[3]
معادلة
< من أين لي سيكل 12 قبل أن أفكر في سيارة ؟! >
رأسه على قبضة يده ، منهار القوى على الطاولة ، التفكير يحاصره بالقرب من كل جدار ، محشو في زنزانة من الهواجس طولها متر وعرضها أقل من المتر ! ، متقلّب المزاج دائماً ، وبالأخص مع البيت ، إنه لا يستطيع فهم نفسه ، فكيف يفهم الآخرين ، تارةً يراها تلبس لامة ( حمزة ) ، وأخرى خوذة ( وحشي ) ! .. أيداً .. فهو بعيدٌ كل البعد عن الفرسان والمقاتلين ، إن نفسه رقيقة لا تقوى على رؤية سيفٍ ، ناهيك عن حمله ! ، لا يدري من هو .. وكيف هو .. كلّ ما يعرفه أنه متيّمٌ (بحسام) ، وهذا سر أحلام يقظته بالفروسية ، وهناك سرّ آخر نابع من اسمه : (أسامة) ! ..
- متى تصبح سيف أسامةَ يا حُسام ؟! .. أو لا أقل فلتكن خنجره !!
لقد خطف ناظريه ، أشل مذاكرته ، أعاده لأيام الابتدائية ، حيث (المقبول) و ( الضعيف) يملآن مستواه . محتار ، حتى أنه لا يدري فيم يفكر ، أبسارق اللب ؟ ، أم باختبار الكيمياء الذي موعده غداً ؟ ، الكيمياء وجعُ الرأس ، وتحطيم الأصداغ ، المعادلات التي تتكاثر لا جنسياً بغير معنى ! ، إنه يمقت الكيمياء بشكل لا يُصوّر ، ولا يدري من ضرب والده على رأسه وأجبره على الالتحاق بقسم الكيمياء ، أمّا هو فلم يدخل المسار العلمي إلا كي يدرس مادته الفضلة : الأحياء ، وللانصراف فلكي يرافق زميل دراسته حسام ! قبشةٌ من جمال يوسف ، تتقطع أصابع أسامة كلما نظر له : ( حاش لله ما هذا بشر !! ) . ولكن لم تتسن له الفرصة كي يجعل من صديق العمر ، الذي يخطو معه في كلّ موطئ قدم !
رفم رأسه ، نظر مشمئزاً للكتاب الملقي أماه .. ويح الكيمياء ، وويح (ابن حيان) ، لا يفصلُ معدته عن التقيؤ سوى صفحات يسيرة يقرؤها ، فأطنان الحفظ من معادلات وطرق تحضير وأغراض استخدام كفيلة أن تصيبه بالغثيان !
أوراق المسودّة بكماء ، لم يخطّ فيها حرفاً ، فكيف ينبس قلمه بشَفة والتفكير العميق في حسام يشرخ دواته بشفرته القاطعة ، كيف ينبس بشفةٍ وحسام يشرّده لبحرٍ لا يُؤويه لمرسى ؟!
- حسام ، كل يومٍ تكبر في عيني .. آه وتكبر المسافات بيننا !
شرع في كتابه حرفه (o) ثم ابعد عنه حرف الحبيب (h) ؛ لأن هذه الحقيقة ولو كانت مُرّة !
- .. ولكن ما فائدة اليأس ؟ ماذا أحصد إذا وضعت يدي على خذي ومل أحرّك ساكناً ؟ .. لابدّ من طريقةٍ أجعله يتعلق بي ، وحينها أصل إليه حيث راحة القلب ..
أخذ يفكر ويفكر ، وتيقّن بأنه لن يتأتى له هذا الحلم إلا إن بدأ هو بالتخطيط والعمل ..
- .. وإلا فلا أظنّ أن حساماً يأمل في مصاحبة شابٍ أسود ، وجهه غارق في الغيوم .. إذاً لابد أن أبدأ أنا –أسامة- بالسعي .
أخذ يخطّ سهما من حرفه ويصله لدوحة المعشوق .. تماما كما علّمته (ثقافة الجدران) في حيّهم !
- .. ولكن ، ما هذا السهم ؟ ، أيّ القرابين هو ؟! إنّ حسام يحب ركوب السيّارات الفخمة ، لاحظته عند مغادرة المدرسة يحتوشه أولاد (الهوامير) ، كلّ يأمل وصاله .. لكن (يا حسرة) من أين للفقير المسكين (سيكل 12) قبل أن يفكّر في سيّارة .. لا .. وفخمة !!
