بادَرَهَا بـِالقـَوْلِ : هُمُ الفِلِسْطينِيّونَ الّذينَ فـَعَلُوا ذلِكَ في أنـْفـُسِهِمْ ، بـِسَبَبِ
انـْقِسَامِهِمْ واقـْتِتَالِهِمُ الدّاخِلِيّ
أجَابَتْهُ : القـَضِيّةُ الآنَ لَيْسَتْ في الإنـْقِسَامِ الذِي حَدَثَ بَيْنَ الفِلِسْطِينِيّينَ ،
القضيةُ الآن في الكارِثـَةِ التِي تَحِلُّ بالأطـْفـَالِ وَالمَرْضَى والعَجَائِزِ في القِطاعِ
قالَ لَهَا وهُوَ يُقـَلّـِبُ صَفـَحَاتِ إحْدى المَجَلاّتِ بَعْدَ أنْ تـَرَكَ - الرّيموت - :
وماذا نَفـْعَلُ لَهُم ؟؟ لا نـَمْلِكُ شَيْئاً
سحَبت من يدهِ المجلّةَ وقالت : نـَسْتَطيعُ أن نــَفـْعَلَ الكَثيرَ ، وَنـَادَتْ عَلَى أوْلادِهِم الثـّلاثـَة
قالَ : اتْرُكي الأوْلادَ بَعِيداً عَنْ مِثـْلِ هَذِهِ الأمُورِ .. الأوْلادُ مَا يَزَالُونَ صِغَاراً
فـَأجابَتْهُ : وأطفـَالُ غَزّةَ أيْضاً مَا يَزَالُونَ صِغاراً
حَضَرَ الأبـْناءُ ،
فقالَتْ لَهُمْ : سَوْفَ نـَجْلِسُ سَوِيّاً ، لِنُشَاهِدَ مَا يَحْدُثُ لإخْوانِنا في قِطاعِ غَزّةَ ,
وهَمَسَتْ في أُذُنِ زَوْجِهَا : هَذا أوّلُ شَيْءٍ يُمْكِنُ أن نـَفـْعَلَهُ ، جَلَسُوا جَمِيعاً
يُتابـِعُونَ التّقارِيرَ التي تـَنْقـُلُ مُعَاناةَ الشَّعْبِ الفِلِسْطِينِيِّ ، ويَتبَادَلُونَ التّعْليقاتِ ويَطـْرَحُ الأبْناءُ بَعْضَ الأسْئِلَةِ
والإسْتِفـْساراتِ عَنِ القـَضِيّةِ الفِلِسْطِينِيّـَةِ ، فكَانتِ الزّوْجَةُ تُجيبُ أحْياناً وتَتـْركُ لِلزّوْجِ الفـُرْصَةَ لِلْقِيامِ بالدّوْرِ
بَعْدَ انْتِهاءِ البَثِّ المُباشِرِ قَالَتِ الزَّوْجَةُ : بَابَا جَمَعَنا يا أوْلادُ لِكَيْ نُفـَكِّرَ سَوِيّاً في تَقْدِيمِ شَيْءٍ عَمَلِيّ نُساعِدُ
بهِ أشِقـَّاءَنا في قِطاعِ غَزّةَ
شَعَرَ الزّوْجُ بالحَرَجِ مِمّا نـَسَبَتْهُ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ فـَأرَادَ أنْ يُؤَكِّدَ لَهَا أنّـَهُ يُوَافِقُهَا الرَّأيَ
فقالَ : نعمْ يا أوْلاد .. المَفـْروضُ أنْ نُسَاعِدَ إخْوَانَنا في غَزّةَ وَ أنا
جَمَعْتُكُمْ مِنْ أجْلِ ذلِكَ
قَالَتِ البـِنْتُ الوُسْطى : نَدْعوا لَهُمْ في كُلِّ صَلاةٍ ، وَندْعُوا على اليَهُــودِ المُجْرمِين
قَالتِ الأمُ : هذا اقـْتِرَاحٌ جَمِيلٌ .. نُسَجِّلُهُ ، وَأمْسَكَتْ بـِوَرَقـَةٍ وَقـَلَمٍ لِتَكْتُبَ المُقـْتَرَحَاتِ
قالَ الأبُ : لَكِنَّ الدُّعَاءَ وَحْدَهُ لاَ يَكْفِي ، مَا رَأيُكُمْ في مَوْضُوعِ التـَّبَرُّعِ ،
لأنَّـهُ كَمَا رَأيْنا ظرُوفـَهُمُ المَعـِيشِيّـَةَ صَعْبـَةً لِلْغَايَةِ ، و سَمِعْتُ أنَّ هُناكَ بَعْضَ المُؤسَّساتِ الرَّسْمِيَّةِ التِي
تَقُومُ بتَوْصِيلِ التـَّبُرُّعَاتِ لأهْلِ فِلِسْطِينَ ، كُلُّ واحِدٍ مِنّا يُخرِجُ جُزْءً مِنْ مَصْرُوفِهِ أوْ مِنْ مَالِهِ الخَاصّ ..
