~~تقرير عن العدل~~
العدل هو أن الله سبحانه و تعالى لا يظلم و لا يجور و لا يجُحف في حق ذي حق .
و لقد عُرّف العدل في علم الكلام بأنه : " عدم فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب و عدم التكليف بما لا مصلحة فيه " [1] .
و العدل هو الإثابة على الحسنة بالحسنة و المعاقبة على السيئة بالسيئة ، و هو من صفات الفعل ، و هو من الصفات الثبوتية لأنه وصف وجودي و مما يتطلبه الكمال المطلق للذات الإلهية [2] .
و مسألة العدل في علم الكلام هي من المسائل الفوارق بين المعتزلة و الإمامية ـ من جانب ـ القائلين بالتحسين و التقبيح العقليين ، و بين الأشاعرة ـ من جانب آخر ـ القائلين بالتحسين و التقبيح الشرعيين ، و للأهمية مسألة العدل كمسألة فارقة نجد الفريق الأول يُفرد هذه المسألة بالبحث بصورة مستقلة و يعطيها عنوانا مستقلا من بين سائر الصفات الثبوتية الكمالية ، و لهذا فقد سُمي الفريق الأول بـ " العدلية " نسبة إلى القول بالعدل القائم على فكرة التحسين و التقبيح العقليين .
أما كلمة " العدل " فقد استُعملت في القرآن الكريم في أكثر من مدلول نشير إلى أهمها كالتالي :
1. العدل بمعنى الاستقامة في الفعل بوضع الشيء موضعه ، فلا ظلم و لا جور ، و تدل عليها الآيات القرآنية التالية :
قال الله عَزَّ و جَلَّ : { ... وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ... } [3] .
و قال عَزَّ مِنْ قائل : { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [4] .
2. العدل بمعنى الإنصاف الذي يأتي بين الظلم و التفضّل [5] ( الإحسان ) و يكون هذا في المعاملة ، فلا جور بإنقاص الحق و لا تفضل بالزيادة عليه ، و منه قول الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ... } .
العدل والحكام
إن العدل ليس صفة يتطوع بها العادل ، وإنما نعني أن العادل يمسك ميزاناً صنعه له غيره ، وهو الله ، فالعادل ليس متطوعاً من عنده بتطبيق ما يراه وإنما بتطبيق ما وضعه الخالق ، ولذلك إن ميزة الإيمان أنه لا يجعلك تتحكم فيّ أو أتحكم فيك ، وإنما أنا وأنت معاً محكومان لله . وإن قال أحدهم نريد الأمور الدنيوية لا الدينية ؟ نقول إن العدل لا ينشأ إلا حين يوجد حق وباطل ، وظالم ومظلوم ، فيصبح الأمر دينياً لا دنيوياً .
والحاكم من بشر فإن قيل إنه قد يوجد حوله من يحاولون إفساده ، نقول المفسدون قوتهم من قوة من يفسدهم وضعفهم من ضعف من يفسدهم ولا يمنع ذلك أن تكون المسؤولية في تحقيق العدل هي مسؤولية مشتركة بين الحاكم والمحكوم ، فقبل أن نطلب من الحاكم أن يكون شجاعاً في الحق يجب أن نطلب من المحكوم أن يكون أيضاً شجاعاً . وذلك أنه قد يدخل قريب للحاكم ويطلب مني بصفة هذه القرابة أن أفعل له شيئاً ، فشجاعتي هنا إذا لم يكن له حق ألا أستجيب له ، بل على العكس أعارضه ، فإذا وصل الأمر إلى الحاكم ووافقه على تجاوزه تكون مسئوليتي عند الحاكم ، ولكنني أؤكد لك أن هذا لا يحدث لأن أغلب الناس يجاملون الحاكم من غير أن يعلم الحاكم شيئاً ، وهي تتصور بذلك أنها تتقرب إلى الحاكم في حين أنه لا يعلم . ولو وقف إنسان إلى جانب حق ، وراعى فيه الله ، ورفض مجاملة قريب الحاكم وعرف الحاكم بذلك ، فإنه حتى إذا لم يكن راضياً عن عدم مجاملة قريبه فإنه يخاف أن يفعل شيئاً في الذي رفض المجاملة لعلمه أنه على حق . يحمي الله الإنسان هنا لا بخوف الحاكم من هذا الإنسان ولكن بخوف الحاكم من الله .
كان عمر بن الخطاب من أعدل الحكام ومن المؤكد أنه كان في حضن الله ومع ذلك فقد قتلوه فكيف ذلك ؟
إنها مصيبة ! ولكن لمن ؟ مصيبة لعمر ؟ أم مصيبة لقاتله ؟ إن الذي يتصوره البعض من أنهم برصاصة يمكنهم أن يغيروا التاريخ كما يريدون ، والرصاصة تنطلق وتصيب بإرادة الله من أرادوا ، ولكن الله بحكمته ولحكمته يقول للناس من خلال ما تثمر عنه الجريمة : هذا الذي أخطأ وتصور أنه سيفسد الكون بعمل سأقول له : يا غبي ، ارتكبت جريمتك وسأجعل جريمتك تعاقب عليها في الدنيا والآخرة ، ولكنني على عكس ما تتوهم ، سأنفع بها الناس ولا أحقق هدفك الفاسد . عندنا سعد زغلول مثلاً ، أطلق عليه أحد الناس الرصاص ليقتله ، فماذا كانت النتيجة ؟ الرصاصة التي أطلقها القاتل لم تقتل سعداً ، وإنما بسبب هذه الرصاصة ودخولها جسم سعد شفي من مرض السكر الذي كان يعانيه ، فهل الذي أطلق عليه الرصاص كان يعلم أو يريد أن يشفيه من مرضه ؟ إذن الخطأ والمصيبة ليست فيمن وقعت عليه ولكن فيمن وقعت منه .
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|