الحب !!!!
			 
			 
			
		
		
		 
			  
		مقدمة  
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :  
فيظن بعض الناس أن أصحاب الشريعة وأبناء الملة لا يعرفون الحب ، ولا يقدرونه حق قدره ، ولا يدرون ما هو ، والحقيقة أن هذا وهم وجهل ، 
بل الحب العامر أنشودة عذبة في أفواه الصادقين ، وقصيدة جميلة في ديوان المحبين ، ولكنه حب شريف عفيف ، كتبه الصالحون بدموعهم ، 
وسطره الأبرار بدمائهم ، 
فأصبحت أسماؤهم في سجل الخلود معالم للفداء والتضحية والبسالة . وقصدت من هذه الرسالة الوقف مع القارئ على جوانب مشرقة ،  
وأطلال موحشة في مسيرة الحب الطويلة ،  
التي بدأها الإنسان في حياة الكبد والنكد ، ليسمو إلى حياة الجمال والجلال والكمال ، وسوف يمر بك ذكر لضحايا الحب وقتلاه ،  
وستعرف المقصود مما أردت إذا قرأت ، وتعلم ما نويت إذا طالعت .  
والله وحده نسأل أن يجعلنا من أحبابه ، والشهداء في سبيله .  
 
الحب  
 
الحب ماء الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس .  
تعكف الناقة على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ،  
وتتألق العيون . الحب قاض في محكمة الدنيا ، يحكم للأحباب ولو جار ، ويفصل في القضايا لمصلحة المحبين ولو ظلم ، 
بالحب وحده تقع جماجم المحاربين على الأرض كأنها الدنانير ،لأنهم أحبوا مبدأهم ، وتسيل نفوسهم على شفرات السيوف ، 
لأنهم أحبوا رسالتهم ، أحب الصحابة والمنهج وصاحبه ، والرسالة وحاملها ، والوحي ومنزله ، فتقطعوا على رؤوس الرماح طلبا للرضا في بدر ، 
وأحد ، وحنين ، وهجروا الطعام ، والشراب ، والشهوات في هواجر مكة ، والمدينة ، وتجافوا عن المضاجع في ثلث الليل الغابر ، وأنفقوا طلبا لمرضاة الحبيب .  
بالحب صاح حرام بن ملحان مقتولا : فزت ورب الكعبة !، بالحب نادى عمير بن الحمام إلى الجنة مستعجلا : إنها لحياة طويلة إذ بقيت حتى آكل هذه التمرات ! ،  
بالحب صرخ عبد الله بن عمرو الأنصاري : اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى !. لما أحب الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ صارت له بردا وسلاما ، 
ولما أحب الكليم موسى ـ عليه السلام ـ انفلق له البحر ، ولما أحب خاتمهم حن له الجذع ، وانشق له القمر .  
المحب عذبه عذاب ، واستشهاده شهد لأنه محب .  
 
 
 
أحبك لا تسأل لماذا لأنني *** أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي  
 
 
بالحب يثور النائم من لحافه الدافئ ، وفراشه الوثير لصلاة الفجر ، بالحب يتقدم المبارز إلى الموت مستثقلا الحياة ، بالحب تدمع العين ، ويحزن القلب ، 
ولا يقال إلا ما يرضي الرب ، الحب كالكهرباء في التيار يلمس الأسلاك فإذا النور ، ويصل الأجسام فإذا الدفء ، ويباشر المادة فإذا الإشعاع ،  
الحب كالجاذبية به يتحرك الفلك ، وتتصاحب الكواكب ، وتتآلف المجموعة الشمسية ، فلا يقع بينهما خصام ولا قتال ، بالحب تتآخى الشموس في المجرة ، 
فلا صدام هناك ، ويوم ينتهي الحب يقع الهجر والقطيعة في العالم ، وسوء الظن والريبة في الأنفس ، والانقباض والعبوس في الوجوه ، 
يوم ينتهي الحب لا يفهم الطالب كلام معلمه العربي المبين ، ولا تذعن المرأة لزوجها ولو سألها شربة ماء ، ولا يحنو الأب على ابنه ولو كان في شدق الأسد ،  
يوم ينتهي الحب تهجر النحلة الزهر ، والعصفور الروض ، والحمام الغدير ، يوم ينتهي الحب تقوم الحروب ، ويشتعل القتال ، وتدمر القلاع ، وتدك الحصون ،  
وتذهب الأنفس والأموال ، ويوم ينتهي الحب تصبح الدنيا قاعا صفصفاً ، والوثائق صحفا فارغة ، والبراهين أساطير ، والمثل ترهات ! . لا حياة إلا بالحب ،  
ولا عيش إلا بالحب ، لا بقاء إلا بالحب ، إذا أحببت شممت عطر الزهر ، ولمست لين الحرير ، وذقت حلاوة العسل ، ووجدت برد العافية ، وحصلت أشرف العلوم ، 
وعرفت أسرار الأشياء .  
وإذا كرهت صارت كل كلمة عندك جارحة ، وكل تصرف مشبوها ، وكل حركة مشكوك فيها ، وكل إحسان إساءة . المحب هجره وصال ، 
وغضبه رضا ، وخطيئته إحسان ، وخطؤه صواب .  
ويقبح من سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا !  
الحب حبان : حب ارضي طيني سفلي إنما هو هيام وغرام ، وحب علوي سماوي إلهي ، وهو طاعة وعبادة وشهادة وسيادة .  
فحب الأرض للعيون السود والخدود والقدود ، ووادي الغضا ، وأهل البان ، وذكريات سلمى ، وأيام ليلى .  
وحب الإله تعلق بشرعه ، وانقياد لأمره ، وامتثال لدينه ، وتقرب منه .  
حب الطين آهات وزفرات وحسرات وندامات .  
وحب رب العالمين علو ورفع وكرامة وسلامة وسعادة وريادة ، كيف لا تحب الله وما من نعمة عليك إلا هو منعمها ، 
ولا بلية إلا هو صرفها؟ ! هو المحسن وحده _ جل في علاه _ .، فقضاؤه عدل ، وشرعه رحمة ، وخلقه جميل ، وصنعه حكيم ، وفضله واسع ، 
ووصفه حسن ، فلا عيب في شئ من صفاته ، بل الكمال كله فيها ، ولا نقص في تدبيره ، بل الحكمة أجمعها فيه ، ولا خلل في صنعه ، بل الحسن أوله وآخره فيه ، 
فحبه واجب ، والتقرب منه فريضة ، وشكره حتم ، وطاعته لازمة .  
أما الحب سواه فمنافع متبادلة ، وأهواء مشتركة ، وأغراض مادية ، يشوبه الخلل والزلل والإسراف وعدم الاستقرار ، مع ما يعقبه من أسف وندامة وحسرة .  
 
ولا أحد في الكون يسكن له العبد ، ويتوكل عليه إلا الواحد الأحد ، ولذلك سمى نفسه ( الله ) ،. قيل هو الذي تأله النفوس إليه ،. وتسكن إليه في علاه .  
 
 
 
الحب للرحمن جل جـلاله *** وهو مستحق الحب والأشواق  
فأصرفه للملك الجليل ولذبه *** من كل ما تخشاه من إرهاق . 
 
ضحايا الحب "عائض القرني"
  
		  
	
		
		
		
				
		
		
            
	
		
		  | 
	 
	 
		
		
		
		
		
		
	
	 |