وقد ورد اسم هذا الملك في نص دوّنه "غوث" و "اسلم" وابنه "ابكرب" "أبوكرب" من "بني جميلن عرجن"، أي. "بني آل الجميل العرج"، وهم "كبراء" قبيلة "ميدعم" "ميدع"، وذلك حمداً للإلَه و "المقه تهوان بعل أوّام"، الذي أجاب نداءهم وأغاثهم ومنَّ " عليهم وعلى بيتهم "سلحين" "سلحن" في "جميلن" "الجميل"، وحماهم في الغارة التي أمر بها الملك "نشأكرب يهأمن" على "اًرض عربن"، أي ارض الأعراب لانقاذ أصدقائهم ومواطنيهم من أهل مأرب، وكذلك الجنود والحيوانات التي كانت معهم وإعادتهم إلى مأرب. وإعادوا في نهاية النص حمدهم الإله "المقه" وذلك بحق بقبة الآلهة: عثتر، وهوبس، وذات حميم، وذات بعدان، و "بشمس ملكن تنف".
ويظهر من هذا النص إن أعراباً كانوا قد أغاروا على جماعة من السبئيين، أو انهم هاجموا ارض سبا، فأرسل الملك "نشاكرب يهأمن" قوة من الجيش ومن الأهلين للإغارة عليهم في أرضهم: "ارض العرب" ولاسترجاع ما أخذوه من غنائم واسلاب وأسرى. وكان في جملة من اشترك في هذه الغارة "ابوكرب بن أسلم".
فلما عاد رجالها إلى مأرب سالمين، قدم "أبو كرب" وابوه اسلم وشخص آخر اسمه "غوث" إلى الإلَه "المقه ثهوان" تمثالين وضعوهما في معبده معبد "أوّإم"، تخليداً لهذا الحادث، وتعبيراً عن شكرهم له.
وهذا النص من أقدم نصوص المسند التي تشير إلى الأعراب والى غاراتهم على السبئيين أو على قوافلهم، ومن اقدم النصوص التي ورد فيها اسم "عربن" أي "الأعراب" و "ارض عربن" أي ارض الأعراب. ولم يعين النص موضع "ارض العرب"، فلا ندري أكان قصد أرضاً معينة، ام اراد البادية. والبوادي هي في كل مكان. والأعراب هم في كل مكان من جزيرة العرب، وفي جملتها اليمن بالطبع، وسترى بعد وفي إثناء كلامنا على أيام "يرم أيمن" وأخيه "برج يهرجب"، إخبار غارات وحملات عسكرية أرسلها الملك على الأعراب الساكنين في محاذاة ارض قبيلة "حاشد" وعلى أعراب آخرين "وثبوا على ساداتهم وأمرائهم ملوك سبأ".
وقد وردت في هذا النص جملة "ارضت عربن". فيظهر من ذلك أن اللغة السبئية كانت تعد لفظة "أرض" اسماً مذكراً، وإذا أرادت تأنيثه، قالت: "أرضت"، على حين أن "الأرض" في عربيتنا اسم مؤنث فقط.
وقد عثر على نص آخر، أمر الملك "نشأكرب يهأمن"، بتدوينه، عند تقديمه ستة تماثيل إلى الإلَه "المقه"، لسلامته وسلامة قصره "سلحين"، وسلامة أمواله وأملاكه، وليمنَّ عليه بالسعادة. وعثر على اسمه في نصوص أخرى، كلها في مضمون هذا النص، إذ تخبر عن تقديم هذا الملك تماثيل إلى معابد آلهته، حمداً لها وشكراً، إذ منّت عليه، ولتديم أغداق نعمها وألطافها وبركتها عليه.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الملك "نشأكرب يهأمن" هو من قبيلة "همدان"، ذلك لأن اسمه من الأسماء الهمدانية المعروفة. وخالف غيرهم هذا الرأي، وقالوا إلْه لم يكن من همدان، وإنا كان من "بني جرت". من قبيلة "سمهر" "سمهرام". وهم يبعدونه بذلك عن "همدان
ويعارضون في كونه آخر ملك من ملوك الأسرة السبئية الحاكمة، بل يشكون في كون أبيه كان ملكاً فعلياً على سبأ.
