السؤال
كيف تنظرون إلى المذاهب الإسلامية من حيث قربها وبعدها عن المنهج الإسلامي الصحيح باعتباركم من أهل المذهب الإباضي ؟
الجواب :
على أي حال نحن دائماً نميل إلى ما يجمع الشمل ويرأب الصدع ويؤلف القلوب ويوحد الكلمة . وهذا مما أُدرك في كلام أسلافنا ، فنجد مثلاً الإمام أبا حمزة الشاري وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم في وقتٍ يواجه فيه حروباً مع قوى الظلم ويواجه تحديات ولكن مع ذلك لم تذهب به الانفعالات إلى أن يعلن القطيعة مع الآخرين قال ( الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة : مشركاً بالله عابد وثن ، أو كافراً من أهل الكتاب ، أو إماماً جائراً ) ، وهذا ما قاله الإمام السالمي رحمه الله أيضاً عندما قال :
ونحن لا نطالب العبادا *** فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا *** إخواننا وبالحقوق قمنا
إلا إذا ما أظهروا ضلالا *** واعتقدوا في دينهم محالا
قمنا نبيّن الصواب لهم *** ونحسبن ذلك من حقهم
فما رأيتهم من التحرير *** في كتب التوحيد والتقرير
حل مسائل ورد شبه *** جاء من ضل للمتنبه
قمنا نردها ونبدي الحقا *** بجهدنا كي لا يُضل الخلقا
فعلى أي حال لا ينبغي أن يكون الإنسان متقوقعاً على نفسه ، يُصر على أن ما يقوله هو وحده الحق ، فالحق يُعرف بالرجوع إلى الأصول ، بالرجوع إلى الكتاب والرجوع إلى السنة النبوية الثابتة الصحيحة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لا بمجرد الدعاوى .
ثم مع هذا أيضاً نجد أن علمائنا السابقين كانوا حريصين كل الحرص على ما يوحد الصف ويرأب الصدع ويجمع الكلمة ، بل نجد القيادات السياسية والقيادات العلمية جميعاً تشترك في هذه الناحية ، نحن نضرب مثلاً لذلك عندما شب ضرام الحرب بين الدولة السعودية وأشراف مكة في عهد الملك عبد العزيز وفي عهد الشريف حسين ، شغل ذلك القيادات الإباضية سواء القيادات السياسية أو القيادات العلمية ، فنجد مثلا ًالسلطان تيمور بن فيصل يوجه رسالة إلى الفئتين المتحاربتين ويسند القيام بالصلح في هذه القضية إلى الشيخ سليمان باشا الباروني الذي كان في ذلك الوقت في الحجاز ويقول للطائفتين بأن هذا من علماء مذهبنا ونحن وكلنا إليه أمر الإصلاح ما بين المتحاربين حفاظاً على الوحدة الإسلامية ، وحفاظاً على حرمة الحرم الشريف الذي نخشى أن يكون مهدداً أمنه وأن يفضي ذلك إلى تهديد عُمّاره .
وبجانب ذلك وُجِّهت رسالة من قبل الإمام محمد بن عبدالله الخليلي إلى الشيخ سليمان باشا الباروني نفسه بأنه يطالبه أن يمثّله في القيام بالصلح ما بين الفئتين المتحاربتين حفاظاً على الإخاء الإسلامي وحفاظاً على الحرم الشريف وصونه مما يؤدي إلى تكدير صفو الأمن فيه .
والرسالتان موجودتان جميعاً في كتاب الشيخ أبي اليقظان الذي ألّفه عن تاريخ الشيخ سليمان الباروني بعنوان ( سليمان باشا الباروني في أطوار حياته ) ، فالرسالتان الموجهتان في هذه القضية من القيادتين القيادة السياسية عند السلطان تيمور والقيادة الدينية والسياسية عند الإمام محمد بن عبدالله الخليلي موجودتان جميعاً كما ذكرت في هذا الكتاب .
