مرحبا أستاذي "القائد"،
على منوال العبارة الشهير للزعيم الفرنسي "شارل ديغول" أقول لك :"لقد فهمتك أستاذي COMANDER". لقد فهمتك بأنك خبير استراتيجي تعمل بمبدأ "التوازنات" من خلال طرحك لمواضيع مترابطة ذات قواسم مشتركة تصب كلها في خانة محاولة "رفع الغبن عن المواطن الزوالي" وأشكرك على اهتمامك بـ"انشغالات المواطن"، فبعدما تطرقت من قبل إلى دور المواطن في المساهمة في تحسين وتنويع مصادر دخله، ها أنت تنتقل إلى دور الحكومات في حل هذه المعضلة مطبقا شعار " ما تجوّع الذيب و ما تبّكي الراعي" و"شوية من الحنة وشوية من رطابة اليد".
وبالفعل تعرف القدرة الشرائية للمواطن العربي تدهورا خطيرا انعكست سلبا على حياته المعيشية في ظل الغلاء المستمر والارتفاع الجنوني لاسعار السلع والخدمات.
فماذا بوسع الحكومات أن تفعل بغية التخفيف من حدة هذه الأزمة ؟
هناك بعض الحكومات العربية من خطت خطوات عملية في هذا المجال حيث قامت بتخفيض أسعار الماء والكهرباء وأبقت على مجانية التعليم والخدمات الصحية في المراكز التابعة للقطاع العمومي ، كما قامت بتنصيب أفواج عمل مهمتها دراسة موضوع دعم المواد الغذائية المستوردة ذات الاستهلاك الواسع وفي مقدمتها السميد (الدقيق) والحليب التي عرفت انفجارا كبيرا في الأسواق العالمية في السنتين الأخيرتين وهي أسعار مرشحة للارتفاع أكثر بسبب العوامل المرتبطة بالسوق العالمية إلى جانب محاولة تسقيف أسعار مواد أخرى كالسكر والقهوة والزيت وهي المواد التي عرفت أسعارها أيضا التهابا في السوق العالمية في الفترة الأخيرة.
ولكن تدخل الدولة هنا هو حل مؤقت بسبب تعارض ذلك مع بعض التزامات الحكومات الدولية، ومنها موضوع تحرير الأسعار الذي يعتبر من بين الشروط التي يتم التركيز عليها في ملف الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، إضافة إلى صعوبة إيجاد صيغة معينة لدعم مواد استهلاكية يتم استيرادها من الخارج بنسبة مئة في المئة، على أساس أن أي دعم لهذه المواد هو بمثابة دعم مباشر للشركات المنتجة لتلك المواد في بلدانها الأصلية إلى جانب تغذية المضاربة في السوق المحلية.
إذن لا يمكن للحكومات أن تلعب دور رجل المطافئ على طول الخط نظرا لوضعية اقتصاداتها الهشة ومحدودية ميزانياتها وضعف ناتجها الداخلي الخام. يضاف إلى ذلك (بسبب غياب الدولة أو ضعفها) تدخل جماعات المصالح أو أباطرة الاحتكار (طيور الظلام)الذين يشكّلون ركائز الاقتصاد المحلي ويتحكمون في السوق ليس بشكل مزاجي كما قلت أخي COMANDER ولكن كل شيئ بالنسبة لهم مدروس بدقة متناهية. مصاصي الداء هؤلاء (الوسطاء) يقومون بشراء المواد الأساسية بأسعار مدعمة من قبل الدولة ويعيدون طرحها مجددا في السوق بأسعارهم الخاصة.
والحل يكمن في ضرورة التصدي لـ "طيور الظلام" وتشجيع الانتاج المحلي بغية الوصول إلى الاكتفاء الذاتي وتحقيق "الأمن الغذائي" والتحرر من التبعية الغذائية التي أصبحنا مرتبطين بها كارتباط الرضيع لأمه، وتشجيع الاستثمار الحقيقي (الأموال التي تنتج أموالا وليس الأموال التي تنتج استهلاكا مباشرا)، الاستثمار في الميدان الزراعي، الصناعي والسياحي وليس الاستثمار في المشروبات الغازية واللبان والأجبان ذات الماركات العالمية.
|