاقاً:‏
الأول: إذا عاد المسافر إلى بلده، ودخل وطنه، وهو محل إقامته، ولو كان دخوله بشيء ‏نسيه، يجب عليه الصوم، كما لو قدم ليلاً، أو قدم قبل نصف النهار عند الحنفية.‏
أما لو قدم نهاراً، ولم ينو الصوم ليلاً، أو قدم بعد نصف النهار -عند الحنفية، ولم يكن ‏نوى الصوم قبلاً- فإنه يمسك بقية النهار، على خلاف وتفصيل في وجوب إمساكه.‏
الثاني: إذا نوى المسافر الإقامة مطلقاً، أو مدة الإقامة التي تقدمت في شروط جواز فطر ‏المسافر في مكان واحد، وكان المكان صالحاً للإقامة، لا كالسفينة والمفازة ودار الحرب، فإنه ‏يصير مقيماً بذلك، فيتم الصلاة، ويصوم ولا يفطر في رمضان، لانقطاع حكم السفر.‏
وصرحوا بأنه يحرم عليه الفطر -على الصحيح- لزوال العذر، وفي قول يجوز له ‏الفطر، اعتباراً بأول اليوم.‏
وقال المالكية: إن السفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلا بالنية والفعل، بخلاف الإقامة، فإنها ‏توجب الصوم والإتمام بالنية دون الفعل.‏
وإذا لم ينو الإقامة لكنه أقام لقضاء حاجة له، بلا نية إقامة، ولا يدري متى تنقضي أو كان ‏يتوقع انقضاءها في كل وقت، فإنه يجوز له أن يفطر، كما يقصر الصلاة.‏
قال الحنفية: ولو بقى على ذلك سنين.‏
فإن ظن أنها لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام عند الجمهور، أو خمسة عشر يوماً عند ‏الحنفية، فإنه يعتبر مقيماً، فلا يفطر ولا يقصر، إلا إذا كان الفرض قتالاً، أو دخل المسلمون ‏أرض الحرب أو حاصروا حصناً فيها، أو كانت المحاصرة للمصر على سطح البحر، فإن لسطح ‏البحر حكم دار الحرب.‏
ودليل هذا " أنه -صلى الله عليه وسلم- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أبو ‏داود.‏
ويلاحظ أن الفطر كالقصر الذي نصوا عليه في صلاة المسافر، من حيث الترخص، فإن ‏المسافر له سائر رخص السفر.‏
ثالثاً: الحمل والرضاع:‏
اتفق الفقهاء على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا في رمضان، بشرط أن تخافا على ‏أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته، أو الضرر أو الهلاك، فالولد من الحامل بمنزلة عضو ‏منها، فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها.‏
لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏قال: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو ‏الصيام" رواه الترمذي.‏
رابعاً: الشيخوخة والهرم:‏
وتشمل الشيخوخة والهرم ما يلي:‏
‏- الشيخ الفاني، وهو الذي فنيت قوته، أو أشرف على الفناء، وأصبح كل يوم في نقص ‏إلى أن يموت.‏
‏- المريض الذي لا يرجى برؤه، وتحقق اليأس من صحته.‏
‏- العجوز، وهي المرأة المسنة.‏
وقيد الحنفية عجز الشيخوخة والهرم، بأن يكون مستمراً، فلو لم يقدرا على الصوم لشدة ‏الحر مثلاً، كان لهما أن يفطرا، ويقضياه في الشتاء.‏
ولا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يلزمهما الصوم، ونقل الإجماع عليه، وأن لهما أن ‏يفطرا، إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة.‏
خامساً: إرهاق الجوع والعطش:‏
من أرهقه جوع مفرط، أو عطش شديد، فإنه يفطر ويقضي. وقيده الحنفية بأمرين:‏
الأول: أن يخاف على نفسه الهلاك، بغلبة الظن، لا بمجرد الوهم، أو يخاف نقصان ‏العقل، أو ذهاب بعض الحواس، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك أو على ‏أولادهما.‏
الثاني: أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه، إذ لو كان به تلزمه الكفارة، وقيل: لا.‏
وقال المالكية: فإن خاف على نفسه حرم عليه الصيام، وذلك لأن حفظ النفس والمنافع ‏واجب.‏
وقال الشافعية: ومثل المرض غلبة جوع وعطش، لا نحو صداع، ووجع أذن وسن ‏خفيفة.‏
ومثلوا له بأرباب المهن الشاقة، لكن قالوا: عليه أن ينوي الصيام ليلا، ثم إن احتاج إلى ‏الإفطار، ولحقته مشقة، أفطر.‏
قال الحنفية: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخبَّاز والحصَّاد، إذا علم أنه لو اشتغل ‏بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة.‏
وقال الحنابلة: من صنعته شاقة، فإن خاف بالصوم تلفاً، أفطر وقضى، إنْ ضرَّه ترك ‏الصنعة، فإن لم يضره تركها أثم بالفطر وبتركها، وإن لم ينتف الضرر بتركها، فلا إثم عليه ‏بالفطر للعذر.‏
وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش خوف الضعف عن لقاء العدو المتوقع أو المتيقن كأن ‏كان محيطاً : فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظن القتال بسبب وجوده بمقابلة العدو، ويخاف ‏الضعف عن القتال بالصوم، وليس مسافراً، له الفطر قبل الحرب.‏
قال الحنفية: فإن لم يتفق القتال فلا كفارة عليه، لأن في القتال يحتاج إلى تقديم الإفطار، ‏ليتقوى ولا كذلك المرض.‏
ولا خلاف بين الفقهاء، في أن المرهق ومن في حكمه، يفطر، ويقضي-كما ذكرنا-وإنما ‏الخلاف بينهم فيما إذا أفطر المرهق، فهل يمسك بقية يومه، أم يجوز له الأكل؟
سادساً: الإكراه:‏
الإكراه: حمل إنسان غيره، على فعل أو ترك مالا يرضاه بالوعيد.‏
ومذهب الحنفية والمالكية: أن من أكره على الفطر فأفطر قضى.‏
قالوا: إذا أكره الصائم بالقتل على الفطر، بتناول الطعام في شهر رمضان، وهو صحيح ‏مقيم، فمرخص له به، والصوم أفضل، حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل، يثاب عليه، لأن ‏الوجوب ثابت حالة الإكراه، وأثر الرخصة في الإكراه هو سقوط المأثم بالترك، لا في سقوط ‏الوجوب، بل بقي الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، وإذا كان الوجوب ثابتاً، والترك حراماً، كان حق ‏الله تعالى قائماً، فهو بالامتناع بذل نفسه لإقامه حق الله تعالى، طلباً لمرضاته، فكان مجاهداً في ‏دينه، فيثاب عليه.‏
وأما إذا كان المكرَهُ مريضاً أو مسافراً، فالإكراه-حينئذٍ مبيح مطلق، في حق كل منهما، ‏بل موجب، والأفضل هو الإفطار، بل يجب عليه ذلك، ولا يسعه أن لا يفطر، حتى لو امتنع من ‏ذلك، فقتل، يأثم.‏
ووجه الفرق: أن في الصحيح المقيم كان الوجوب ثابتاً قبل الإكراه من غير رخصة ‏الترك أصلاً، فإذا جاء الإكراه -وهو سبب من أسباب الرخصة- كان أثره في إثبات رخصة ‏الترك، لا في إسقاط الوجوب.‏
وأما في المريض والمسافر، فالوجوب مع رخصة الترك، كان ثابتاً قبل الإكراه، فلا بد ‏أن يكون للإكراه أثر آخر لم يكن ثابتاً قبله، وليس ذلك إلا إسقاط الوجوب رأساً، وإثبات الإباحة ‏المطلقة، فنزل منزلة الإكراه على أكل الميتة، وهناك يباح له الأكل، بل يجب عليه، فكذا هنا.‏
وفرق الشافعية بين الإكراه على الأكل أو الشرب، وبين الإكراه على الوطء:‏
فقالوا في الإكراه على الأكل: لو أكره حتى أكل أو شرب لم يفطر، كما لو أوجر في حلقه ‏مكرها، لأن الحكم الذي ينبني على اختياره ساقط لعدم وجود الاختيار.‏
أما لو أكره على الوطء زنى، فإنه لا يباح بالإكراه، فيفطر به، بخلاف وطء زوجته.‏
ومذهب الحنابلة: فلو أكره على الفعل، أو فعل به ما أكره عليه، بأن صب في حلقه، ‏مكرهاً أو نائماً، كما لو أوجر المغمى عليه معالجة، لا يفطر، ولا يجب عليه القضاء، ‏لحديث:"وما استكرهوا عليه".‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:39 PM