السؤال
بما تفسرون المساعي التي يقوم بها أهل العلم والدين للحفاظ على مذاهبهم في الوقت نفسه الذي ينادي به هؤلاء أنفسهم بأهمية التوحد ونبذ الفرقة والخلاف ؟
الجواب :
على أي حال نحن لا نقول بأن التقارب ما بين المذاهب الإسلامية يعني أن يتخلى أحد عن مذهبه ، ولا ندعو إلى ذلك ، لا ندعو أحداً إلى أن يتخلى عن مذهبه سواءً من الناحية الفكرية أو من الناحية الفقهية .
أما الناحية الفكرية فهي نتيجة اقتناع ، وليست نتيجة طلب وإلزام .
وأما من الناحية الفقهية فإن الناحية الفقهية إما أن يكون الإنسان فيها مجتهداً بنفسه ، وإما أن يكون مقلداً لمن كان أهلاً للاجتهاد من العلماء . فهذا المجتهد لا يُفرض عليه رأي ، إنما ينظر هو في الأدلة الشرعية ويأخذ بالدليل الذي يراه أرجح ، وفي نفس الوقت إن كان الشخص مقلداً لغيره فإنه لا يُفرض عليه أن يقلد من لم يرض بتقليده من الأئمة ، بل هو يختار الإمام الذي يقلده .
وكما قلنا المسائل الفرعية الفقهية مجال الاجتهاد فيها مجال واسع عند العلماء ، ولربما كان الخلاف الذي بين المذاهب المتعددة في هذه المسائل كالخلاف الذي يحصل بين أئمة المذهب الواحد ، إذ لا يلزم أن يكون المذهب الواحد لا يوجد فيه أكثر من قول ، قد تكون هناك أقوال تتجاوز العشرة في مذهب واحد ، يختلف العلماء إلى أقوال متعددة في القضية الواحدة .
فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يتفطن المسلمون أن الوحدة المطلوبة بين الأمة لا يلزم منها أن ينصهر المسلمون كلهم في مذهب واحد ، لا ، وإنما لكل أحد استقلاليته في الرأي والنظر واعتماده على ما يراه أرجح أو ما يراه أصوب ، فإن ذلك موكول إلى كل أحد وهو مما يُتعبد به بينه وبين ربه سبحانه وتعإلى سواءً كان من المجتهدين أو كان من المقلدين فإنه يختار من يرى تقليده أسلم له من تقليد غيره .
هذا ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي أن يؤدي الأمر إلى التنابز بالألقاب وإلى التراشق بالتهم وإلى محاولة كل فئة أن تحط من قدر الفئة الأخرى وأن تنال من عرضها ومن شرفها ومن إسلامها وإيمانها فإن هذا هو الذي يؤدي إلى التنازع والفرقة والاختلاف ، وكما قلت الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل فقهية كثيرة ، ولربما أدى الأمر أيضاً إلى الاختلاف بينهم حتى في بعض جزئيات مسائل النظر والاعتقاد ولكن لم يؤد ذلك إلى أن يتراشقوا بالتهم وأن يتقاطعوا وأن يعلن كل فريق منهم الحرب على الفريق الآخر ، لا ، وإنما كانوا متسالمين وكانوا متحدين في موجهة العدو المشترك .
والأمة الإسلامية اليوم تمر بمنعطف خطير ، منعطف يستوجب أن تتحد جميع فئاتها من أجل مواجهة تحدياته ، أي تحديات هذا المنعطف ، فهي إما أن تأخذ بأسباب القوة وأسباب العصمة ، وإما أن تظل تتسكع في هذه التخبطات حتى يؤدي الأمر إلى مزيد إضعافها وإلى مزيد النكاية بها من قبل أعدائها .
الأمة الإسلامية لا ينتشلها من هذا الضياع الذي وقعت فيه إلا أن يضع بعضها يده في يد البعض الآخر ، ويتفق الجميع على النهوض بجميع الأمة والسير بها قُدماً ، والتقدم في شتى المجالات سواء المجالات العلمية والصناعية أو المجالات الدعوية والأدبية لتكون هذه الأمة أمة عزيزة بمشيئة الله سبحانه .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
التعديل الأخير تم بواسطة البراء ; 14-12-2012 الساعة 02:00 PM.
|