"فيلاستريوس" ذكره "تيودوريت" "Theodoret"، خلاصته: أن الأسقف "بولس" أخذ رأيه في "الثالوث" من آراء الملكة المتأثرة باليهودية، وأنه كان قد تأثر بالمرأة حتى سقط إلى الحضيض. ولايخفى ما في هذا الخبر من طعن في عقيدة الرحل الذي أبدى رأياً فىِ " الثالوث" سبب غضب الاباء عليه.
ولم نجد في الآثار اليهودية التي بين أيدينا ما يفيد تهود "الزباء"، نعم ورد في التلمود خبر يفيد حماية " الزياء" للأحبار، غير أنه وردت أخبار أخرى تفيد أن اليهود كانوا ناقمين على "تدمر" حاقدين عليها يرجون من الله أن يطيل في عمرهم ليروا نهايتها. هذا الحبر الكبير "يوحانان" "يوخانان" "Johanan" "" Jochanan" " رئيس "أكاديمية" "طبرية" و المعامر لأذينة والزباء، يقول: "مخلد وسعيد من يدرك نهاية أيام تدمر". و لو كانت الملكة على دين يهود، لما صدرت هذه الجملة من فم ذلك الحبر ولا شك. ويفهم من بعض الروايات المروية عن فقهاء اليهود وأحبارهم في فلسطين في ذلك العهد، أن الملكة اضطهدت اليهود وعذبتهم. وهي روايات. لا يمكن التسليم بصحتها ايضاً، ويجوز انها ظهرت على أثر توسع.الملكة في الأرضين التيّ كانت تحت سسِطرة الرومان ومنها "اليهودية" غير أن هذا الاستيلاء لم يكن أمده طويلاً.
ووردت روايات أخرى تشير إلى كراهية يهود منطقة الفرات لتدمر، ورد إن الحبر "يهودا" "R.Juda" تلميذ الحبر "صموئيل" "Samuel" تحدث عن تدمر، فقال: "سيحتفل الاسرائيليون في أحد الأيام بعيد، انه عيد هلاك ترمود "Tarmud"، انها ستهلك كما هلكت تمود " Tarmud" وقد هلكت. وورد إن الحبر "آشة" "R.Asche" ذكر "ترمود" "Tarmud" فقال: ترمود مثل تمود، انهما شيئان لأمر واحد، اذا هلك أحدهما قام الثاني مقامه.
. ويراد ب "ترمود" مدينة "تدمر". وقد اشترك عدد كبير من اليهود في صفوف أعداء الزباء، واشتركوا مع الفرس في حروبهم مع تدمر كما اشتركوا مع الرومان. وقبض على عدد من الأحبار أحضروا إلى الملكة كانوا يحرضون الناس على التدمريين.
أما "تمود"، الذين هلكوا قبل هلاك "ترمود"، فهم قوم ثمود. ويظهر انهم حلت بهم نكبة أدت إلى هلاكهم حتى صار هلاكهم مضرب الأمثال. ولم يشر الى زمن حلول تلك النكبة. ولكن ذلك كان قبل سقوط "تدمر" في أيدي الرومان على كل حال، كما يفهم من كلام الحبر "يهودا" المتوفى سنة "257" للميلاد
أما أسباب هذا البغض، فلم تذكر. ويظهر إن هنالك جملة عوامل دعت إلى ظهوره، منها اراء الملكة الفلسفية وآراء الفلاسفة والكتاب الذين كانوا يحيطون بها، وكانوا يبثونها في تدمر وفي البقاع التي استولى عليها التدمريون، فنفقت نفاقاً كييراً بين يهود "تدمر" ويهود "الكالوتات" على نهر الفرات، فأثارت هذه الاراء "الالحادية" عند اليهود حقد الأحبار والمتدينين. ومنها الزواج المختلط الذي انتشر في تدمر بين اليهود وغير اليهود، ونشوء جيل جديد من هذا الزواج أضاع الدين وتقاليد الإسرائيليين. وهو أمر نهى عنه اليهود. ومنها الحالة السياسية التي نشأت من أسر الفرس للقيصر "والريانوس"، وهجوم أذينة على الفرس وما أعقب ذلك من حروب ألحقت ضرراً كبيراً بالجاليات اليهودية الكبيرة التي كانت تسكن شواطىء القرات، ومعظمها من التجار الذين كانوا يتاجرون مع الفرس والروم، ويبن العراق وديار الشام، فأصيبت هذه "الكالوتات" اليهودية التي كانت تتمتع بشبه استقلال بأضرار كبيرة، وفقدت استقلالها خلال مدة استيلاء التدمريين على شواطى الفرات. فلهذه الأسباب كانت نقمة اليهود على التد مريين.