‏18- ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة:‏
أولاً: الجماع عمداً:‏
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن جماع الصائم في نهار رمضان عامداً مختاراً بأن يلتقي ‏الختانان وتغيب الحشفة في أحد السبيلين مفطر يوجب القضاء والكفارة، أنزل أو لم ينزل.‏
وفي قول ثان للشافعية لا يجب القضاء، لأن الخلل انجبر بالكفارة.‏
وفي قول ثالث للشافعية: إن كفر بالصوم دخل فيه القضاء، وإلا فلا يدخل فيجب القضاء.‏
وذهب الحنابلة: إلى أنه إذا جامع في نهار رمضان -بلا عذر- آدمياً أو غيره حياً أو ميتاً ‏أنزل أم لا فعليه القضاء والكفارة، عامداً كان أو ساهياً، أو جاهلاً أو مخطئاً، مختاراً أو مكرهاً، ‏وهذا لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه ‏وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، ‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم ‏شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعامَ ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: فمكث النبي صلى الله ‏عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرقٍ فيها تمر، قال: أين السائل؟ ‏فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله، فواللهِ ما بين لابيتها -‏يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم ‏قال: أطعمه أهلك" رواه البخاري.‏
ولا خلاف في فساد صوم المرأة بالجماع لأنه نوع من المفطرات، فاستوى فيه الرجل ‏والمرأة. وإنما الخلاف في وجوب الكفارة عليها:‏
فمذهب أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد وهي المذهب عند الحنابلة، وجوب الكفارة ‏عليها أيضاً، لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها كالرجل.‏
وعلل الحنفية وجوبها عليها، بأن السبب في ذلك هو جناية الإفساد، لا نفس الوقاع، وقد ‏شاركته فيها، وقد استويا في الجناية، والبيان في حق الرجل بيان في حق المرأة، فقد وجد فساد ‏صوم رمضان بإفطار كامل حرامٍ محض متعمد، فتجب الكفارة عليها بدلالة النص، ولا يتحمل ‏الرجل عنها، لأن الكفارة عبادة أو عقوبة، ولا يجري فيها التحمل.‏
وقال الشافعية: أنه لا كفارة عليها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في ‏رمضان أن يعتق رقبة، ولم يأمر المرأة بشيء، مع علمه بوجود ذلك منها. ولأن الجماع فعله، ‏وإنما هي محل الفعل.‏
وقال الحنابلة: إن أكرهت المرأة على الجماع في نهار رمضان حتى مكنت الرجل منها ‏لزمتها الكفارة، وإن غصبت أو أتيت نائمة فلا كفارة عليها.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:40 PM

ثانياً: الأكل والشرب عمداً:‏
مما يوجب القضاء والكفارة، عند الحنفية والمالكية: الأكل والشرب.‏
فإذا أكل الصائم، في أداء رمضان أو شرب غذاء أو دواء، طائعاً عامداً، بغير خطأ ولا ‏إكراه ولا نسيان، أفطر وعليه الكفارة.‏
وضابطه عند الحنفية: وصول ما فيه صلاح بدنه لجوفه، بأن يكون مما يؤكل عادة على ‏قصد التغذي أو التداوي أو التلذذ، أو مما يميل إليه الطبع، وتنقضي به شهوة البطن، وإن لم يكن ‏فيه صلاح البدن، بل ضرره.‏
وشرط الحنفية أيضاً لوجوب الكفارة: أن ينوي الصوم ليلاً، وأن لا يكون مكرهاً، وأن لا ‏يطرأ عذر شرعي لا صنع له فيه، كمرض وحيض.‏
وشرط المالكية: أن يكون إفساد صوم رمضان خاصة، عمداً قصداً لانتهاك حرمة ‏الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.‏
وتجب الكفارة في شرب الدخان عند -الحنفية والمالكية- فإنه ربما أضر البدن، لكن ‏تميل إليه بعض الطباع، وتنقضي به شهوة البطن، يضاف إلى ذلك أنه مفتر وحرام، لحديث أم ‏سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر".‏
ودليل وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عمداً، ما ورد في الصحيح عن أبي هريرة -‏رضي الله تعالى عنه-: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان، أن ‏يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً" فإنه علق الكفارة بالإفطار، وهي ‏وإن كانت واقعة حال لا عموم لها، لكنها علقت بالإفطار لا باعتبار خصوص الإفطار ولفظ ‏الراوي عام.‏
ومذهب الشافعية والحنابلة عدم وجوب الكفارة على من أكل أو شرب عمداً في نهار ‏رمضان أداء، وذلك لأن النص -وهو حديث الأعرابي الذي وقع على امرأته في رمضان- ورد ‏في الجماع، وما عداه ليس في معناه. ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا، ولا إجماع.‏
ولا يصح قياسه على الجماع، لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمسّ، والحكمة في التعدي به ‏آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرماً.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:41 PM