ويظهر من النصوص المتقدمة أن "نشأكرب يهأمن" كان يقيم في قصر "سلحين" بمأرب، وهو مقر ملوك سبأ ومركز حكمهم. وقد كان حكمه فيما بين السنة "75 ا" والسنة "60 ا" قبل الميلاد على رأي "جامه".
ويلاحظ أن الملك كان يتقرب إلى "شمس تنف بعلت غضرن"، أي إلى الآلهة الشمس تنف ربة موضع "غضرن"، تقرب إليها حتى في أثناء أقامته في عاصمته "مأرب" وفي بيت حكمه قصر "سلحين". ويدل هذا على إن الملك لم ينس آلهة قبيلته وعلى رأسها الآلهة "الشمس"، فقدمها على بقية الآلهة وذكرها مع الإلَه "المقه" إ اسَه سبأ الخاص. والآلهة "شمس تنف"، هي إلهة "بني جرت" من قبيلة "سمهرم" "سمهرام".
ولسنا على علم بمن حكم بعد "نشأكرب"، ولهذا ترك الباحثون بموضوع ترتيب ملوك سبأ فراغاً بعده، يشر إلى عدم معرفتهم باسم من حكم فيه. وقد تصور "فلبي" انه دام ثلاثين عاماً، بدأ سنة "30" وانتهى في سنة "200" قبل الميلاد. وقد وضع "هومل" اسم "نصرم يهأمن" على رأس جمهرة جديدة، رأى إنها حكمت "سبأ"، بعد هذه الفجوة التي لا نعلم من حكم فيها ولا مدتها، ووضع مقابله علامة استفهام للدلالة على انه لا يقول ذلك على سبيل التأكيد، وإنما هو احتمال يراه ولمجرد رأي هو نفسه غير واثق به.
وقد وضع "فلبي" "نصرم يهنعم" "ناصر يهنعم" على رأس الجمهرة الجديدة التي حكمت سبأ في هذا العهد، وجعله رأساً على الجمهرة الرابعة من جمهرات حكام السبئيين، وجعل حكمه في حوالي السنة "200 ق. م."، وجعل له شقيقاً هو "صدق يهب". وقد كتب "فلبي" النعت على هذه الصورة: "يهنعم". أما "هومل" وغيره، فقد كتبوه على هذه الصورة "يهأمن".
واستند "هومل" في وضعه "نصرم يهأمن" هذا الموضع إلى النص الموسوم ب Glaser 265،وقد ورد في عدد من الأشياء كانوا مقربين عند "ناصر يهأمن" منهم "أوسلة بن أعين" "أوسلت بن أعين" الذي هو في نظر بعض الباحثين "أوسلة رفشان" الهمداني. ولما كان "أوسلة" هذا يعاصر "وهب ايل يحز" وكان من جملة المقربين إلى "ناصر يهأمن"، رأى "هومل" أن مكان "ناصر يهأمن" يجب أنْ يكون إذن بعد الفجوة المذكورة مباشرة وقبل اسم "وهب ايل يحز"، فوضعه في هذا المحل.
والنص المذكور، مكتوب على صخرة ناتئة في وسط مرتفعات وعرة مسننة في "جبل ثنين". وذكر "خليل يحيى نامي" أنه رآه ونقشه في "هجر ثنين" وهي تبعد عن غربي "ناعط" زهااء ساعتين على البغال، وهي بين قبيلة "حاشد" و "أرحب". وقد كتب لمناسبة الانتهاء من إنشاء بناءٍ. وقد تيمن فيه على العادة بذكر "ناصر يهأمن" وأخيه "صدق يهب"، وبذكر أسماء من ساعد في إتمام البناء، ومن قام بتسقيفه، وهم من الأشراف وسادات القبائل. ويلاحظ أن النص قد أهمل لقب "ملك" الذي يكتب عادة بعد اسم كل ملك، فلم يذكر بعد اسم "ناصر يهأمن" ولا بعد اسم "صدق يهب".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|