وحرص بعضى المؤرخن على ادخال الملكة في زمرة النصارى فزعموا. انها كانت على دين المسيح. وتساهل آخرون بعض التساهل فقالوا انها لم تكن نصرانية أصيلة ولكنها كانت قريبة منها ميالة اليها، وجحد ححج من قال بتهود الملكة وسخفها. وتوسط آخرون فقالوا انها لم تكن يهودية محضة، ولا نصرانية خالصة، إنما كان دينها وسطاً بين الدينين: كانت تعتقد بوجود الله، وترى التوحيد،ولكنها لم تكن على اليهودية وعلى النصرانية، بل رأت الخالق كما يراه الفيلسوف.
وللمؤرخين آراء في أصل "الزباء" ونسبها وأسرتها، فمنهم من ذهب إلى أنها مصرية، ومنهم من ذهب إلى أنها من العماليقْ ومن هؤلاء المؤرخ "آيشهورن" "Eichhorn". وقد أخذ هؤلاء آرامهم من الكتب العربية على ما يظهر. وذهب المؤرخ اليهودي "كريتس" "Graetz" " Graetz" إلى أنها "ادومية" من نسل "هيرودس وا نها يهودية الدين. ورأى "رايت" "Wright" " و "أو بردك" "Oberdick" وآخرون انها من أب عربي ولكنها من دم مصري من ناحية الأم. والذي عليه أكثرهم. أنها عربية الأصل.
وقد ذكر "المسعودي" إن بعض المؤرخين كانوا يزعمون انها "رومية" تتكلم العربية.
أظهرت "الزباء" مقدرة فائقة في ادارة شؤون الملك، فخاف منها الرومان، وعزم "غاليانوس" بتحريض من شيوخ "رومة" على القضاء عليها قبل استفحال أمرها، فأرسل جيشاً إلى الشرق تظاهر انه يريد من ارساله محاربة "سابور" غير انه كان يربد في الواقع مهاجمة تدمر واخضاع الملكة. فبلغ خبره مسامع "الزباء" فاستعدت لمقابلته وخرجت له، والتحمت فعلاً بكتائب الرومان،وانتصرت عليه انصاراً باهرا، وولت هاربة تاركة قائدها "هرقليانوس" "Heraclianus" قتيلاً في ساحة الحرب.
ورأت الملكة الحذر من الفرس، وذلك بتقوية حدود مملكتها، فأمرت بانشاء حصن "زنوبيا" "Zanobia" على نهر الفرات، ليقف أملم الهجمات التي قد يوجهها الساسانيون عليها من الشرق. ويقول "بروكوبيوس" انه سمي بهذا الاسم نسبة إلى الملكة مؤسسته.
وقد اتبعت "الزباء" بعد مقتل زوجها سياسة عربية، سياسة تعتمد على التقرب من الأعراب والتودد اليهم والاعتماد عليهم في القتال والحروب. وذلك بعد أن رأت إن الرومان هم أعداء تدمر، وانهم لا يفكرون الا في مصالح الرومان الخاصة. وبهذه السياسة تقربت أيضاً إلى العناصر العربية المستوطنة في المدن، وأخذت تعمل على تكوين دولة عربية قوية واحدة بزعامتها، وخاصة بعد أن أدركت إن الأعراب قوة لا يستهان بها،
وانهم لو نظموا واستغلوا استغلالا جيداً، صاروا قوة يحسب لها كل حساب، فأخذت تعمل لتكوين هذه القوة، ولكن الرومان كانوا أسرع منها، فقضوا على مآربها قبل أن تتحقق، فاستولوا على تدمر وأزالوا مملكة ملكة الشرق.