ثالثاً: رفع النية:‏
ومما يوجب الكفارة عند المالكية، ما لو تعمد رفع النية نهاراً، كأن يقول -وهو صائم: ‏رفعت نية صومي، أو يقول رفعت نيتي.‏
وأولى من ذلك، رفع النية في الليل، كأن يكون غير ناوٍ للصوم، لأنه رفعها في محلها فلم ‏تقع النية في محلها.‏
وكذلك تجب الكفارة عند المالكية بالإصباح بنية الفطر، ولو نوى الصيام بعده.‏
أما إن علق الفطر على شيء، كأن يقول : إن وجدت طعاماً أكلت فلم يجده، أو وجده ولم ‏يفطر فلا قضاء عليه.‏
أما عند الحنابلة: فإنه يجب القضاء بترك النية دون الكفارة.‏
وعند الحنفية، وعند الشافعية: لا يجب القضاء.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:41 PM

‏19- ما لا يفسد الصوم:‏
أولاً: الأكل والشرب في حال النسيان:‏
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأكل والشرب في حال النسيان لا يفسد ‏الصوم فرضاً أو نفلاً، خلافاً للمالكية.‏
ثانياً: الجماع في حال النسيان:‏
ذهب الحنفية والشافعية أن الجماع في حال النسيان لا يفطر قياساً على الأكل والشرب ‏ناسياً.‏
وذهب المالكية وهو ظاهر مذهب الحنابلة إلى أن من جامع ناسياً فسد صومه، وعليه ‏القضاء فقط عند المالكية، والقضاء والكفارة عند الحنابلة.‏
ثالثاً: دخول الغبار ونحوه حلق الصائم:‏
إذا دخل حلق الصائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصائم ذاكراً ‏لصومه، لم يفطر إجماعاً، لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه.‏
وكذلك إذا دخل الدمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنه لا يفسد صومه، لأن ‏التحرز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.‏
رابعاً: الادّهان:‏
ذهب الجمهور إلى أنه لو دهن الصائم رأسه، أو شاربه لا يضره ذلك، وكذا لو اختضب ‏بحنّاء، فوجد الطعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من ‏المسام،، وقال المالكية بوجوب القضاء.‏
خامساً: الاحتلام:‏
إذا نام الصائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمه إجماعاً، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه ويجب ‏عليه الاغتسال.‏
وفي الحديث عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: "ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام" رواه الترمذي.‏
ومن أجنب ليلاً، ثم أصبح صائماً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه عند الجمهور.‏
وقال الحنفية: وإن بقي جنباً كل اليوم، وذلك: لحديث عائشة وأم سلمة -رضي الله تعالى ‏عنهما- قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام ثم ‏يغتسل، ثم يصوم" رواه البخاري.‏
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح جنباً ‏فلا صوم له" رواه البخاري ومسلم، وحمل على النسخ أو الإرشاد إلى الأفضل، وهو: أنه يستحب ‏أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أول الصوم.‏
سادساً: البلل في الفم:‏
مما لا يفسد الصوم البلل الذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصائم مع الريق، ‏بشرط أن يبصق بعد مج الماء، لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، ولا تشترط ‏المبالغة في البصق، لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة، لا يمكن التحرز عنه.‏
سابعاً: ابتلاع ما بين الأسنان:‏
ذهب الحنفية إلى أنَّ ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنه تبع ‏لريقه، ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ‏ممكن وهذا عند الحنفية.‏
والقليل: هو ما دون الحمصة، ولو كان قدرَها أفطر.‏
وذهب الشافعية إلى فساد الصوم مطلقاً، بابتلاع القليل والكثير، لأن الفم له حكم الظاهر.‏
وللشافعية قول آخر بعدم الإفطار به مطلقاً.‏
وشرط الشافعية والحنابلة، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:‏
أولهما: أن لا يقصد ابتلاعه.‏
والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجه، لأنه معذور فيه غير مفرط، فإن قدر عليهما أفطر، ‏ولو كان دون الحمصة، لأنه لا مشقة في لفظه، والتحرز عنه ممكن.‏
ومذهب المالكية: عدم الإفطار بما سبق إلى جوفه من بين أسنانه، ولو عمداً، لأنه أخذه ‏في وقت يجوز له أخذه فيه.‏
ثامناً: دم اللثة والبصاق:‏
ذهب الحنفية إلى أنه لو دميت لثته، فدخل ريقه حلقه مخلوطاً بالدم، ولم يصل إلى جوفه، ‏لا يفطر وإن كان الدم غالباً على الريق، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه ‏أو ما يبقى من أثر المضمضة، أما لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدم فسد صومه، وعليه القضاء ‏ولا كفارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، وكذا إن تساويا.‏
ولو خرج البصاق على شفتيه ثم ابتلعه، فسد صومه، ولو ترطبت شفتاه ببزاقه، عند ‏الكلام ونحوه، فابتلعه، لا يفسد صومه.‏
ومذهب الشافعية والحنابلة: الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم ‏نجس لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئاً نجساً لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لم ‏تخالطه النجاسة.‏
تاسعاً: ابتلاع النخامة:‏
النخامة هي: النخامة، وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.‏
ومذهب الحنفية والمعتمد عند المالكية: أن النخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرأس، ‏أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسعال أو التنحنح -ما لم يفحش البلغم- لا يفطر مطلقاً.‏
وفي نصوص المالكية: إن البلغم لا يفطر مطلقاً، ولو وصل اللسان، لمشقته.‏
وذهب الشافعية إلى تفصيل ذلك:‏
‏- إن اقتلع النخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصح، لأن الحاجة إليه مما ‏يتكرر.‏
وفي قول: يفطر بها كالاستقاءة.‏
‏- ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.‏
‏- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم أفطر جزماً.‏
‏- وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجها، فإن تركها مع ‏القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصح، لتقصيره.‏
وفي قول: لا يفطر، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما أمسك عن الفعل.‏
‏- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.‏
وذهب الحنابلة إلى أنه يحرم على الصائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا ‏بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنها من غير الفم، فأشبه القيء، ‏ولأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم.‏
عاشراً: القيء:‏
يفرق بين ما إذا خرج القيء بنفسه، وبين الاستقاءة.‏
وعبر الفقهاء عن الأول، بما: إذا ذرعه القيء، أي غلب القيء الصائم.‏
فإذا غلب القيء، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، بأن ملأ ‏الفم، وهذا لحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ‏ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه الترمذي.‏
ذهب الحنفية إلى أنه لو عاد القيء بنفسه، في هذه الحال، بغير صنع الصائم، ولو كان ‏ملء الفم، مع تذكر الصائم للصوم، فلا يفسد صومه، لعدم وجود الصنع منه، ولأنه لم توجد ‏صورة الفطر، وهي الابتلاع، وكذا معناه، لأنه لا يتغذى به عادة، بل النفس تعافه.‏
ومذهب المالكية: أن المفطر في القيء هو رجوعه، سواء أكان القيء لعلة أو امتلاء ‏معدة، قَلَّ أو كثر، تغير أولا، رجع عمداً أو سهواً، فإنه مفطر وعليه القضاء.‏
ومذهب الحنابلة: أنه لو عاد القيء بنفسه، لا يفطر لأنه كالمكره، ولو أعاده أفطر، كما ‏لو أعاد بعد انفصاله عن الفم.‏
‏- أما الاستقاءة وهي: استخراج ما في الجوف عمداً، أو هي: تكلف القيء فإنها مفسدة ‏للصوم موجبة للقضاء عند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- مع اختلافهم في ‏الكفارة.‏
وذهب الحنفية إلى التفصيل في الاستقاءة:‏
أ- فإن كانت عمداً، والصائم متذكر لصومه، غير ناسٍ، والقيء ملء فمه، فعليه القضاء ‏للحديث المذكور، والقياس متروك به، ولا كفارة فيه لعدم صورة الفطر.‏
ب- وإن كان أقل من ملء الفم، لا يفسد، لعدم الخروج حكماً، هذا كله إذا كان القيء ‏طعاماً، أو مرة فإن كان الخارج بلغماً، فغير مفسد للصوم.‏
حادي عشر: طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:‏
اتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصح صومه. ‏فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثم تذكر ‏الصوم، صح صومه إن بادر إلى لفظه.‏
وذهب الشافعية والحنابلة وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر.‏
وذهب المالكية إلى أنه إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه -ولو غلَبه- أفطر.‏
‏- وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال.‏
فمذهب الحنفية والشافعية لا يفسد صومه، حتى لو أمنى بعد النزع، لا شيء عليه، ‏وصومه صحيح، لأنه كالاحتلام.‏
ومشهور مذهب المالكية: أنه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطلوع -لاقبله ولا ‏بعده- فلا قضاء، لأن الذي بعده من النهار والذي قبله من الليل، والنزع ليس وطأ.‏
والقول الآخر للمالكية هو وجوب القضاء.‏
وسبب هذا الاختلاف عند المالكية هو أنه: هل يعد النزع جماعاً، أولا يعد جماعاً؟ ولهذا ‏قالوا: من طلع عليه الفجر -وهو بجامع- فعليه القضاء، وقيل: والكفارة.‏
ومذهب الحنابلة: أن النزع جماع، فمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال، مع ‏أول طلوع الفجر، فعليه القضاء والكفارة، لأنه يلتذ بالنزع، كما يلتذ بالإيلاج، كما لو استدام بعد ‏طلوع الفجر.‏
‏- ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.‏
وفي وجوب الكفارة في المكث والبقاء، في هذه الحال، خلاف:‏
فظاهر الرواية في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية عدم وجوب الكفارة، لأنها ‏تجب بإفساد الصوم، والصوم منتف حال الجماع فاستحال إفساده، فلم تجب الكفارة.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:42 PM

