أترككم مع الموضوع بعنوان : ردٌ على مقال (تساؤلات حول حريق مدرسة في بدبد) بقلم : خالد بن عيسى بن صالح السليماني
حمداً وسلاماً،،، وبعدُ : [ إنَّ الحكمَ على الشيءِ فَرْعُ تصوِّرِه ]!!! قاعدةٌ شرعيةٌ فقهيةٌ جليلة، نتعلمُ منها أنْ لا نَهْرِفَ بما لا نعرف!! لا غروَ أنّ تسرعَ الأخ صاحب المقال الموسوم بــ(تساؤلات حول حريق مدرسة في بدبد)، والمنشور في جريدة الشبيبة بتاريخ (4/4/2011م)، وعدم تصوِّره الصحيح لأصل القضية التي تطرّق إليها في مقاله؛ قد أوقعه في سقطاتٍ لغويةٍ في أسلوبِ كتابته، كما أوقعه في نكساتٍ ومغالطاتٍ وجبَ الوقوف عندها، وهو لم يبدأْ مقاله بمناقشة الموضوع الذي هو بصدده بشكلٍ مباشر، وإنما فَكَّــــرَ وقَدَّر!! ثم نَظَر!! ثم عَبَسَ وبَسَر!! فاسْتَهلَّ كلامه بمقدماتٍ ملغومةٍ مفخخة!! تستهدفُ ((الأجساد البشرية)) كما سمّاها، والتي تعملُ داخل المبنى المدرسي، وأسلوبه اللغوي المرتج لا يليقُ أبداً بعِظَمِ الموضوع المطروح، وحالُهُ إثرَ ذلك كحالِ مَنْ يهزُّ منكبيه!! ويضربُ الأرضَ برجليه!! ويدقُّ على أمِّ رأسِهِ بيديه!!
ـ وسيكون الرد عليه وفق المحاور الآتية : v أولاً : زعم كاتب المقال بأنّ المدرسة هي ((أساس بناء الفرد وتكوين شخصيته ومصدر لإكسابه القيم والمثل العليا))!! عجبٌ عجابٌ!! إذن أين ذهبت تربية الأسرة المتمثلة في الأب والأم؟ أليستْ هي الأساس؟ وأين ذهبتْ تربية المجتمع الذي نشأ فيه الطالب؟ بل أين ذهبتْ تربية المسجد الروحية للفرد؟!! أليستْ هذه الأمور كلها أساس تربية الفرد؟ وأنّ المدرسة ما هي إلا فرعٌ ضحلٌ من أصلٍ متمثلٍ في الأسرة والمجتمع والمسجد؟ وأنّ الساعات اليسيرة والأيام القصيرة التي يقضيها الطالب في المدرسة لا تمثلُ شيئاً يُذكر إذا ما قُورِنتْ بمعظمِ الساعات والأيام التي يكون فيها الطالبُ في بيته ومجتمعه؟؟! إذن مَنْ هو المسؤول الحقيقي عن تربية الفرد هنا؟ أهي المدرسة؟ أم الأسرة والمجتمع والمسجد؟؟!!ثم إنك يا أخي –كاتبَ المقال- ألا تعلم بأنّ لفظة [التربية] الموجودة على اسم وزارتنا الموقرة قدِ اغْتُصِبَتْ وانْتُهِكَتْ ودُنِسَ شرفُهَا وأصبحتْ حُبلى من غير بعلٍ؟!
v ثانياً : ذكرَ صاحبُ المقالِ هيبةَ ومكانةَ المدرسة، وأنّ هذه الهيبة إذا اختلتْ فمن السهولة أن يُعاثَ فساداً فيها، فلا رادعَ ولا حاجزَ، وأنّ أساس هذه الهيبة هو الكادر التربوي والإداري في المدرسة على حدِّ قوله!!
وهنا تساؤل : ما علاقةُ حريقٍ وقع في مدرسةٍ في ليلةِ الجمعة بعد منتصف الليل وفي إجازةٍ رسميةٍ بهيبةِ ومكانةِ الهيئة التدريسية والإدارية فيها؟؟!! هل أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية قد استأجروا صفوفَ المدرسة كغرفٍ للنوم والاستجمام في أيامِ إجازتهم الرسمية؟ وأنّ هيبتهم الضعيفة المهزوزة قد سمحتْ لذلك المخرب من اقتحامِ فناء المدرسة في جنح الظلام وإحراقِ بعض مرافقها وهم صمٌ بكمٌ عميٌ لا يحركون ساكناً وينظرون إليه بدمٍ بارد؟!
يالله العجب!! أنتم تصطادون في المياهِ العَكِرَةِ للنيلِ من شرفِ المعلمِ وقدرِه.
v ثالثاً : حديثُهُ عن بعض حاملي رسالة التعليم –وهم المعلمون بلا أدنى شك- أنهم لا يفقهون عظمة الرسالة التي يحملونها والرسالة منهم براء، وأنه لا يتم انتقاؤهم عبر معايير قيمية وأخلاقية –على حد وصفه-، حديثه عن ذلك في مقالٍ يتحدث عن واقعةٍ جنائيةٍ صِرْفَةٍ يُعَدُّ ثلباً وتهكماً بل واتِّهاماً مبطَّناً بالتواطؤِ على وقوع هذه الجريمة.