عاود التخطيط مرّة أخرى في طريقة أفضل ، فقد لمح في أحد المواقع وهو يتصفحه ، ما كُتِب على رأس الصفحة :
(( إن أهم شروط الخطة الناجحة أن تكون طموحة وواقعية )) !
- .. وفكرة السيّارة طموحة ، ولكن لا صلة لها بالواقعية ! ..
يا سلام عليك يا اسّوم ، صرت فيلسوف .. أُه .. حسام دائماً ما يتفلسف في الفصل ، ودائما ما يذكر أناساً لأول مرة أسمع بهم وبالكاد أنطقهم ، كـ .. ديكارت .. و .. رواندا ، نعم ، هذا ما حفظته جيّداً لأنه كان يلمز أحد الشباب به قائلاً : أنت تشبه رواندا ! .. كم أورد أن أرى هذه الفتاة !!.. وأذكر أيضاً .. بوب مارلي ، مايكل جوردن ، يمكن ابن عمّ مايكل جاكسون ، و .. أ .. أ .. هناك آخر اسمه يشبه صوت انفجار الألعاب النارية .. أو الدنس ! .. ربما : هِنْ .. تِن .. تُن !! وهناك شخص آخر .. لا أذكره جيداً ، ولكنه قريب من الـ (وطواط) ! .. بلى .. بلى .. صقراط ! .. كأني سمعت هذا الاسم من قبل .. أين ؟ .. أين ..؟ .. آهه .. سمعته من (اسألوا لبيبه) !
ماذا لو أصبحت فيلسوفاً ؟ لماذا لا أستعير بعض الكتب من أختي (حوراء) ؟ ، لابد أن توجد كثل هذه الأسماء في كتبها ، وإلا لما لبست نظارة ! .. ولكن كالعادة لن تقتنع ، وستقول : أنت (ثاني طبيعي) ، لا دخل لك في كتب التريخ والقصص ، ذاكر دروسك أفضل !
.. فكرة رائعة ! .. ماذا لو اختلقت أسماء من عندي ، وأخذت أستعرض عضلاتي بها ؟! .. فلأحاول ..:
" أنت يا حسام تذكرني بـ .. بـ .. (بانك بانتر) .. لا ! هذا اسم النمر الوردي ! .. حسناً ، أنت تشبه أ.. أ.. تشبه (جيمس بوند) .. جميل هذا الاسم .. آه .. كم أنا غبي !، إنه اسم البطل في الفيلم البارحة " !!
يبدو أنها طريقة فاشلة ، ماذا لو شاهد أحدهم الفيلم البارحة ، وعلم حسام بالأمر ، سيعتقد أني (ولد شوارع) بدل فيلسوف !
حسناً، ماذا لو قلت له أنّ الـ ..
.. وفُتِح الباب فجأة !، إنه أبوه ، نظر مذعوراً للمسودة قبل أن يصل والده .. ماذا؟! (o...h) ، وبينهما السهم الذي غرز في عقله ..
" ماذا أفعل ؟! .. سيلقي عليّ الآن محاضرة ! " وكما البرق خطّ بقلمه بعد أن خامرته فكرة بسرعة بديهة ، خط قبل حرفه (ch4) ، وبعد السهم ، وحرف حسام أضاف (+co2) .. و وصل والده ، ألقى نظرة على الورقة ، أمسك نظارته محملقاً يفحص المكتوب ..
ch4+o =< h + co2
.. إنها معادلة كيميائية ، فلابد أن يبرز دوره هنا كأستاذ كيمياء !
- حسناً يا أسامة ، يجب أن تنتبه إلى أنّ الأوكسيجين لا يتفاعل أحادياً ، أي لا يتفاعل كـ (o) بل كـ (o2) ، وكذلك الهيدروجين أيضاً ، ثمّ أن هنا لا يتطاير غاز الهيدروجين ، بل يشكل بخار ماء ، أي (h2o) وليس (h) !.. وبعدها يا ولدي ، لابد أن تكتب المعادلة موزونة ، فلا يصح منك ذلك ، وأنت ابن أستاذ كيمياء !! .. وهناك قاعدة بسيطة لاحتراق (الألكانات) .. ولكن قبل أن أذكرها ، هيا زن لي المعادلة التي كتبتها !
حدّث أعماقه :
" لو وُزِنَت في الواقع بيني وبين حسام ، لوُزِنَت الآن ! .. أعطني قاعدتك ، ولنرَ إن كانت تنفع مع (أبو الحِسِم) "!!
محمد آل زآيـد