اراء لها وجهة نظر
جلست وأصحاب لي في العمل على مائدة حوار نتناقش في قضايا ومشكلات شتى لا صلة لها بموضوع بعينه وكل يدلو بدلوه من حلول أو اقتراحات لعلنا أن نخرج بتوصيات أو أراء هي في حد ذاتها أقرب إلى الحقيقة من الخيال والعجيب في الأمر كان يحتد الصراع فيما بيننا مما يفضي ببعضنا إلى النزاع والشجار فتتمخض عنها الخلافات والتحفظ بالرأي ولا غرو في ذلك فهذه طبيعة الإنسان لا يحب أن ينسب الخطأ إلى نفسه ولو كان هو المخطئ أو أن يرى وجهة نظره تقبع في الحضيض وفي المقابل يشار إلى وجهة نظر غيره بالبنان فهذا عار غاشم وظلم مجحف وحق مسلوب يظنه في حقه _هذا من وجهة نظره_ فلذا يحاول أن يدافع عنه دفاع المستميت ناسيا أو متناسيا أنها ستظل في النهاية وجهة نظر لا غير تستوجب من الأطراف الآخرين احترامها كما أنها لا تفسد للود قضية .
وليس معنا هذا أن نضع إبهامنا متصورين الناس بهذه الحقيقة لنكيل إليهم اتهاماتنا وكأننا من الناس براء فكما كان لهم ذلك الموقف السلبي _من وجهة نظرنا_ وفي قرارة أنفسنا لا نرحب بالمتحفظ برأيه إن لم يكن مدعوما بالأدلة والبراهين فثمة جوانب إيجابية تضمر في كنه هؤلاء النفر لذا فهي بحاجة إلى من ينبشها لتولد إلى هذا العالم لتتنفس الصعداء وترى الوجود بأم عينيها فعندئذ نحكم عليها بما نشاء .
ولربما كان تحفظه برأيه هذا من زاوية أخرى نظر إليها هو ولم نعطها نحن جل اهتمامنا أما لكونها احتمالا لم تتوفر له الظروف المواتية ليكون عنصرا فعالا في الحياة لذلك كان في الدرك الأسفل من هوامش تفكيرنا وقد يكون عامل الكبر أحيانا يلعب دورا بارزا في إحباط الأفكار والإطاحة بالآراء ووجهات النظر وهو ما نلمسه من خلال مواقف حياتنا الاجتماعية وغيرها.
فكثيرا ما يسيطر الغرور والإعجاب بالنفس في عدم تقبل نصائح الآخرين وآراءهم حتى لو كانوا كبار السن فكيف لمن هم يصغروننا سنا؟ فهو يبصر في رأيه عين الصواب والعقل الراجح والقول السديد وأما رأي الآخرين فليس كذلك أمام عقلانيته المبتكرة وإن صح التعبير فقل المصطنعة ولو لم تستند إلى دليل قطعي يفرض وجودها لذا كان استحواذ الكبر في نفسه عاملا في عدم تقبل وجهات نظر الآخرين وآراءهم.
ولربما كان الحقد الدفين والحسد البائد المنزوي خلف أسوار الغيرة سببا آخر نبني عليه ترفع البعض منا في عدم تقبل آراء الآخرين أو الأخذ بها على أي وجه كان أو لعل أسباب أخرى تكمن وراء أطباع الناس لم تتكشف لنا حقيقتها أو أنها كشفت نقابها عند البعض وتنكرت عند البعض الآخر ولا أعني بهذا أن نجاهد أنفسنا أو نطالب الآخرين بالتنقيب عنها
في صدور الناس ولكن لو جلس الواحد منا مع نفسه ساعة تأمل في فكرة طرحها بنفسه أو طرحت عليه أو سمعها من غيره فكيف يمكن أن يتعامل في ظلها ؟
أفلا يحتاج ذلك إلى دراسة فاحصة تشمل جميع نواحيها وبذهن صاف يحتاجه بعيدا عن الأهواء وتضارب الآراء؟! فلعلنا لا نختلف في هذه النقطة بل قد يدفعنا ذلك أن نعيد النظر فيها مرارا أو أقل الضررين نبقي لها شيئا من الاحترام .
ولا أريد أن يفهم من مقولتي هذه أن أوسد هذه النظرة عين اليقين فأدافع عنها حتى لا أدع مجالا لغيري للتعبير عن رأيه وإنما وضعتها كعامل قد يحتمل الضعف كما قد يحتمل القوة فما أراه سببا جدير النظر إليه قد يراه غيري غير ذلك وفي كل خير.
وثمة وقفة أخيرة أقفها بين أسطر أحرف هذه الكلمات مشيرا فيها مهما تعاظمت آراؤنا ووجهات نظرنا في نفوسنا وكبرت في أعيننا فلن تجد لها مسرحا في الحياة إذا تجد من يحترمها فكيف إذن نألو بمن يحترم آراؤنا ولا نألو نحن بمن باحترام آراء الآخرين وعصارة أفكارهم أوليس في هذا إجحاف في حق الآخرين؟! كما لا يفوتني في نهاية هذا المطاف كمال ذلك كله في صلاح قلوبنا إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وعليهما نبني أفكارنا.
|
العرض الشجري
المواضيع المتشابهه