يا أخي كاتب المقال، أنت بكلامك هذا تشيرُ إشارةً إيحائية إلى معلمي تلك المدرسة التي وقع فيها الحريق بأنهم المقصودون بهذا الخطاب، أليس كذلك؟
وهذا يُعدُّ إهانةً وإساءةً لهم بطريقةٍ أو بأخرى، ومن هذا المنطلق فقدِ استشرتُ في هذه النقطةِ خاصةً قاضياً في إحدى المؤسسات القضائية في السلطنة، وأطلعتُهُ على كلامِ صاحب المقال في هذا الجانب لكي يُعلِّـــــقَ قانونياً على ما جاء فيه، فكَتَبَ إليَّ بلغةِ القانون ما نصه : ((إنَّ هيبةَ الموظف ومكانته التي تفرض الاحترام والتقدير تُحاطُ بالحمايةِ القانونية ضد أي محاولةٍ للإساءةِ إليها؛ وذلك نظراً للخدمةِ العامةِ التي يقدمها والتي تُشكِّلُ عصبَ سيرِ المرافقِ العامة واستمرارها واطِّرادها بما يخدمُ المصالح العليا للبلاد، وتقديم المنفعة العامة نحو تقدم المجتمع ورقيِّه.
القانونُ حمى هيبةَ الموظف وسمعته من أقلهم درجة إلى أعلاهم، وأحاطه بسياجٍ ضد كُلِّ مَنْ أراد إهانته أو الإساءة إليه، وذلك بوقفِهِ عند حدِّهِ ليكونَ عرضةً للمساءلةِ القانونية، فكيف إذا كانت تلك الإساءة والإهانة موجهة للمعلم الذي يمتهنُ مهنةً رفيعةً، ويُقدِّمُ خدمةً جليلةً تكمنُ في تربيةِ الأجيالِ وبناءِ مجتمعٍ متعلمٍ ومثقف، والذي هو مؤشرٌ لكلِ حضارةٍ أرادتِ الثباتَ والاستمرارَ في سبيلِ التقدمِ والازدهار، فالمعلمُ جديرٌ بتلك الحماية وأولى بها من غيره.
والقانون ليس سوى انعكاس للواقعِ وإرادةِ المجتمع، والمجتمعُ لا يرضى بإهانةِ أي موظفٍ تبعاً للاعتباراتِ الوارد ذكرها، وبالتالي فقد نصّتْ المادة (173) من قانون الجزاء العُماني على أنّ : [[كل من أهان موظفاً بالكلامِ أو بالحركاتِ علانيةً أو بالنشرِ أثناء قيامِهِ بوظيفتِهِ أو بمناسبةِ قيامِهِ بها؛ يُعاقبُ بالسجنِ من عشرة أيام إلى ستة أشهر]].
ومن هذه المادة الجزائية وددتُ تذكيرَ كل من تُسوِّلُ له نفسه الإساءةَ لأي موظفٍ، إذ إن القاعدة العامة لا تعتدُّ بجهلِ الأفرادِ بالقانون...)). انتهى كلامه.
ثم أشار إليَّ القاضي نفسه إلى الرجوعِ للمادةِ (31) من قانونِ المطبوعاتِ والنشرِ المعمول به في السلطنةِ، والتي نصُّها :
[[لا يجوزُ نشرُ كل ما من شأنه التحريض على الجرائم أو إثارة البغضاء أو إشاعة الفحشاء أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع]].
وبالتالي فإنَّ ما ذكره كاتبُ المقالِ –سواءٌ كان بالتصريحِ أوِ التلميح- من تهكمٍ على حاملي رسالة التعليم من المدرسين وعلى المنتمين للسلك التربوي التعليمي والإقلال من شأنهم والحط من قدرهم فإنه يثير البغضاء –بلا شك- ويؤلب نفوس الناس ضد هؤلاء بل ويبث روح الشقاق بينهم وبين باقي أفراد المجتمع.
وعليه فقد قضتْ المادة (36) من قانون المطبوعات والنشر على أنّ كل مخالفة لأحكام المادة (31) الوارد ذكرها سابقاً فإنّه : [[يُعاقبُ مرتكبها بالحبسِ مدة لا تتجاوز "سنتين" أو بالغرامة التي لا تتجاوز "ألفي" ريال عماني، أو بالعقوبتين معاً]].
أخيراً أقولُ : ما هكذا تُوردُ الإبلُ يا أخي كاتب المقال!!
رسالةٌ أُوجهها إليك أنْ لا تخلطَ الحابلَ بالنابلِ وأنتَ تتحدثُ عن شريحةٍ واسعةٍ لها مكانتها وقدرها في المجتمع، وأنْ تُفرِّقَ قبل ذلك بين لطَّاتِكَ وقطَّاتِك، ولا تكنْ كحاطبِ ليلٍ، واعلمْ بأنَّ الذين ذكرتهم في مقالِكَ -ممن لا يحملون الأمانةَ بحقٍ- ما هم إلا غُثاءٌ كغُثاءِ السيل.
خِتاماً أسألُكَ : هل يضرُّ السماءَ العواء؟!!
..والسلام..
كتبـه : خالد بن عيسى السليماني
المصـدر : جريدة الشبيبة 18/4/2011م