‏20- مكروهات الصوم:‏
يكره للصائم بوجه عام -مع الخلاف- ما يلي:‏
أ- ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولو كان الصوم نفلاً، على ‏المذهب عند الحنفية، لأنه يحرم إبطال النفل بعد الشروع فيه، وظاهر إطلاق الكراهة يفيد أنها ‏تحريمية.‏
ومن العذر مضغ الطعام للولد، إذا لم تجد الأم منه بُدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها ‏منه بدُّ.‏
وليس من العذر، ذوق اللبن والعسل لمعرفة الجيد منه والرديء عند الشراء، فيكره ذلك. ‏وكذا ذوق الطعام، لينظر اعتداله، ولو كان لصانع الطعام.‏
لكن نقل عن الإمام أحمد قوله: أحب إليّ أن يجتنب ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس به، ‏بل قال بعض الحنابلة: إن المنصوص عنه: أنه لا بأس به لحاجة ومصلحة، وإلا كره.‏
وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.‏
ب- ويكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف.‏
ووجه الكراهة: اتهامه بالفطر، سواء أكان رجلاً أم امرأة، قال علي رضي الله تعالى ‏عنه: إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.‏
أما ما يتحلل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، فإن تفتت فوصل شيء منه ‏إلى جوفه عمداً أفطر، وإن شك في الوصول لم يفطر.‏
ج- تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.‏
د- ويرى جمهور الفقهاء أن المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء -كاللمس وتكرار النظر- ‏حكمها حكم القبلة فيما تقدم.‏
وخص الحنفية المباشرة الفاحشة، بالكراهة التحريمية، وهي -عندهم- أن يتعانقا، وهما ‏متجردان، ويمس فرجه فرجها. ونصوا على أن الصحيح أنها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال ‏والجماع، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي: أن يمص شفتها، فيكره على الإطلاق.‏
هـ- الحجامة، وهي أيضاً مما يكره للصائم -في الجملة-، وهي استخراج الدم المحقن من ‏الجسم، مصاً أو شَرْطاً.‏
ومذهب الجمهور أنها لا تفطر الحاجم ولا المحجوم، ولكنهم كرهوها بوجه عام.‏
وقال الحنفية: لا بأس بها، إن أمن الصائم على نفسه الضعف، أما إذا خاف الضعف، ‏فإنها تكره.‏
وقال المالكية: إن المريض والصحيح، إذا علمت سلامتهما بالحجامة أو ظنت، جازت ‏الحجامة لهما، وإن علم أو ظن عدم السلامة لهما حرمت لهما، وفي حالة الشك تكره للمريض، ‏وتجوز للصحيح.‏
قالوا: إن محل المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلاكاً أو شديد أذى، وإلا وجب فعلها ‏وإن أدت للفطر، ولا كفارة عليه.‏
وقال الشافعية: يستحب الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم، لأنها تضعفه.‏
ودليل عدم الإفطار بالحجامة، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن النبي صلى ‏الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري.‏
ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة ‏للصائم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف" رواه البخاري.‏
ومذهب الحنابلة: أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، لحديث رافع بن خديج -‏رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه الترمذي.‏
‏- أما الفصد، فقد نص الحنفية علىكراهته، كالحجامة، وكراهة كل عمل شاق، وكل ما ‏يظن أنه يضعف عن الصوم، وكذلك صرح المالكية والشافعية بأن الفصادة كالحجامة.‏
وقال الحنابلة: لا فطر بفصد وشرط، ولا بإخراج دمه برعاف، لأنه لا نص فيه، ‏والقياس لا يقتضيه.‏
و- وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصوم.‏
ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق ‏المارن.‏
وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "بالغ ‏في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، وذلك خشية فساد صومه.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:43 PM

