مفتي عام السلطنة في حوار خاص لـ(الوطن)
قضية غزة خطرة جداً إن لم ينتبه المسلمون لها اليوم فإن الغاية ستكون وخيمة
ما يجري في غزة هجمة شرسة حاقدة من الصهيونية ضد فئة عزلاء من السلاح
موقف الأمة الإسلامية هزيل وذليل إن دل على شيء فلا يدل إلا على الضعف
على علماء المسلمين أن يسعوا إلى يقظة ضمير الأمة وإعادة اعتبارها
قال سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة: إن ما يجري في غزة إنما هو انتهاك للحرم وتعد على الإنسانية، وعدم مبالاة بكرامة الإنسان ، وهي هجمة شرسة حاقدة من الصهيونية ضد فئة عزلاء لا تحمل سلاحا تدافع به عن نفسها وشرفها وكرامتها وعن أرضها والعالم مع ذلك كله يتحمل وزر تبعته، بسبب سكوته عن هذه المأساة وعن عدم وضع حد لها وعدم الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته .
جاء كلام سماحته هذا في سياق حوار أجرته معه "الوطن"
اجرى الحوار ـ أحمد بن سعيد الجرداني:
انتهاك للحرم وتعدّ على الإنسانية
فردا على سؤال حول ما يجري في غزة من انتهاكات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني وصمت العالم؟
قال سماحته: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، اما بعد فإن ما يجري في غزة إنما هو انتهاك للحرم وتعد على حقوق الإنسانية، وعدم مبالاة بكرامة الإنسان ، وهي هجمة شرسة حاقدة من الصهيونية ضد فئة عزلاء لا تملك سلاحا تدافع به عن نفسها وشرفها وكرامتها وعن ارضها والعالم مع ذلك كله يتحمل وزره وتبعته، بسبب سكوته عن هذه المأساة وعن عدم وضع حد لها وعدم حفاظه على حقوق الإنسان وكرامته .
ولئن كان العالم بأسره يتحمل وزر ذلك ويتحمل تبعته فإن الأمة المسلمة بطريقة أولى تتحمل تبعة هذا الأمر ، لأن الأمة المسلمة يجب أن تكون أمة واحدة بمشاعرها وأحاسيسها وآلامها وآمالها.
واضاف سماحته: إن جميع القضايا يجب أن تكون مشتركة فيما بين الأمة على ان أخوة الإسلام هي بطبيعة الحال رابطة ما بين المسلمين فإن الله سبحانه وتعالى يقول(إنما المؤمنون إخوة) والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ويقول: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا). ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (المسلم أخو المسلم لا يقتله ولا يخذله ولا يحقره ولا يسلمه). وهذا من باب إسلام المسلمين لإخوانهم الموجودين في غزة فقد اسلموهم إلى العدو ولم يبالوا بما يقع عليهم ولئن كانت الإنسانية بأسرها تتحمل تبعة هذا الأمر والعالم الإسلامي ومن باب الأولى يتحمل تبعة هذا الأمر، فإن العرب بطريق الخصوص يحملون تبعة هذا الأمر إذ تجمعهم بهؤلاء آصرة الدم والنسب بجانب آصرة التوحيد والعقيدة.
واضاف سماحة المفتي العام للسلطنة : فلذلك تتضاعف تبعة العرب في هذا الأمر، فعليهم ان يجدوا المخرج لأنفسهم وان يجدوا المخرج لإخوانهم وأن لا يقف هؤلاء يتفرجون على هذه القضية كأنما لا تعنيهم.
لا ريب أن المسلمين إنما أصيبوا بما أصيبوا به من هذه الرزية حتى أصبحوا من الضعف بمكان بحيث تحتقرهم عيون أعدائهم.
وأكد سماحته: إنما هذه الإصابة التي أصيبوا بها راجعةٌ إلى ترك واجب الجهاد والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (ما ترك الجهاد قومٌ إلا ذلوا) فقد اصبح الجهاد الآن فرضاً عينياً بعد ما نزلت هذه الكارثة بجزء من الأمة المسلمة، فهذا الفرض يتعلق بذمة المسلمين جميعاً بغير تفرقة بين شعب وشعب وما بين عنصر وآخر. إذ رابطة العقيدة والتوحيد تجمع ما بين الجميع.
