لك جزيل الشكر أستاذي الفاضلة أورنت على المتابعة وعلى النقاش،،
في الحقيقة أستاذي، كنت أود في البداية التركيز على مناقشة المحور المفتاحي المستوحى من قصة الموضوع الواقعية، ألا وهي قضية تفضيل أصحاب الأمراض العضوية الذهاب إلى الدجالين عوض الذهاب إلى الأطباء، كنموذج أولي للدراسة والتحليل وبعد ذلك يمكننا تغيير مسار النقاش والتطرق إلى محاور أخرى ترتبط بظاهرة الدجل والشعوذة بصورة عامة..
ولكن أستاذتي الكريمة، ذكاؤك الفائق ونضجك الفكري وسرعة بديهتك، جعلكِ تثيرين كل المحاور جملة وتفصيلا و"تـْجيبي م الآخر"! في إطار إشكالية عامة، عبر تطبيقك لـ "الهرم المقلوب"! مما يحتـّم عليّ التكيف مع المنهجية الجديدة في الطرح وتطبيق ما يسمى في الرياضيات بـ"البرهان بالتراجع" أو "البرهان بالخلف"!
:
:
:
أتفق معك أستاذتي، في كل النقاط التي أثرتِها،
صحيح أستاذتي أن القصة تتكرر مرارا وأن الكثيرين يلجئون إلى الدجالين طالبين منهم وصفات "سريعة وأكيدة المفعول" لمشاكلهم الصحية، المهنية، الاجتماعية والنفسية..
وصحيح أن كل من يلج عالم الدجل يسلك الدرب نفسه ويتبع نفس الخطوات ويلقى المصير نفسه!
ولكن أستاذتي، "أليس فيهم رجل رشيد" ؟
ألا يوجد من يعتبر ؟
ولمَ يبقى الأمر واقعا مرا.. يلازمنا!
إقبال بعض االمرضى على التدواي عند غير الأطباء حقيقة واقعة موجودة في مجتمعاتنا،
فبمجرد ما تظهر بعض الأعراض والسلوكات – الغريبة وغير المألوفة - على شخص ما، تستبعد فرضية المرض العضوي أو النفسي ويؤخذ المريض مباشرة إلى "الراقي" أو "المشعوذ" عوض أن يؤخذ إلى "الطبيب" أو إلى أقرب مصلحة صحية!
فما الذي يدفع هذه الفئة من المجتمع إلى فعل ذلك ؟
هل هو الجهل ؟
هل هو عدم الثقة في الطب (العلم) ؟
هل هو اليأس ؟
هل هو البحث عن البديل ؟
في زمن التطور العلمي المذهل الذي تعرفه البشرية في مختلف المجالات ومنها المجال الطبي باستعمال أحدث تقنيات الفحص الدقيق (الأشعة، السكانير) وتحليل العينات (البيوبسي) والتدخل الجراحي متعدد الوسائط (الليزر، المنظار) بشكل مباشر أو عن بعد! لا يزال البعض يفسّر الأمراض تفسيرا ميتافيزيقيا تسيطر علية "الأرواح الشريرة"! والتي يجب إرضاؤها ولو بعبادتها، حتى يتعافى المريض!
هذه هي قمة الجهل في الألفية الثالثة!
حوادث كثيرة كشفت عن مدى الانحطاط الذي لا زالت مجتمعاتنا تتخبط فيه،
فعوض أن نتوجه بالمريض عند الطبيب، نأخذه مباشرة إلى "الراقي" أو "المشعوذ" كي يكشف عليه بآيات قرآنية بريئة يشتري بها ثمنا قليلا أو بطلاسم شيطانية تبعد عنه المس!
لأننا نعتقد أن كل عرض أو سلوك غير مألوف هو مس أو عين أو حسد!
ولماذا لا نرجح من البداية العامل العضوي كسبب للمرض لا يمكن اكتشافه إلاّ بالفحص الدقيق؟!
أو كعامل نفسي توّلد في دهاليز التراكمات الاجتماعية وضغوطات الحياة!
قد نعجب حينما نرى فئات من مختلف الطبقات الاجتماعية (شباب، بنات، شيوخ، عجائز، متزوجون عزاب، مثقفون، أصحاب مراتب سامية في السلـّم الاجتماعي)، يترددون على "الدجالين"، يقبعون أحيانا في طوابير لا متناهية وفي ظروف مشينة ينتظرون دورهم ليظفروا بلقاء "سحري" يخرجون منه بوصفات لمشاكلهم التي استعصت – في نظرهم – على الذين أفنوا حياتهم في العلم والمختبرات!
صورة بشعة وانطباع سيء عن ما نراه أمامنا وحتى في الأفلام الوثائقية (الغربية) والتي تنقل بواقعية واحترافية صورة شابة تأخر زواجها فتلجأ إلى "حلال العقد" فيطلب منها فك عقد شعرة رأسها – دون أن تتقطع طبعا - والتي سرقها منها الحساد كي يعملوا لها "سحر التعطيل"! والذي يمكن اكتشافه في الثلاث بيضات التي تبيّتها تحت وسادتها
!
وهذه عجوز تود معرفة سر زواج كل بنات أختها، بينما توقف قطار العنوسة عند بناتها!
وهذا شاب فشل في دراسته أو لم يجد عملا أو لم ترض به إحدى الحسناوات، فيلجأ إلى "كاتب الحرز" كي تنشط ذاكرته وينجح دراسته ويوفق في إيجاد عمل يحلم به ويلين قلب "الحسناء"!
وهذا رجل أعمال يستفسر عند "مشعوذة" عن أخبار المناقصات ويعدها بسيارة فاخرة لو يفوز بإحدى الصفقات!
كم من مريض لقي حتفه ليس بالمرض العضوي الكامن في جسده، ولكن بالمواد السامة التي وصفها له غير الأطباء وبجلسات الاستنطاق والتعذيب التي تعرضوا لها على أيدي الجلادين! باسم "الرقية" وأشياء أخرى!
وكم من محتال ضبطته أجهزة الأمن وهو يبتز أموال السفهاء ويمارس نشاطا محظورا دون ترخيص من الجهات المختصة!
وكم من نساء (ثيبات وأبكارا) تعرضن للمساومة الجنسية وحتى الإغتصاب !
وكم من بيوت خربت وفتن اجتماعية حدثت بسبب تصديق الدجالين بأن سبب المرض وسبب زهد الرجل في زوجته وسبب كل المشاكل العائلية هو "سحر قديم" عملته إحدى القريبات! موجود تحت عتبة البات بسبب الغيرة والحسد! - على رأي أستاذتي أورنت -..
حقائق مهوولة متغلغلة في عمق مجتماعتنا وللأسف الشديد مست حتى كل الطبقات بلا استثناء!
لا ينبغي أبدا السكوت عن هذه الخرافات وهذه الكوارث التي تنخر مجتمعاتنا،
والغريب في الأمر أن القانون قد يعاقب الممارس للشعوذة و"للرقية غير المرخصة" ولكنه لا يعاقب من يتردد عليهما! ؟؟
:
:
:
بانتظار عودتك أستاذتي أورنت كي تحدثينا عن أسباب الظاهرة! - بعد صفاء ذهنك وتحسن الأحوال الجوية عدنك!،،