‏21- مالا يكره في الصوم:‏
‏-لا يكره للصائم- ما يلي، مع الخلاف في بعضها:‏
أ- الاكتحال:‏
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الاكتحال غير مكروه بل أجازوه، ونصوا على أنه لا ‏يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه.‏
واحتجوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "اكتحل رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم وهو صائم" رواه ابن ماجه.‏
ومذهب المالكية: في الاكتحال، فقالوا: إن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر، وإن تحلل ‏منه شيء أفطر.‏
وقال مالك إذا دخل حلقه، وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه، فعليه القضاء ولا كفارة ‏عليه. وإن تحقق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه، كاكتحاله ليلاً وهبوطه نهاراً للحلق، لا شيء ‏عليه في شيء من ذلك.‏
ومذهب الحنابلة: إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقق الوصول إليه فسد صومه، وهذا ‏الصحيح من المذهب. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالإثمد المروح عند النوم، ‏وقال: ليتقه الصائم" رواه أبو داود، ولأن العين منفذ، لكنه غير معتاد، وكالواصل من الأنف.‏
ب- التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين.‏
ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع ‏الدهن في العين لا يفسد الصوم، لأنه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه.‏
وذهب المالكية والحنابلة إلى أن التقطير في العين مفسد للصوم إذا وصل إلى الحلق، ‏لأن العين منفذ وإن لم يكن معتاداً.‏
ج- دهن الشارب ونحوه، كالرأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفية والشافعية، ولو ‏وصل إلى جوفه بشرب المسام، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح، ولأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم.‏
ومذهب المالكية: من دهن رأسه نهاراً، ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه ‏نهاراً، فاستطعمها في حلقه، فالمعروف في المذهب وجوب القضاء.‏
والقاعدة عندهم: وصول مائع للحلق، ولو كان من غير الفم.‏
د- الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أول النهار بأساً.‏
وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم كراهة الاستياك بعد الزوال، وذلك: لحديث عائشة ‏رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خير خصال الصائم ‏السواك" رواه ابن ماجه.‏
ولقول عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا ‏أحصي، يتسوك وهو صائم" رواه الترمذي.‏
وقد أطلقت هذه الأحاديث السواك، فيسن ولو كان رطباً، أو مبلولاً بالماء.‏
وشرط المالكية لجوازه أن لا يتحلل منه شيء، فإن تحلل منه شيء كره، وإن وصل إلى ‏الحلق أفطر.‏
وذهب الشافعية إلى سنية ترك السواك بعد الزوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرطب ‏واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.‏
وذهب أحمد بن حنبل إلى ترك السواك بالعشي، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الأذفر"(1) رواه البخاري.‏
وعن أحمد روايتان في الاستياك بالعود الرطب: إحداهما: الكراهة، والأخرى: أنه لا ‏يكره.‏
هـ- المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.‏
وقيده المالكية بما إذا كان لعطش ونحوه، وكرهوه لغير موجب، لأن فيه تغريراً ‏ومخاطرة، وذلك لاحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق، فيفسد الصوم حينئذ.‏
وفي الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ‏القبلة للصائم؟ فقال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس! قال: فمه" رواه ‏أبو داود.‏
ولأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين.‏
ذهب الحنابلة إلى إن المضمضة، إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه، ‏فحكمه حكم المضمضة للطهارة، وإن كان عابثاً، أو مضمض من أجل العطش كره.‏
‏- ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش، لما روي عن بعض أصحاب ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، ‏يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر" رواه أبو داود.‏
وكذا التلفف بثوب مبتل للتبرد ودفع الحر عند الحنفية لهذا الحديث، ولأن بهذه عوناً له ‏على العبادة، ودفعاً للضيق.‏
و- اغتسال الصائم، فلا يكره، ولا بأس به حتى للتبرد، عند الحنفية وذلك لما روي عن‏
‏(1) الجيد إلى الغاية.‏
عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ‏ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم" رواه البخاري.‏
وأما الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض ‏الفقهاء حال الإسراف والتجاوز أو العبث، خوف فساد الصوم.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:43 PM