وجهت "الزباء" أنظارها إلى مصر، ووضعت الخطط للاستيلاء على هذا القطر، بعد أن مهدت لنقسها الدعوة فيه باعلانها انها مصرية وانها من نسل الملكة "كليوبطرة" "قلبطرة" فلها إذن فيه ما يسمح لها بالتدخل في شؤونه، وأخذت تترقب الفرص وتتحين الأسبالب، فلما قتل القيصر "غاليانس" سنة "268" للميلاد، وانتقل الحكم إلى "أوريليوس فلوديوس" "Marcus Aurelius Claudius" "" 268 - 5 27 م"، وجدت الجو صالحاً للتدخل،كان الألمان "Alemannen" قد هاجموا حدود الإمبراطورية في مطلع هذا العام، وكان "الغوظ" "القوط" "Gothen " "Goths" قد أربكوا الدولة. وكان أثر الخسارة التي ألحقتها الملكة في الجيش الروماني، ومقتل "هرقليانوس" بالغاً في نفوس الرومان، يتجلى في صياح أعضاء مجلس الشيوخ بصوت واحد سبع مرات في أثناء مبايعة القيصر الجديد: "ياقلوديوس أغسطس نجنّا من فكتوريا ومن زنوبيا، ياقلوديوس أغسطس أغثنا من التدمريين".
وفي للرسالة المؤثزة للتي وجهها القيصر إلى مجلس الشيوخ ومدينة "رومة" وهو في طريقه لتأديب المهاجمين، وفيها "إن جبيني ليندى خجلاً كلما تذكرت أن جميع الرماة بالقسي هم في خسمة زنوبية" فانتهزت الملكة هذه الفرصة المؤاتية وأرسلت جيشها لاحتلال مصر.
كان القيصر قد أمر عامله. على مصر المدعو "بروبوس" "Probus" بالخروج على رأس اسطول الاسكندرية إلى عرض البحر: لمطاردة "الغوط" " القوط" "Goths" ولمنعهم من الهرب عبر المضايق فخرج علي رأس قوة كبرة من الرومان لمطاردتهم فانتهز الوطنيون والمعارضون لحكم الرومان - وعلى رأسهم "تيماجينيس" "Timagenes"، وهو رجل يوناني الأصل مبغض للرومان - هذه الفرصة، فكتبوا إلى الملكة يحضونها على تحرير مصر من حكم "رومة" وتولى الحكم فيها. وأظهر "فيرموس" "Firmus"، وهو رجل ثري جداً، استعداده لمساعدة الملكة بالمال وبكل ما ينبغي اذا أرادت الاستيلاء على مصر
فأمرت "الزباء" قائدها "زبدا" بقصد مصر على رأس جيش قوامه سبعون الف رجل. وقد قاتل الجيش الروماني الذي كان مؤلفاً من خمسبن الف مقاتل وتغلب عليه، ثم قرر العودة إلى تدمر تاركاً في مصر حامية صغيرة من خمسة آلاف رجل، ويظهر انه تركها تحت إمرة "تيماجينيس" الذي عيّن نائباً عن الملكَة على مصر. فلما سمع "بروبوس" بهجوم التدمريين وتغلهم على الرومان، أسرع عائدا الى مصر، فألف جيشاً من المصريين الموالين للرومان، وزحف على الالسكندرية وأخذ يتعقب التدمريين، وأعمل فيهم السيف، فلما سمعت "الزباء" بذلك، أمرت قائدها بالعودة ثانية الى مصر، فجرت معارك بين الطرفين انتهت بانتصار التدمرين على "بروبوس" عند "بابلون" أي "الفسطاط"، وكتب النصر لجيش الملكة في مصر.
وقد ساعد عرب مصر من سكان الأقسام الشرقية من مصر، جيش تدمر مساعدة كبيرة، ولا سيما فيما جرى من قتال حول حصن "بابلون" "Babylon" الذي عرف ب "الفسطاط" فيما بعد. ويظن بعض الباحثين أن "تيماجينس" "Timagenes" الذي وصفه المؤرخ "زوسيموس" "Zosimos" "Zosimus" بأنه مصري، كان في الحقيقة عربياً، واسمه عربي أخذ من "تيم اللات"، أو من "تيم جن". وكان من المبغضين للرومان.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|