عَلى حَسَبِ اسْتِطاعَتِهِ
فـَبادَرَ الإبْنُ الأصْغَرُ : أنا سَوْفَ أتـَبَرَّعُ بـِحَصَّالَتِيِ .. و أسْرَعَ إلَى غُرْفـَتِهِ لإحْضـَارِ الحَصَّالَةِ
قالَ الإبْنُ الأكبْرُ : أنا عَنْ نَفْسِي سَوْفَ أُكَوِّنُ مَجْمُوعَة ًبَرِيدِيَّةً عَلَى الأنْتِرْنِت ،
أُرْسِلُ لَهُمْ صُوَراً وأخْبَاراً عَنِ الوَضْعِ في غَزّةَ وأطـْلُبُ مِنْهُمْ أنْ يَتَفَاعَلُوا مَعَ القـَضِيَّةِ ، ويَنْشُرُوهَا عَلَى
مُسْتَوىً وَاسِعٍ ، وَنُفكِّرُ كُلُّنا في إيجَادِ حَلّ
قالَ الأبُ مُسْتَحْسِناً الفِكْرَةَ : جَمِيلٌ جـِدّاً ، والأمُ تُسَجِّلُ المُقـْتَرَحَاتِ
قالَتِ البـِنْتُ : وَ يُمْكِنُنا يا أحْمَدُ أن نـُنـْجزَ أيْضاً مُدَوَّنَة عَنْ حِصَارِ غَزّةَ ،
وَالمَوْضُوعُ بَسِيطٌ جِدّاً ، لَكِنْ يَحْتَاجُ أنْ نَبْذُلَ فِيهِ جُهْداً حَتَّى تَكُونَ المُدَوَّنَةُ مُؤثـِّرَةً وَتَجْعَلُ الشَّبَابَ يَتَفَاعَلُونَ
الأمُ : نَحْنُ الآنَ كَتَبْنا بَعْضَ المُقـْتَرَحَاتِ العَمَلِيَّةِ الجَيِّدَةِ ، لَكِنْ أعْتَقِدُ
أنَّ هُناكَ أفـْكَاراً أخْرَى ، بإمْكانِنا تـَنـْفِيذَهَا
فقَالت البـِنْتُ : يُمْكِنُني عَمَلُ مَجَلَّة َحَائِطٍ فِي المَدْرَسَةِ
قالَ الإبنُ الأكْبَرُ: وبإمْكانِنـا أنْ نَعْمَلَ مَجَلَّةً أخْرَى في مَدْخَلِ العِمَارَةِ.
وبَيْنَمَا كَانَ الأبْنَاءُ يَتَناقشُونَ فِي كَيْفِيَّةِ تَنْفِيذِ الأفـْكَارِ الّتِي تَوَصَّلُوا إلَيْهَا،
لاحَظَ الأبُ أنَّ زَوْجَتَهُ تَجولُ بـِبَصَرِهَا فِي أرْجَاءِ الشُّقَّةِ وَهِيَ تـَنـْظُرُ لِلأجْهِزَةِ الكَهْرَبَائِيَّةِ وَمَصَابـِيحِ الإضَاءَةِ.
أدْرَكَ مَا تُفَكِّرُ فِيهِ زَوْجَتُهُ
فقالَ لَهَا :الأوْلادُ عِنْدَهُمْ مُذاكَرَة.
قَالَتْ: وأطفَالُ غَزّةَ أيْضاً عِندَهُمْ مُذاكَرَةٌ وامْتِحَاناتٌ.
قالَ: الجَوُّ بَارِدٌ وَالشُّقـَّةُ تَحْتـَاجُ لِلتَّدْفِئَةِ.
قَالتْ: ولَيْسَ بَرْدُنا أشَدَّ مِنْ بَرْدِ غَزّةَ.
قالَ: كَيْفَ سَنـَقـْضي لَيْلَتَنا.
قَالتْ: كَمَا يَقْضُونَ هُمْ لَيَالِيهِمْ.
قَالَتِ الأمُّ: مَا رَأيُكُمْ يَا أوْلاَد .. نًفـْصِلِ التَّيَّارَ الكَهْرَبَائِيَّ عَنٍ الشُّقـَّةِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ..
لِنُشَارِكَ إخْوَانـَنا في غَزّةَ شَيْئاً مِنْ مُعَاناتِهِمْ.
الأوْلادُ صَمَتُوا قـَلِيلاً كَأنَّهُمْ يُفـَكِّرُونَ فِي الإقـْتِرَاحِ ثـُمَّ أجَابُوا بـِصَوْتٍ واحدٍ: وَاللهِ فِكْرَة.
ولمْ يَجـِدِ الأبُ سَبيلاً هز رَأسِهِ معلناً موافقته .
صَاحَ الإبْنُ الأكْبَرُ: لَكِنْ كَيْفَ سَنُجَهِّزُ المُقـْتَرَحَاتِ الخَاصَةَ بالأنـْتِرْنِتْ وَمَجَلاَّتِ الحَائِطِ؟
قَالَتِ الأمُ: لَوْ بَدَأنا تَنـْفِيذَ مَشْرُوعَ مُناصَرَةِ غَزَّةَ بمُعَايَشَةِ ظُرُوفِ أهْلِهَا،
سَوْفَ يُمَثـِّلُ ذلِكَ دَافِعاً لِتَنـْفِيذِ بَقِيَّةِ المُقـْتَرَحَاتِ، وَبـِرُوحٍ عَالِيَةٍ.
قالَ الأبُ: خَلاَصْ يَا أوْلاَد .. تَوَكَّلْنا عَلَى اللهِ، جَهِّزْ يَا أحْمَدُ الشَّمْعَ، أحضر يَا عَمْرو الـ...
لَمْ يَتَمَكَّنِ الزَّوْجُ مِنِ اسْتِكْمَالِ جُملتِهِ حَتّى قَامَتِ الزَّوْجَةُ بفـَصْلِ التـَّيَّارِ الكَهْرَبَائِيِِّ عَنِ الشـُّقـَّةِ.