الآثار المترتبة على الإفطار ‏
حصر الفقهاء الآثار المترتبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء: والكفارة الكبرى، ‏والكفارة الصغرى (وهذه هي الفدية) والإمساك بقية النهار، وقطع التتابع، والعقوبة.‏
أولاً: القضاء:‏
من أفطر أياماً من رمضان -كالمريض والمسافر- قضى بعدة ما فاته، لأن القضاء يجب ‏أن يكون بعدة ما فاته، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ‏‏185].‏
ومن فاته صوم رمضان كله، قضى الشهر كله، سواء ابتدأه من أول الشهر أو من أثنائه، ‏كأعداد الصلوات الفائتة. فالقضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كله، وكان ‏ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعة وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم ‏رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر -وكان ثلاثين يوماً- فلا يلزمه صوم اليوم ‏الأخير، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].‏
ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضى يوم صيف عن ‏يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.‏
‏- وهل قضاء رمضان يكون على التراخي؟
قيد الجمهور التراخي بما إذا لم يفت وقت قضائه، بان يهل رمضان آخر، لقول عائشة ‏رضي الله تعالى عنها "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في ‏شعبان، لمكان النبي صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري، كما لا يؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية.‏
ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، ‏لحديث عائشة هذا، فإن أخر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكل يوم، لما روي عن ابن عباس وابن ‏عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه رمضان آخر: ‏عليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم.‏
وهذه الفدية للتأخير، أما فدية المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت، وفدية الهرم لأصل ‏الصوم، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده.‏
ومذهب الحنفية، إطلاق التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدم ‏صوم الأداء على القضاء، حتى لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع إلا عن الأداء، ولا فدية عليه ‏بالتأخير إليه، لإطلاق النص، وظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].‏
وعند غير الحنفية يحرم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم ‏قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض ‏حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخر ‏الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة.‏
مسائل تتعلق بالقضاء:‏
الأولى:‏
إن أخر قضاء رمضان -وكذا النذر والكفارة - لعذر، بأن استمر مرضه أو سفره المباح ‏إلى موته، ولم يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم ‏تقصيره، ولا إثم به، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحج، ولأنه يجوز ‏تأخير رمضان بهذا العذر أداء، فتأخير القضاء أولى.‏
وسواء استمر العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر.‏
الثانية:‏
لو أفطر بعذر واتصل العذر بالموت فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصام عنه ولا كفارة ‏فيه، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحج.‏
‏- أما إذا زال العذر وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات ففيه تفصيل:‏
فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة في المذهب، وهو الأصح عند ‏الشافعية) إلى أنه لا يصام عنه، لأنه الصوم واجب بأصل الشرع لا يقضى عنه، لأنه لا تدخله ‏النيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصلاة.‏
وذهب الشافعية في قول والحنابلة إلى أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه، زاد الشافعية: ‏ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت ولا يلزم الولي الصوم بل هو إلى خيرته، ‏لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه ‏وليه" رواه البخاري ومسلم.‏
‎•‎ ‏• أما في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النحو التالي:‏
ذهب الحنفية: لو أخر قضاء رمضان بغير عذر، ثم مات قبل رمضان آخر أو
بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض ‏وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.‏
وذهب الشافعية إلى أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام.‏
وذهب الحنابلة في المذهب إلى الإطعام عنه لكل مسكيناً.‏
والظاهر من مذهب المالكية: وجوب مد عن كل يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً ‏مقيماً خالياً من الأعذار.‏
ثانياً: الكفارة الكبرى:‏
ثبتت الكفارة الكبرى بالنص في حديث الأعرابي الذي واقع زوجته في نهار رمضان.‏
ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصوم بالوقاع في الجملة، وإنما الخلاف في ‏وجوبها بإفساده بالطعام والشراب: فتجب -في الجملة أيضاً- بإفساد صوم رمضان خاصة، طائعاً ‏متعمداً غير مضطر، قاصداً انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.‏
وقال الحنفية: إنما يكفّر إذا نوى الصيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض ‏وحيض.‏
فلا كفارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفارة على الناسي والمكره ولا على النفساء ‏والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على ‏الحامل، لعذرهم ... ولا على المرتد، لأنه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصيام خصوصاً.‏
فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً لأحمد.‏
وتجب بالأكل والشرب عمداً، خلافاً للشافعي وأحمد، وتقدمت موجبات أخرى مختلف ‏فيها، كالإصباح بنية الفطر ورفض النية نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذي عمداً.‏
أما خصال الكفارة فهي: العتق والصيام والإطعام، وهذا بالاتفاق بين الفقهاء، لحديث أبي ‏هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه ‏رجل، فقال: يا رسول الله هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ‏قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا ‏نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ(1) فيها تمر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: ‏خذ هذا فتصدق به فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- ‏أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه ‏أهلك".‏
‏________________________‏
‏(1) مكتل في خوص النخل يسع خمسة عشر صاعاً. والصاع أربعة أمداد، فهي ستون مداً.‏
وفي الحديث دلالة قوية على الترتيب.‏
ثالثاً: الفدية:‏
أما الفدية: فالكلام في حكمها، وسببها، وتكررها بتكرر السنين:‏
فحكم الفدية: الوجوب، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ‏‏184] أي على الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية.‏
والفدية عند الحنفية: نصف صاع من بر أي قيمته، بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلى ‏الموت.‏
وعند الجمهور: ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم، بقدر ما فاته من الأيام.‏
وسببها:‏
‏1- العجز عن الصيام، فتجب باتفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو ‏الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطرا ‏ويطعما لكل يوم مسكيناً، للآية السابقة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ‏‏184] وقول ابن عباس: "نزلت رخصة للشيخ الكبير. ولأن الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط ‏إلى الكفارة كالقضاء. والشيخ الهرم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام أيضاً فلا شيء ‏عليه، و{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].‏
وقال الحنفية: يستغفر الله سبحانه، ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.‏
وأما المريض إذا مات فلا يجب الإطعام عنه، لأن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ‏ابتداء، بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل، حتى مات، لأن وجوب الإطعام يستند إلى حال ‏الحياة.‏
‏2- وتجب الفدية أيضاً بالاتفاق على المريض الذي لا يرجى برؤه، لعدم وجوب الصوم ‏عليه، كما بينا، لقوله عز وجل: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].‏
‏3- وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل والمرضع ‏إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتفاق. ‏ودليلهم الآية السابقة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ..} وهما داخلتان في عموم الآية، قال ابن ‏عباس: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما ‏مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا" رواه أبو ‏داود، ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.‏
وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عليهما الفدية مطلقاً، لحديث أنس بن مالك الكعبي: "إن الله ‏وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم -أو الصيام- والله لقد قالهما ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما أو كليهما" رواه الترمذي. فلم يأمر بكفارة، ولأنه فطر ‏أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفطر للمرضى.‏
‏4- وتجب الفدية أيضاً مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء ‏رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام، قياساً على من أفطر متعمداً، ‏لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم، ولا تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون ‏أو حيض أو نفاس.‏
تكرر الفدية: ولا تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر الأعوام وإنما تتداخل ‏كالحدود، والأصح في رأي الشافعية: أنها تتكرر بتكرر السنين، لأن الحقوق المالية لا تتداخل.‏
وقال الحنفية: لا فدية بالتأخير إلى رمضان آخر، لإطلاق النص القرآني. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ‏مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فكان وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن ‏يتطوع، فلا يلزمه بالتأخير شيء ولأنه لا يجوز القياس في الكفارات، غير أنه تارك للأولى من ‏المسارعة في القضاء.‏
وأما قطع التتابع: فهو عند المالكية لمن أفطر متعمداً في صيام النذر والكفارات ‏المتتابعات كالقتل والظهار، فيستأنف، بخلاف من قطع الصوم ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدة، ‏فإنه يبني على ما كان معه.‏
وذهب بقية المذاهب الأخرى خلاف المالكية.‏
وأما قطع النية: فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقاً لعذر أو لغير عذر، ولزوال ‏انحتام الصوم كالسفر، وإن صام فيه، وإنما ينقطع استصحابها حكماً. وهذا عند المالكية الذين ‏يكتفون بنية واحدة أو شهر رمضان.‏
رابعاً: الإمساك لحرمة شهر رمضان:‏
من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشهر.‏
فالحنفية وضعوا أصلين لهذا الإمساك:‏
أولهما: أن كل من صار في آخر النهار بصفة، لو كان في أول النهار عليها للزمه ‏الصوم، فعليه الإمساك.‏
ثانيهما: كل من وجب عليه الصوم، لوجود سبب الوجوب والأهلية، ثم تعذر عليه ‏المضي، بأن أفطر متعمداً، أو أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان، أو تسحر على ‏ظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين طلوعه، فإنه يجب عليه الإمساك تشبهاً لأن الفطر قبيح، وترك ‏القبيح واجب شرعاً.‏
وأجمع الحنفية على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر هذا ‏الإمساك.‏
وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمداً، أو خطأ، أو أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من ‏رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صح، ومفطر ‏ولو مكرهاً أو خطأ، وصبي بلغ، وكافر أسلم.‏
وقال المالكية: وأما إمساك بقية اليوم، فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصة، عمداً أو ‏نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح ثم زال العذر مع العلم برمضان، فإنه لا يندب له الإمساك، كمن ‏اضطر للفطر في رمضان، من شدة جوع أو عطش فأفطر، وكحائض ونفساء طهرتا نهاراً، ‏ومريض صح نهاراً، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبي بلغ نهاراً، فلا ‏يندب الإمساك منهم.‏
وقيد العلم برمضان، احتراز عمن أفطر ناسياً، وعمن أفطر يوم الشك ثم ثبت أنه من ‏رمضان، فإنه يجب الإمساك، كصبي بيّت الصوم، واستمر صائماً حتى بلغ، فإنه يجب عليه ‏الإمساك، لانعقاد صومه له نافلة، أو أفطر ناسياً قبل بلوغه فيجب عليه بعد الإمساك، وإن لم ‏يجب القضاء على الصبي في هاتين الصورتين.‏
ونصوا كذلك على أن من أكره على الفطر، فإنه يجب عليه الإمساك، بعد زوال الإكراه ‏قالوا : لأن فعله قبل زوال العذر، لا يتصف بإباحة ولا غيرها.‏
ونصوا على أنه يندب إمساك بقية اليوم لمن أسلم، لتظهر عليه علامة الإسلام بسرعة، ‏ولم يجب، تأليفاً له للإسلام، كما ندب قضاؤه، ولم يجب لذلك.‏
وذهب الشافعية إلى أن نصوا على أن الإمساك تشبهاً من خواص رمضان، كالكفارة، ‏وأن من أمسك تشبهاً ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أن الإمساك يجب على كل متعدٍ ‏بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتد أو نوى الخروج من الصوم -وقلنا إنه يخرج بذلك- كما ‏يجب على من نسي النية من الليل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية، ‏كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقية النهار.‏
ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:‏
‏- المريض والمسافر، اللذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:‏
الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصوم.‏
الثانية: أن يزول العذر بعدما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحب لحرمة الوقت فإن ‏أكلا أخفياه، لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن ‏المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.‏
الثالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، ففي المذهب قولان: لا ‏يلزمهما الإمساك في المذهب، لأن من أصبح تاركاً للنية فقد أصبح مفطراً، فكان كما لو أكل ‏وقيل: يلزمهما الإمساك حرمة لليوم.‏
وإذا اصبح يوم الشك مفطراً غير صائم، ثم ثبت أنه من رمضان، فقضاؤه واجب ويجب ‏إمساكه.‏
أما لو بان أنه من رمضان قبل الأكل فعليه لزوم الإمساك.‏
وإذا بلغ صبي مفطراً أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه : ‏أصحها أنه لا يلزمهم إمساك بقية النهار لأنه يلزمهم قضاؤه.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:44 PM