موقف الأمة الإسلامية
ـ سماحة الشيخ كيف تقيمون موقف العالم والعالم الإسلامي مما يجرى الآن في غزة وهم يرون إخوانهم في الإنسانية وفي العقيدة يذبحون بدم بارد، وما واجبكم كعلماء حيال ذلك؟.
ـ موقف الأمة الإسلامية موقف هزيل وذليل إن دل على شيء فلا يدل إلا على الضعف الذي دب في هذه الأمة حتى شمل جميع أوصالها، وهذا ما آذن به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الأمة عندما قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا أومن قلة يا رسول الله. قال: لا أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل).
فهذه الغثائية التي وقعت فيها الأمة هي التي جرأت أعداءهم على أن يرتكبوا هذه الحماقات في جزء من هذه الأمة وينتهكوا هذه الحرمات ولا يبالوا بحقوق الإنسان، ولا يبالوا بالأطفال الرضع والمشايخ الركع والنساء وغيرهم، بل يصبون على الجميع حمماً من أحقادهم التي تغص بها صدورهم.
لا ريب أن على الأمة أن تشعر بالواجب الملقى على عاتقها، لتدب في أوصالها الحياة لينتشر فيهم الوعي ولتنهض هذه الأمة من عثرتها، وليصبح عدوها يحسب لها كل حساب.
وحول واجب العلماء نحو هذه القضية قال سماحته : العلماء من باب أولى هم مسؤولون بأن يوقظوا ضمير العالم الاسلامي وان يوقظوا ايضا ضمير العالم بأسره. فإن هذه القضية التي تجري لا يستهان بها بحيث إنها قضية بالغة الخطورة، فعلى الإنسانية بأسرها أن تشعر بهذا الواجب وعلى علماء هذه الأمة أن يُوقظوا ضمير الإنسانية وضمير هذه الأمة خصوصاً.
رضا الله تعالى فوق كل شيء
ـ سماحة الشيخ في نهاية هذا اللقاء، اين مكمن الخطأ جراء ما يحدث في فلسطين؟ وما النداء الذي توجهونه؟
لا ريب ان الاختلاف عذاب وأن الألفة والمودة والاتفاق رحمة وأن الاختلاف ضعف وأن الألفة والاتحاد قوة، والله تبارك وتعالى يقول: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). على الناس أن يصبروا وأن يساعد بعضهم بعضاً وأن يتعاونوا على الخير وأن لا تتفرق بهم الأهواء وتتشتت بهم السبل فإن ذلك يؤدي إلى الضعف والوهن .
ولا ريب أن عدم اجتماع الكلمة وعدم الألفة والمودة على الغاية التي ترضي الله تبارك وتعالى تؤدي الى عدم اعطاء هذه الأمة حقوقها ومقاصدها ما يؤدي إلى التفكك والخلاف والضياع والضعف والوهن. ولذلك أناشد جميع الاخوة الفلسطينيين أن يضع بعضهم ايديهم في ايدي البعض الآخر وأن يكونوا جميعاً كتلة واحدة يسعون إلى غاية واحدة وأن يجعلوا رضا الله تعالى فوق كل شيء وان يجعلوا حماية المقدسات مقدمة على كل شيء وأن يناصروا إخوانهم وأن لا يخذلوهم.
ووجه سماحته هذا النداء بقوله: أناشد العرب جميعاً والأمة الإسلامية أن تعتني بهذا الواجب وأن تقوم به، فإن القضية قضية خطرة جداً إن لم ينتبه المسلمون اليوم لما هم واقعون فيه وما هم صائرون إليه، ستكون غايتهم غاية وخيمة .
أسأل الله تعالى أن يقي المسلمين شرها وأن يجمع الكلمة ويؤلف القلوب لما يحبه ويرضاه.