‏23- صوم المحبوس إذا اشتبه عليه شهر رمضان:‏
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من اشتبهت عليه الشهور لا يسقط عنه صوم رمضان، بل ‏يجب لبقاء التكليف وتوجه الخطاب.‏
فإذا أخبره الثقات بدخول شهر الصوم عن مشاهدة أو علم وجب عليه العمل بخبرهم، ‏وإن أخبروه عن اجتهاد منهم، فلا يجب عليه العمل بذلك، بل يجتهد بنفسه في معرفة الشهر بما ‏يغلب على ظنه، ويصوم مع النية ولا يقلّد مجتهداً مثله.‏
فإن صام المحبوس المشتبه عليه بغير تحرّ ولا اجتهاد ووافق الوقت لم يجزئه، وتلزمه ‏إعادة الصوم لتقصيره وتكره الاجتهاد الواجب باتفاق الفقهاء، وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر ‏من خمسة أحوال:‏
‏- الحال الأولى: استمرار الإشكال وعدم انكشافه له، بحيث لا يعلم أن صومه صادف ‏رمضان أو تقدم أو تأخر، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه في قول الحنفية والشافعية ‏والحنابلة، والمعتمد عند المالكية، لأنه بذل وسعه ولا يكلف بغير ذلك، كما لو صلى في يوم ‏الغيم بالاجتهاد.‏
وقال بعض المالكية: لا يجزيه الصوم، لاحتمال وقوعه قبل وقت رمضان.‏
‏- الحال الثانية: أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان فيجزيه ذلك عند جمهور ‏الفقهاء، قياساً على من اجتهد في القبلة، ووافقها.‏
‏ وقال بعض المالكية: لا يجزيه لقيامه على الشك، لكن المعتمد الأول.‏
‏- الحال الثالثة: إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء، ‏إلا بعض المالكية كما تقدم آنفاً.‏
واختلف القائلون بالإجزاء: هل يكون صومه أداء أو قضاء؟ وجهان، وقالوا: إن وافق ‏بعض صومه أياماً يحرم صومها كالعيدين والتشريق يقضيها.‏
‏- الحال الرابعة: وهي وجهان:‏
الوجه الأول: إذا وافق صومه ما قبل رمضان وتبين له ذلك ولماّ يأت رمضان لزمه ‏صومه إذا جاء بلا خلاف، لتمكنه منه في وقته.‏
الوجه الثاني: إذا وافق صومه ما قبل رمضان ولم يتبيّن له ذلك إلا بعد انقضائه ففي ‏إجزائه قولان:‏
القول الأول: لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه، وهذا مذهب المالكية ‏والحنابلة، والمعتمد عند الشافعية.‏
القول الثاني: يجزئه عن رمضان، كما لو اشتبه على الحجاج يوم عرفة فوقفوا قبله، وهو ‏قول بعض الشافعية.‏
‏- الحال الخامسة: أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض، فما وافق ‏رمضان أو بعده أجزأه، وما وافق قبله لم يجزئه، ويراعى في ذلك أقوال الفقهاء المتقدمة.‏
والمحبوس إذا صام تطوعاً أو نذراً فوافق رمضان لم يسقط عنه صومه في تلك السنة، ‏لانعدام نية صوم الفريضة، وهو مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية.‏
وقال الحنفية: إن ذلك يجزيه ويسقط عنه الصوم في تلك السنة، لأن شهر رمضان ‏ظرف لا يسع غير صوم فريضة رمضان، فلا يزاحمها التطوع والنذر.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:45 PM

صَوْمُ التَّطوُّعِ

‏1- تعريف صوم التطوع.‏
‏2- فضل صوم التطوع.‏
‏3- أنواع صوم التطوع:‏
‏4- أحكام النية في صوم التطوع:‏
‏5-ما يستحب صيامه من الأيام:‏
‏6- حكم الشروع في صوم التطوع.‏
‏7- إفساد صوم التطوع وما يترتب عليه.‏
‏8- التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:45 PM

‏1- التعريف:‏
الصوم لغة: مطلق الإمساك.‏
واصطلاحاً: إمساك عن المفطرات حقيقة أو حكماً في وقت مخصوص من شخص ‏مخصوص مع النية.‏
والتطوع اصطلاحاً: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات.‏
وصوم التطوع: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من الصوم.‏
‏2- فضل صوم التطوع:‏
ورد في فضل صوم التطوع أحاديث كثيرة، منها: حديث سهل -رضي الله تعالى عنه- ‏عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم ‏القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. فيقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم. فإذا ‏دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد" متفق عليه.‏
ومنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد ‏الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً" رواه البخاري ومسلم.‏
‏3-أنواع صوم التطوع:‏
قسّم الحنفية صوم التطوع إلى مسنون، ومندوب، ونفل.‏
فالمسنون: عاشوراء مع تاسوعاء.‏
والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ست من ‏شوال، وكل صوم ثبت طلبه والوعد عليه: كصوم داود عليه الصلاة والسلام، ونحوه.‏
والنفل: ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته.‏
وقسم المالكية -أيضاً- صوم التطوع إلى ثلاثة أقسام: سنة، ومستحب، ونافلة.‏
فالسنة: صيام يوم عاشوراء.‏
والمستحب: صيام الأشهر الحرم، وشعبان، والعشر الأول من ذي الحجة، ويوم عرفة، ‏وستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، ويوم الإثنين والخميس.‏
والنافلة: كل صوم لغير وقت ولا سبب، في غير الأيام التي يجب صومها أو يمنع.‏
وعند الشافعية والحنابلة: صوم التطوع والصوم المسنون بمرتبة واحدة.‏

جريح الصمت 17-09-2007 11:46 PM

‏4- أحكام النية في صوم التطوع:‏
أ- وقت النية:‏
ذهب جمهور الفقهاء -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا يشترط تبييت النية في ‏صوم التطوع، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، فقال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم.‏
وذهب المالكية إلى أنه يشترط في نية صوم التطوع التبييت كالفرض. لقول النبي صلى ‏الله عليه وسلم: "من لم يبيّت الصيام من الليل فلا صيام له" رواه أبو داود، فلا تكفي النية بعد ‏الفجر، لأن النية: القصد، وقصد الماضي محال عقلاً.‏
واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت نية التطوع.‏
فذهب الحنفية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع الضحوة الكبرى.‏
والمراد بها: نصف النهار الشرعي.‏
والنهار الشرعي: من استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس، ونصوا على ‏أنه لا بد من وقوع النية قبل الضحوة الكبرى، فلا تجزئ النية عند الضحوة الكبرى اعتباراً لأكثر ‏اليوم.‏
وذهب الشافعية: إلى أن آخر وقت نية صوم التطوع قبل الزوال، واختص بما قبل ‏الزوال لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة يوماً: "هل عندكم شيء؟ قالت: لا. ‏قال: فإني إذاً صائم" رواه مسلم. إذ الغداء اسم لما يؤكل قبل الزوال، والعشاء اسم لما يؤكل بعده، ‏ولأنه مضبوط بَيِّن، ولإدراك معظم النهار به كما في ركعة المسبوق.‏
وذهب الحنابلة: إلى امتداد وقت النية إلى ما بعد الزوال، قالوا: إنه قول معاذ وابن ‏مسعود وحذيفة، ولم ينقل عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- ما يخالفة صريحاً، ولأن النية ‏وجدت في جزء النهار، فأشبه وجودها قبل الزوال بلحظة.‏
ويشترط لصحة نية النفل في النهار: ان لا يكون فعل ما يفطره قبل النية، فإن فعل فلا ‏يجزئه الصوم حينئذ.‏
ب- تعيين النية:‏
اتفق الفقهاء على أنه لا يشترط في نية صوم التطوع التعيين، فيصح صوم التطوع ‏بمطلق النية.‏


الساعة الآن 07:21 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir
لا تتحمل منتديات حصن عمان ولا إدارتها أية مسؤولية عن أي موضوع يطرح فيها

a.d - i.s.s.w